صور... برد الشتاء وغلاء الإيجار يقضان مضاجع النازحين جراء حرب العاصمة الليبية

المشروع السكني الذي لم يكتمل إنشاؤه في طرابلس (أ.ف.ب)
المشروع السكني الذي لم يكتمل إنشاؤه في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

صور... برد الشتاء وغلاء الإيجار يقضان مضاجع النازحين جراء حرب العاصمة الليبية

المشروع السكني الذي لم يكتمل إنشاؤه في طرابلس (أ.ف.ب)
المشروع السكني الذي لم يكتمل إنشاؤه في طرابلس (أ.ف.ب)

في قلب العاصمة الليبية لجأت ليلى محمد وأطفالها السبعة إلى إحدى الشقق في مشروع سكني لم يكتمل إنشاؤه هرباً من القذائف التي أمطرت منطقة الخلة حيث منزلها جنوب العاصمة طرابلس.
وتعد هذه المنطقة مسرحاً للأعمال العسكرية ويتقاسم السيطرة عليها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وقوات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وهربت ليلى على عجل دون أن يتسنى لها حمل أي من مقتنيات منزلها. وبدأت رحلة من العذاب والتعب متنقلة من منزل لآخر، لتصبح أسيرة جشع أصحاب الشقق التي يؤجرونها لمن يدفع أكثر.

تقول ليلى داخل شقة أغلقت أبوابها ونوافذها بورق الكارتون والخشب المهترئ فسادتها ظلمة وبرودة تشبه ما تراه داخل مغارة: «لجأت إلى هنا مرغمة، ليس بيدي حيلة، بعد نزوحي من منزلي». وأضافت في حديثها لوكالة الصحافة الفرنسية: «إيجار المنازل استنفد كل أموالي ما اضطرني اللجوء إلى هذا المكان... هنا نعيش مثل الحيوانات لا يوجد ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي... كل ما نريده حياة تليق بالبشر». ومضت بقولها: «برد الشتاء فتك بنا في ظل عدم وجود أبواب، وابني الصغير يعاني من مرض مزمن في صدره، ونتيجة الغبار والتلوث كاد يموت اختناقاً لولا لطف الله ونقله للمستشفى بسرعة».
وتقطن أكثر من 170 عائلة نازحة في المشروع السكني الحكومي المكون من 150 وحدة سكنية موزعة على 6 عمارات توقف العمل فيها عام 2008 بسبب مشاكل فنية ونزاعات حول الملكية.

ولا تختلف حالة سميرة كثيراً عن حالة ليلى، فهي امرأة متزوجة وأم لأربعة أطفال، اختارت غرفة صغيرة بجانب العمارات السكنية.
وقالت سميرة: «لقد فضلت العيش في غرفة صغيرة بجانب عمارة لأشعر وأطفالي بالدفء... العيش في شقة من دون نوافذ وأبواب ستجعلنا وكأننا نعيش في ثلاجة مع برد الشتاء».
ولا تتعدى مساحة الغرفة ثمانية أمتار مربعة، ساعدها أحد أهل الخير في تركيب نافذة وباب لها. وعلى الرغم من معاناتها فهي راضية كونها لا تدفع مالا مقابل إقامتها. وقالت: «رغم أن المكان غير صالح للعيش، لكني هنا لا أحتاج لدفع إيجار وبالتالي أعدها فرصة من السماء، رغم معاناة جلب المياه وقضاء الحاجة في غياب المرافق».
وسميرة هي «النازحة الأخيرة من منطقة الخلاطات، بعدما خرج كل السكان وصارت مهجورة»، على حد قولها. وأردفت «سقوط صاروخ قرب منزلي دفعني للمغادرة فوراً في الليل بعد أن بقيت فيه على الرغم من مسلسل الرعب الذي شهدناه طيلة الأشهر الماضية نتيجة أصوات الاشتباكات القريبة».

ويرى سالم شطي، رئيس لجنة النازحين بالموقع السكني، أن التكافل الاجتماعي الذي تفاعل معه سكان طرابلس، خفف من أعباء تقديم وتوفير متطلبات النازحين. وقال: «بسبب النازحين هنا تشكل تكافل اجتماعي كبير دفع الكثير من الناس للتوجه إلى هذه العمارات السكنية، وتوفير الغذاء والدواء وبعض الأغطية والمستلزمات غير الغذائية شعوراً منهم بإخوتهم». وتابع: «نحاول توزيع التبرعات من قبل أهل الخير على الجميع بالتساوي وحسب حاجة كل عائلة».
وقالت ميسون الدياب، عضو لجنة الأزمة في حكومة الوفاق الوطني، إن الغياب الحكومي تسبب في تفاقم أزمة النازحين، وبالتالي جعلهم بين عجز حكومي عن توفير أماكن تأويهم وبين أصحاب المنازل «الجشعين». وأضافت «الحكومة لم تقدم شيئا لهم بل لم تسأل عنهم... وعلى الرغم من انعدام المرافق الصحية هنا، فإنهم يبحثون فقط عن جدران تأويهم».

وعلى الرغم من تشكيل حكومة الوفاق «لجنة عليا للطوارئ» معنية بمعالجة الآثار المترتبة عن الحرب، لكنها تعاني من مشكلات كثيرة مع ارتفاع عدد النازحين المستمر جراء اتساع رقعة المعارك.
وبلغ عدد النازحين 146 ألف شخص، فيما تسببت المعارك بمقتل أكثر من ألفي مقاتل وما لا يقل عن مائتي مدني، بحسب غسان سلامة المبعوث الدولي إلى ليبيا.
ويقوم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ أبريل (نيسان) بهجوم من أجل انتزاع السيطرة على طرابلس من حكومة الوفاق التي تشكلت في عام 2016.
وقال عبد العاطي الهادي، المتطوع الذي يأتي يومياً إلى الموقع السكني، لتقديم مقتنيات أو مواد غذائية أو مستلزمات للنازحين «كل يوم أمر من أمام هذه العمارات، ويحزنني أننا نأكل ونشرب وأطفالنا في دفء وسكينة وإخوتنا في هذا الحال المأساوي».

وختم والدموع في عينيه «شعرت بهم وبمعاناتهم، في سكن لا أبواب ولا نوافذ له والبرد يفترسهم... أدعو كل الليبيين للتوحد والتعاضد وكفى حرباً بين الإخوة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.