جبايات حوثية تستهدف «كسارات» الحجارة وتوقف عمل العشرات منها

رسوم غير قانونية على الإنتاج وعلى عمليات النقل لدعم المجهود الحربي

TT

جبايات حوثية تستهدف «كسارات» الحجارة وتوقف عمل العشرات منها

«تبددت أحلامنا وانهار رأس مالنا فأصيب أبي بجلطة على أثرها فارق الحياة، فيما هاجر أخي الأكبر خارج اليمن بعد أن أغلقت ميليشيات الحوثي الانقلابية الكسارة التي كنا نملكها، وبعد مرور عام من التوقف قررنا بيعها حتى لا تصدأ الأجهزة والمعدات».
هكذا يصف أبو بلال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» معاناته وأسرته جراء ممارسات الابتزاز والنهب من القيادات الحوثية التي امتدت لتصل إلى مناجم الحجارة التي يستخرج منها الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في محيط صنعاء ومناطق أخرى.
من جهته يقول أبو مصطفى الذي أصبح عاطلا عن العمل هو الآخر: «أثقلت الميليشيات كاهلنا بالجبايات ولم يعد الدخل يغطي نفقات العمال ومتطلبات الإنتاج، وفي أحيان كثيرة كنا نقترض حتى ندفع رواتب العمال».
وكانت الجماعة الحوثية قررت أخيرا فتح مكتب لهيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية بمحافظة صنعاء (أرياف العاصمة) ومناطق أخرى من أجل التضييق على ملاك الكسارات ونهبهم قبل أن تقوم بإغلاق 38 كسارة من كسارات ومناجم إنتاج الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة.
وذكر موظفون في مناجم تكسير الحجارة أن الكسارات التي تم إغلاقها توجد في صنعاء وعمران وحجة وباجل وذمار وإب، ويوجد منها 11 كسارة في محافظة صنعاء في مناطق ضلاع همدان ومنطقة صرف ومنطقة حزيز، حيث تزعم الجماعة أنها مخالفة لقانون المناجم، رغم أنها تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظمة لهذا القطاع.
وأكد ملاك الكسارات أن الجماعة فرضت رسوماً تقدر بـ8900 ريال (سعر الدولار 595 ريالا) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، بينما كان يباع سابقاً بـ2900 ريال فقط كما فرضوا جبايات في كل مرحلة من مراحل الاستخراج والبيع.
ويحذر اقتصاديون من مغبة الممارسات التي تنتهجها ميليشيات الحوثي الانقلابية تجاه هذا القطاع الحيوي إذ كثفت على مدار الأشهر السابقة من الحملات على ملاك الكسارات وأجبرت كثيرا منهم على التوقف عن العمل بالتوازي مع مساع لفرض مبالغ جديدة تقدر بـ30 في المائة من المبيعات إضافة إلى فرض ضرائب ورسوم للمجلس المحلي وتخصيص تبرعات للمجهود الحربي، فضلا عن دفع ما تسميه الجماعة «الخمس».
وأوضح ملاك الكسارات أن الجماعة لم تكتف بفرض هذه الجبايات المتنوعة، ولكنها فرضت مبالغ أخرى تحت أسماء أخرى منها «عوائد مجتمع، وتنمية مجتمع محلي وتنمية محافظة وأجور إشراف ورقابة ومتابعة للسلامة البيئية ورسوم النظافة وتحسين المدينة والمجالس المحلية وإتاوات للمشرفين ودعم المناسبات ورعاية الاحتفالات».
في السياق نفسه، أفاد سائقو ناقلات الحصى بأن الجماعة ضاعفت الرسوم عليهم، حيث ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة حجم 16 متراً، من 64 ألف ريال، إلى 128 ألفا في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 400 ألف ريال (الدولار نحو 595 ريالا).
ويتهم ملاك الكسارات القيادي الحوثي إبراهيم الوريث المعين من قبل الجماعة في منصب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية ويقولون إنه «يمارس كل أنواع الابتزاز والنهب ضد ملاك الكسارات ويطالب بدفع رسوم وضرائب وإتاوات غير قانونية».
وكان القيادي الحوثي الوريث أرسل تعميمات لأصحاب الكسارات في كل المناطق الواقعة تحت سيطرتها تقضي «أن تكون فواتير البيع من الكسارة مختومة بختم الهيئة التي يرأسها ومصادق عليها من مندوب الهيئة وفي حالة عدم وجود فاتورة لدى الناقلة للحصى أو الرمل الناعم يتم مصادرتها وحبس السائق وفرض غرامة عليه».
