السجن 15 عاماً لثلاثة متهمين بقتل «ضحية الشهامة» في مصر

ردود فعل واسعة بعد حكم «جنايات الطفل»

محمود البنا «ضحية الشهامة»
محمود البنا «ضحية الشهامة»
TT

السجن 15 عاماً لثلاثة متهمين بقتل «ضحية الشهامة» في مصر

محمود البنا «ضحية الشهامة»
محمود البنا «ضحية الشهامة»

أثار حكم قضائي صدمة «شعورية» لدى المتعاطفين مع «ضحية الشهامة»، الشاب محمود البنا، بعدما قضت محكمة جنايات الطفل بشبين الكوم بالمنوفية (دلتا مصر)، أمس، بالسجن 15 سنة لكل من محمد راجح و2 آخرين متهمين بقتل محمود البنا، كما عاقبت المتهم الرابع بالسجن 5 سنوات.
ورغم توقع عبد العزيز نصير، محامي أسرة محمود البنا، الحكم بالسجن 15 سنة على 3 متهمين، كعقوبة قصوى تطبق على الجناة الذين يبلغون من العمر أقل من 18 سنة، بموجب قانون الطفل الحالي، فإن والد الضحية والمتعاطفين معه صدموا من الحكم، وظلوا يهتفون بتطبيق القصاص، بعد نطق القاضي بالحكم صباح أمس.
الشعور بالصدمة بعد النطق بالحكم في قضية «ضحية الشهامة» تفسره الدكتورة سوسن فايد، الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، بـ«عدم الوعي بالقانون»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذه القضية تدعونا لإعادة النظر في قانون الأحداث، لأن النظريات العلمية تقول إنّ سن الطفولة الحقيقية من سنة حتى 9 سنوات، وسن الطفولة المتأخرة من 9 سنوات حتى 13 سنة، لكن ما بين 13 سنة حتى 20 سنة فإنه ينتمي لفترة المراهقة، وليس الطفولة»، وأوضحت: «رغم أن الشاب الذي يبلغ من العمر على سبيل المثال 17 عاماً يحاكم في المحاكم على أنه طفل، فإنه يتزوج وينجب أحياناً في مصر، وبالتالي فإنه ليس طفلاً».
وتحظى قضية «ضحية الشهامة» التي وقعت في مدينة تلا بالمنوفية، يوم 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، باهتمام لافت من قبل وسائل الإعلام المصرية، بجانب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وتصدر أمس هاشتاغ «محمود البنا» و«شهيد الشهامة» قائمة الأكثر تداولاً على موقع «تويتر»، مع تعليقات «مصدومة» من الحكم، بجانب مطالبات بـ«محاكمة المتهمين أمام محكمة الجنايات، وليس محكمة الطفل، للحكم على الجناة بالإعدام تطبيقاً لمبدأ القصاص».
واستمعت المحكمة على مدار 3 جلسات إلى أقوال الطبيب الشرعي ومفتشي المباحث وشهود الواقعة، كما شاهدت أيضاً مقاطع فيديو للجريمة، وفيديوهات وتهديدات من المتهم الأول (محمد راجح) للمجني عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كثّف عدد كبير من المصريين من دعوات إعدام القاتل الشاب، وتصدر هاشتاغ «إعدام_راجح_حق_محمود_البنا_فين» موقع «تويتر» في مصر، لمطالبة السلطات المصرية بإعدام القاتل.
ووفق بيان سابق للنيابة العامة المصرية، فإن الحادث بدأ عندما استاء المجني عليه من تصرفات المتهم قِبَل إحدى الفتيات، فنشر منشوراً على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» أثار غضب المتهم، فأرسل الأخير إلى المجني عليه عبر برامج المحادثات رسائل التهديد والوعيد.
وأضافت النيابة العامة أنّ «المتهم الرئيسي اتفق مع عصبة من أصدقائه على قتل (محمود)، وأعدوا لذلك مطاوي، وعبوات تنفث مواد حارقة للعيون، وتربص المتهمان محمد راجح وإسلام عواد بالمجني عليه في موضع قرب شارع هندسة الري، بمدينة تلا في محافظة المنوفية. وما إن ابتعد المجني عليه عن تجمع لأصدقائه، حتى تكالبا عليه، فأمسكه الأول وأشهر المطواة، بينما نفث الثاني على وجهه المادة الحارقة. وعندما حاول الضحية الهرب من الجناة، تبعه المتهم الثالث وأشهر مطواة في وجهه أعاقت هربه، وتمكن على أثرها من إيقافه، ليعاجله المتهم الأول بضربة بوجنته اليمنى، أتبعها بطعنة بأعلى فخذه اليسرى، وذلك بعدما منعوا أصدقاءه من نجدته، مستخدمين المادة الحارقة، ليتركوه مثخناً بجراحه.
وأكد أطباء مصلحة الطب الشرعي أن الطعنة التي أصابت فخذ المجني عليه اليسرى هي التي تسببت في وفاته.
ويطالب خبراء قانونيون مصريون بـ«تعديل قانون الطفل لتحقيق العدالة»، من بينهم المحامي هاني تمام الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «الحكم بالسجن 15 سنة على المتهمين كان متوقعاً منذ إحالتهم إلى محكمة جنايات الطفل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ورغم أن هذا الحكم يعد أقصى عقوبة، وفق قانون الطفل، فإنه في الوقت نفسه صادماً لأسرة الضحية».
وأوضح أنه «تم ارتكاب جرائم متعددة في السنوات الأخيرة من قبل أشخاص يصنفون عمرياً على أنهم أطفال (أقل من 18 سنة)، وهؤلاء يستفيدون من قانون الطفل، ويفلتون من عقوبة الإعدام، رغم جرائم القتل البشعة التي يرتكبونها». وهو ما تتفق معه الدكتورة سوسن فايد، قائلة: «تعديل القانون الحالي سوف يحصن المجتمع من حوادث قتل متعمدة يرتكبها مراهقون يفلتون من العدالة لأنهم في نظر القانون أطفال».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».