الجالية العربية تدير المركز الإسلامي في الجزيرة الأوروبية الصغيرة

«يؤذّن في مالطا» ويسمعه المصلون

TT

الجالية العربية تدير المركز الإسلامي في الجزيرة الأوروبية الصغيرة

إنْ كنت تسير لأول مرّة في شارع كوردين بالجزيرة الأوروبية الصغيرة مالطا، التي تتوسط البحر المتوسط، ستفاجأ بمئذنة مسجد المركز الإسلامي وهي سامقة في السّماء، وتنقل صوت المؤذن الذي يرفع نداء الله في مالطا خمس مرات يومياً، ويسمعه المصلون. اسم مالطا، مستقر في الثّقافة الشعبية العربية والإسلامية عبر مقولات شهيرة تتوارثها الأجيال من بينها «فلان يؤذّن في مالطا»، و«بعد خراب مالطا»، ورغم أنّ البعض يُطلق المقولة الأولى في معرض حديثه عن لا مبالاة المستمعين، أو عدم استجابتهم لطلب معين، فإنّ من يؤذّن في مالطا الآن يجد من يستمع إليه ويسعى إلى ذكر الله والصّلاة في مسجد المركز الإسلامي الذي أنشأته وتديره جمعية الدعوة الإسلامية الليبية. شعبان محمد، إمام وخطيب ليبي، يعمل في مسجد المركز الإسلامي منذ 10 سنوات إماماً مساعداً، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أرفع أنا وغيري من المصلين الدائمين في المسجد أذان الصلوات الخمس، إذ لا يوجد مؤذن رسمي يرفعها بشكل مستمر». ويحتضن المركز الإسلامي الذي أنشئ منتصف ثمانينات القرن الماضي، مدرسة «مريم البتول الإسلامية الخاصة»، التي تدعمها الحكومة المالطية وتختصّ بتعليم أبناء الجالية الإسلامية في البلاد.
ووفق شعبان الذي يبلغ من العمر 32 سنة، فإنّ أبناء الجالية العربية والإسلامية في الجزيرة يمارسون شعائرهم الدينية بمنتهى الحرية. ويعيش في مالطا مواطنون عرب قدموا من ليبيا وتونس ومصر وسوريا وفلسطين والأردن، ويبرز هذا التمثيل بوضوح بين رواد المركز الإسلامي.
وعن أصل المثل الشعبي العربي «يؤذّن في مالطا»، قال مؤرخون إنّه عندما «تم الفتح الإسلامي لجزيرة مالطا لم يجبروا أحداً على الدخول في الدين الإسلامي، فكان يُرفع بها الأذان ولا يستجيب أحد للصلاة لكونهم ينتمون إلى المسيحية، فأصبح هذا المثل يُطلق على كل من يتكلم ولا يعيره أحد أي اهتمام». أمّا مقولة «بعد خراب مالطا»، فقال مؤرخون إنّ «أصلها جاء عندما احتل نابليون بونابرت وجيشه الفرنسي الجزيرة في عام 1798، لمدة عامين، هدم فيها مباني وقصوراً عدة واستولى على كل شيء فيها، وهرب أهلها إلى جزيرة صقلية، ومع تحرير الإنجليز لها عام 1800 بقيادة السير إلكسندريال، عاد أهلها إليها (بعد خرابها)».
لكنّ الدكتور عبد المقصود باشا، رئيس قسم التاريخ الإسلامي في جامعة الأزهر بمصر، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن جزيرة مالطا خضعت لسيطرة المسلمين في عهد (دولة الأغالبة) في القرن الهجري الثاني، وكانت قاعدة عسكرية وحضارية إسلامية مهمة في البحر المتوسط، قبل أن تضيع من أيدي المسلمين مع سقوط الأندلس بيد الأوروبيين، ومن هنا ضُرب بها المثل (بعد خراب مالطا)، أي بعد سقوطها من أيدي المسلمين، أمّا مَثَل (يؤذّن في مالطا)، فجاء للتّعبير عن عدم وجود مسلمين بها بعد تراجع نفوذ الدولة الإسلامية». مؤكداً أنّ «أصل هذه الأمثال يَحتمل أكثر من رأي في ظل عدم وجود وثائق تؤكد تاريخ إطلاقها».