ويشكو مالك كسارة تحدث لـ«الشرق الأوسط» من عملية التقطع للناقلات من قبل الميليشيات، حيث أراد ترميم جزء من منزله فأرسل ناقلة لهذا الغرض، إلا أن أفراد الميليشيات صادروا الحصى والرمل بحجة عدم وجود فاتورة معتمدة من الجماعة.
ويقول أبو علي وهو صاحب كسارة في محافظة إب: «من كثرة الجبايات والأطقم المسلحة التي تأتي أغلب الأيام لم نعد نستطيع حصر الجهات التي ندفع لها، فمعظم الوقت أقضيه في التفاوض مع جماعات مسلحة تريد الجباية حتى لا يغلقوا الكسارة».
وكانت نقابة التجار في صنعاء أصدرت بيانا ندد بالممارسات التي تتم ضد هذا القطاع الحيوي والتي وصفتها بالتصرفات الخارجة عن النظام والقانون.
وأوضح مسؤول في النقابة أن فرض ضرائب وتحصيلات غير قانونية وجبايات ليست في القانون اليمني على الكسارات تعتبر انتهاكا لحقوق المواطن وجريمة بحق آلاف العاملين في هذا القطاع.
ويكشف ملاك الكسارات عن أن الميليشيات في مقابل انتهاكاتها المتكررة بحقهم تسمح للكثير من القيادات التابعين لها بافتتاح كسارات وتستثنيهم من دفع الإتاوات، بل وتوفر لهم المعدات والآلات التي كانت قد صادرتها من تجار آخرين وبمنحهم مواقع مهمة لاستخراج حصى الخرسانة منها.
وتستغل الجماعة الموالية لإيران مناسباتها الطائفية والاحتفالات التي تقيمها على مدار السنة لحملات نهب تطال جيوب اليمنيين وتنعكس في رفع الأسعار على المستهلك، حيث تضاف الجبايات المالية على تكلفة السلع.
ويقول أحد ملاك الكسارات إن «عربات مسلحة تابعة للحوثيين انتشرت أخيرا، وبدأت تأخذ نسب البيع من كل فاتورة، وفي حين يرفض العمال دفع الأموال يقوم الأفراد المسلحون باعتقالهم حتى يذهب مالك الكسارة إلى القيادي الحوثي للمراجعة والتفاوض معهم حول المبلغ المطلوب دفعه والإفراج عن العاملين والعودة للعمل».
ويعاني ملاك الكسارات في مديرية بني قيس بحجة (شمال غرب) من غطرسة القيادات التابعة لميليشيات الحوثي، فقد أجبر قيادي حوثي أحد ملاك الكسارات على إعطائه عددا من الناقلات المحملة بالحصى والرمل الناعم دون أن يدفع له.
ويقول التاجر لـ«الشرق الأوسط»: «أعطيته مجبرا فلو لم أفعل فسوف يغلق الكسارة في اليوم الثاني، وهذا يعني الإفلاس وضياع رأس المال وتلف المعدات والآلات وبداية للبحث عن عمل».
ويقول أبو موسى وهو صاحب كسارة في مدينة إب: «يريدون منا دفع ضرائب منذ أن بدأنا العمل قبل 15 سنوات! رغم أننا نسدد كل الضرائب سنويا فإن جماعة الحوثي تريد إعادة تسديد الضرائب مرة أخرى».
ويتساءل أبو عبد الله مستنكرا من سلوك الميليشيات بقوله: «الكسارات بعضها يعمل منذ 20 عاما وهي تعمل في هذا المجال والكل يعمل وفق القوانين، واليوم تأتي جماعة الحوثي وتقول إننا نعمل من دون تراخيص ولا نلتزم بالاشتراطات البيئية!»
ويضيف «يغلقون علينا الكسارة بحجة أننا نتسبب في آثار بيئية مدمرة ليس على المناخ فقط، بل على صحة الإنسان والحيوان وكذا التربة والزراعة والمياه... بغرض ابتزازنا بمبالغ كبيرة تصل أحيانا إلى عشرين مليون ريال، وبمجرد أن ندفع الإتاوات الباهظة تنتهي الاتهامات».
وكانت ميليشيات الحوثي نهبت معدات مصنع إسمنت البرح في مديرية مقبنة غرب محافظة تعز في منتصف 2017، وذكر سكان محليون أن سيارات نقل كبيرة شوهدت وهي تنقل معدات مصنع البرح باتجاه مناطق أخرى تقع تحت سيطرة الميليشيات الحوثية.
وكشف ناشطون وحقوقيون أنه تم نهب كل أصول وممتلكات المصنع من قطع غيار وسلاس نقل الصخور والفرن الاحتياطي وكابل الفرن النحاسي وسيارات ومعدات وكابلات نحاس إضافة إلى ستة أطنان من المتفجرات وحتى شرائح التشغيل، حيث تم نقل الجميع إلى محافظة عمران شمالا.


