مهرجان سوق «الحَب»... الأبرز منذ 70 عاماً

تجمع تراثي للتجار في الشرقية السعودية يعيد ضبط زمنه على الستينات

جانب من مهرجان أيام سوق الحب  -  استوحى المهرجان الأزقة الحافلة بالأسواق والدكاكين
جانب من مهرجان أيام سوق الحب - استوحى المهرجان الأزقة الحافلة بالأسواق والدكاكين
TT

مهرجان سوق «الحَب»... الأبرز منذ 70 عاماً

جانب من مهرجان أيام سوق الحب  -  استوحى المهرجان الأزقة الحافلة بالأسواق والدكاكين
جانب من مهرجان أيام سوق الحب - استوحى المهرجان الأزقة الحافلة بالأسواق والدكاكين

تعد سوق الحَب السوق الأشهر في المنطقة الشرقية، ولا تعود شهرتها لما يتوفر فيها للمتسوقين من بضائع تناسب جميع الأذواق والإمكانات؛ فمن الذهب والمجوهرات والساعات إلى الأقمشة بمختلف أنواعها إلى الماركات الحديثة والشهيرة من الملابس النسائية إلى مختلف البضائع ومن المحلات الفاخرة إلى البسطات التي تفترش الأرصفة، ولا من الفرص التجارية ولا الفرص التي يجدها المتسوقون في أزقّتها وشوارعها، بل من الاسم «الحَب»، فبعد كل هذه السنين عادت أمانة المنطقة الشرقية وعبر مهرجان تراثي عن أيام سوق الحَب لتناقش سبب التسمية.
فكرة المهرجان كانت استعادة الماضي وتنشيط الذاكرة، لكن أمانة المنطقة الشرقية اقتنصت الفرصة مع زوار المهرجان وأقامت أمسية ثقافية عن مدينة الدمام وسوقها الأشهر قدمها الباحث والمؤرخ محمد الخان، تحت عنوان «الدمام قلعة وتاريخ»، والتي أدراها خالد الخالدي، مشرف لجنة التراث في جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام.
ناقش الخان في الأمسية الثقافية مع الحضور سبب تسمية «سوق الحَب» بهذا الاسم الذي اختُلف على سببه، فهناك من ينسب الاسم إلى سوق «الحَب» بفتح الحاء أي سوق «الفصفص والمكسرات»، ومنهم من ذهب إلى أن سبب التسمية يرجع إلى صناعة «الحَب» أي زير الفخار، ومنهم من ذهب إلى سبب التسمية إلى سوق «الحُب».
كما تطرق المؤرخ الخان إلى تاريخ المدينة وأول الأحياء الفرجان التي شكّلت مدينة الدمام، وكذلك العائلات التي سكنت وأسست مدينة الدمام.
هذا الزخم الذي لامس الذاكرة والحنين للماضي دفع أبناء مدينة الدمام إلى استعادة الحياة القديمة قبل أكثر من 70 عاماً، حيث أعاد لكبار السن فكرة استذكار شكل مدينة الدمام والنشاطات التي كانت تزخر بها مع بداية اكتشافات النفط، وتنامي أحياء مدينة الدمام وانتعاش الحياة التجارية فيها.
مهرجان أيام سوق الحَب تنظمه أمانة المنطقة الشرقية تحت شعار «قديمك نديمك... لو الجديد أغناك»، وعبر جلسات التراث القديمة لأحياء الدمام، استذكر زوار مهرجان «أيام سوق الحَب»، كما أتاحت فرصة للأبناء للتعرف عن قرب على حياة الآباء والأجداد في الماضي في بداية ظهور «النفط»، في ظل وجود «الدِّكاك» (جمع دكة) وهي المقاعد الخشبية المرتفعة، و«المركاز» ليجلسوا فيها ويحتسوا الشاي المنكّه بحبات الهيل والقهوة العربية ويتذوقوا الأكلات الشعبية.
وتحولت المقاهي الشعبية إلى مقصد لمن يدخل إلى أروقة المهرجان، حيث سعى القائمون على المهرجان إلى تجسيد المقاهي الشعبية بشكلها القديم والمركاز والجلسات القديمة، وما تقدمه من مأكولات ومشروبات كالبليلة والتوت والقهوة والشاي وشاي الكرك والزنجبيل.
كما استوحى المهرجان الشكل التراثي للبيوت القديمة، والأزقة الحافلة بالأسواق والدكاكين، التي تبيع للمارة أصنافاً من الأكلات الشعبية والزخارف والمنسوجات وأعمال الخزف والملابس الشعبية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».