وعكس بلاد أوروبية عدة، فإنّ السلطات في مالطا تسمح باستخدام مكبرات الصوت في رفع الأذان بالمركز الإسلامي للإعلان عن مواقيت الصّلاة، كما أنّها لا تضيّق على أفراد الجالية الذين أنشأوا عدة مصليات صغيرة في مناطق مختلفة بالجزيرة للصلاة فيها بشكل جماعي.
وتعد صلاة الجمعة أكبر صلاة يلتقي فيها أبناء الجالية الإسلامية في مالطا، فبينما لا يزيد عدد المصلين في صلاة الظهر أو العصر على 20 فرداً، فإنّ المركز الإسلامي يضجّ بالمصلين يوم الجمعة، ويضطرهم إلى الصلاة في ساحته الخارجية وساحة مدرسة «مريم البتول الإسلامية»، وفق شعبان الذي يوضح أيضاً أنّ أعداد المصلين تتزايد في صلاة العشاء، خصوصاً بعد خروج الموظفين من أعمالهم. بمجرد دخول الزائر للمسجد لن يلاحظ فروقاً كبيرة بينه وبين مساجد العالم العربي، فجوانبه تذخر بمصاحف القرآن الكريم، ومحرابه يتزين بالآيات القرآنية والزخارف الإسلامية المميزة، بجانب قبته الذّهبية المنمقة وألوان حوائطه الدّاخلية الفاتحة. وبين الجزء المخصّص للوضوء والمسجد سوف يلفت انتباه الزائر عدد من العباءات العربية المعلقة على الحائط، يرتديها بعض المصلين بعد الانتهاء من الوضوء وقبيل دخولهم المسجد. يقول شعبان: «يفضّل البعض ارتداء هذه العباءات للصلاة بها فوق ملابسهم الرسمية، في محاولة منهم لتذكر تقاليدهم العربية والإسلامية». جزيرة مالطا تقع في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتوجد بين جزيرة صقلية وساحل شمال أفريقيا ممثلاً في ليبيا وتونس، وتبعد عن صقلية نحو 80 كيلومتراً، وعن ساحلي تونس وليبيا نحو 300 كيلومتر.
وتشير المراجع التاريخية إلى أنّ الفينيقيين هم أول من استعمروا الجزيرة قبل القرن العاشر قبل الميلاد، واتَّخذوها قاعدة لسفنهم التجارية، حتى استولى القرطاجيُّون عليها في القرن السابع قبل الميلاد، ومكثوا بها أربعة أو خمسة قرون، ثم استولى عليها الرومان سنة 218 قبل الميلاد، وبقيت نحو عشرة قرون في أيدي الرومان واليونانيين، وفي القرن الأول للمسيح تنصّر أهل مالطا على يد القديس بولس، ولمـا سقطت السلطنة الرومانية الغربية استولى عليها البيزنطيون، وكانت مركزاً ضرورياً لهم بعد استيلائهم على شمال أفريقيا.
ووفق الدراسات التاريخية، فإنّ الإسلام دخل مالطا في عام 256ه، وبقيت في حوزة المسلمين حتى سقطت في أيدي «الإفرنج».
ويعيش في جزيرة مالطا أكثر من 59 ألف مسلم، وتتزايد أعدادهم بصورة مستمرة، حتى أصبح الإسلام الدين الثاني من حيث عدد معتنقيه بعد ديانة «المسيحية الكاثوليكية»، وهي الديانة الرسمية للجزيرة، ويوجد بها العديد من الكنائس الكاثوليكية، كما يوجد فيها مسجد للمسلمين وكنيس لليهود، وفق الإحصائيات الرسمية بمالطا.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».