مقالات ذات صلة

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

خاص رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك خلال لقاء سابق مع السفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

قال رئيس الوزراء اليمني إن الالتزامات الدولية تجاه اليمن لن تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل ستشمل أيضاً المجالات الأمنية والدفاعية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج نزع فريق «مسام» في محافظة عدن 154 ذخيرة غير منفجرة (واس)

مشروع «مسام» ينتزع 732 لغماً في اليمن خلال أسبوع

تمكّن مشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، خلال الأسبوع الثالث من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، من انتزاع 732 لغماً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي لقاء سابق بين رئيس الوزراء اليمني والسفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

«اجتماع نيويورك»... نحو شراكة استراتيجية بين اليمن والمجتمع الدولي

تأمل الحكومة اليمنية تأسيس شراكة حقيقية مع المجتمع الدولي، وحشد الدعم السياسي والاقتصادي لخططها الإصلاحية، وجوانب الدعم الدولية المطلوبة لإسناد الحكومة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي عضو في فريق يمني لمكافحة الألغام خلال حملة توعوية بمحافظة الحديدة (أ.ف.ب)

93 يمنياً في الحديدة ضحايا ألغام الحوثيين خلال عام

كشفت بعثة الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة ومنظمتان حقوقيتان في مأرب عن سقوط أكثر من 150 ضحية للألغام خلال العامين الماضيين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)

مصر تتحدث عن «تجربة مريرة» عمرها 13 عاماً في ملف السد الإثيوبي

سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
TT

مصر تتحدث عن «تجربة مريرة» عمرها 13 عاماً في ملف السد الإثيوبي

سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

جدّدت مصر الحديث عن صعوبات مسار التفاوض مع إثيوبيا بشأن قضية «سد النهضة»، مؤكدة أنها «خاضت تجربة مريرة لمدة 13 عاماً»، ورهنت حدوث انفراجة في الملف بـ«توافر إرادة سياسية لدى أديس أبابا».

وجدَّد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء تلفزيوني، مساء السبت، تأكيده «محورية حقوقها المائية من مياه النيل»، وقال إن بلاده «ترفض الممارسات الأحادية، من الجانب الإثيوبي، بشأن مشروع (السد)».

وتقيم إثيوبيا مشروع سد النهضة على رافد نهر النيل الرئيسي، منذ 2011، ويواجَه مشروع السد باعتراضات من دولتَي المصب مصر والسودان؛ للمطالبة باتفاق قانوني ينظم عمليات «تشغيل السد».

وشدد وزير الخارجية المصري على «ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن السد الإثيوبي»، وقال إن «بلاده لها تجربة مريرة امتدت إلى 13 عاماً دون التوصل إلى أي نتيجة بشأن (سد النهضة)»، مشيراً إلى أن «أديس أبابا ليست لديها الإرادة السياسية للوصول لاتفاق قانوني».

وعدّ عبد العاطي ملف المياه «قضية وجودية لمصر والسودان»، وقال إن «موقف الدولتين متطابق بشأن السد الإثيوبي».

وتنظر القاهرة لأمنها المائي بوصفه «قضية وجودية»، حيث تعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، وفق بيانات وزارة الري المصرية.

ورهن عبد العاطي الوصول لاتفاق بين الدول الثلاث بشأن السد بـ«ضرورة توافر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا؛ من أجل التوصل لاتفاق قانوني». وقال إن «ممارسات أديس أبابا الأحادية بملء بحيرة السد وتشغيله انتهاك لمبادئ القانون الدولي، باعتبار نهر النيل نهراً دولياً مشتركاً عابراً للحدود».

وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قرب «اكتمال بناء مشروع السد»، وقال، في شهر أغسطس (آب) الماضي، إن «إجمالي المياه في بحيرة السد ستصل إلى 70 مليار متر مكعب، نهاية عام 2024».

ويرى الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، أن «الحكومة الإثيوبية لم تلتزم باتفاقيات التعاون المبرَمة بينها وبين مصر والسودان، خصوصاً إعلان المبادئ الذي جرى توقيعه عام 2015، بين الدول الثلاث»، إلى جانب «مخالفة الاتفاقيات الدولية، المتعلقة بالأنهار العابرة للحدود، والتي تقضي بعدم إقامة أي مشروعات مائية، في دول المنابع، دون موافقة دول المصب»، منوهاً بأن «أديس أبابا لم تستشِر القاهرة والخرطوم بخصوص مشروع السد».

ووقَّعت مصر وإثيوبيا والسودان، في مارس (آذار) 2015، اتفاق «إعلان مبادئ» بشأن سد النهضة، تضمَّن ورقة تشمل 10 مبادئ وتعهدات تلتزم بها الدول الثلاث، من بينها التزام إثيوبيا «بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب».

وفي تقدير حجاج، فإن «الجانب الإثيوبي لم يشارك في مسارات التفاوض بشأن السد، بحسن نية». وقال إن «أديس أبابا أفشلت المفاوضات بسبب التعنت وغياب الإرادة السياسية لإبرام اتفاق قانوني بشأن السد»، ودلل على ذلك بـ«عدم التجاوب الإثيوبي مع توصيات مجلس الأمن بضرورة الوصول لاتفاق نهائي بشأن السد».

كان مجلس الأمن قد أصدر بياناً، في سبتمبر (أيلول) 2021، حثّ فيه مصر وإثيوبيا والسودان على «استئناف المفاوضات؛ بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزِم للأطراف بشأن ملء (السد) وتشغيله ضمن إطار زمني معقول».

بدوره، يعتقد خبير الشؤون الأفريقية المصري، رامي زهدي، أن «القاهرة واجهت صعوبات عدة في مسار مفاوضات سد النهضة؛ بسبب تعنت الجانب الإثيوبي». وقال إن «أديس أبابا لم تُثبت جديتها في جولات التفاوض على مدار 13 عاماً»، معتبراً أن ما يحرك الجانب الإثيوبي «المكايدة السياسية ضد القاهرة، وممارسة ضغوط جيوسياسية عليها».

وحذّرت وزارة الخارجية المصرية، في خطاب إلى مجلس الأمن، نهاية أغسطس الماضي، من «تأثيرات خطيرة للسد على حصتي مصر والسودان المائيتين». وأشارت إلى «انتهاء مسارات المفاوضات بشأن سد النهضة بعد 13 عاماً من التفاوض بنيّاتٍ صادقة». وأرجعت ذلك إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل إلى حل».