رئيسا الأركان الروسي والأميركي «ينسقان التحركات» في سوريا... على وقع السجالات

المعلم إلى موسكو الثلاثاء المقبل للقاء لافروف

طاقم عسكري في قاعدة أميركية شرق سوريا (أ.ب)
طاقم عسكري في قاعدة أميركية شرق سوريا (أ.ب)
TT

رئيسا الأركان الروسي والأميركي «ينسقان التحركات» في سوريا... على وقع السجالات

طاقم عسكري في قاعدة أميركية شرق سوريا (أ.ب)
طاقم عسكري في قاعدة أميركية شرق سوريا (أ.ب)

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن رئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف، أجرى محادثات مع نظيره الأميركي الجنرال مارك ميلي، تمحورت حول «تنسيق التحركات» ومنع وقوع اشتباكات بين الطرفين خلال تنفيذ العمليات العسكرية في سوريا.
ويعد هذا الاجتماع هو الأول من نوعه الذي يجمع رئيسي الأركان، علماً بأنهما كانا قد تحدثا هاتفياً عدة مرات في السابق. وتأتي أهمية اللقاء من أنه تزامن مع تزايد حدة السجالات بين موسكو وواشنطن، خصوصاً على وقع تصاعد اللهجة الروسية في انتقاد إعادة نشر القوات الأميركية في مناطق شرق الفرات، واتهام موسكو لواشنطن بـ«سرقة» النفط السوري، والعمل لإقامة هياكل انفصالية موازية في شرق البلاد. في المقابل تتهم واشنطن الروس بمواصلة استهداف المناطق السكنية ومنشآت طبية وإغاثية في سوريا.
وأفادت وزارة الدفاع في بيان، بأن غيراسيموف وميلي، أجريا جولة محادثات ثنائية في مدينة بيرن السويسرية، وأن «اللقاء حمل طابعاً بنّاءً». ووفقاً للبيان فقد تبادل رئيسا الأركان «الآراء حول قضايا الاستقرار الاستراتيجي والأوضاع في سوريا ومناطق أخرى، إضافةً إلى مناقشة إجراءات منع وقوع حوادث خلال تنفيذ العمليات العسكرية».
بدورها، أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن غيراسيموف وميلي «بحثا ملف سوريا والاستقرار الاستراتيجي ودائرة واسعة من القضايا الاستراتيجية والعملياتية الأخرى، خصوصاً في شأن تكثيف العمل على منع الاشتباكات غير المقصودة وتحسين التفاهم وخفض المخاطر». ويمهد اللقاء لاستئناف عمل قنوات الاتصال العسكرية بين الطرفين حول الوضع في سوريا، علماً بأن التنسيق كان قد تراجع إلى أدنى مستوياته خلال الشهور الأخيرة، واكتفى الطرفان بالمحافظة على «خط ساخن» لمنع وقوع احتكاكات بين قوات البلدين في أثناء التحليقات في الأجواء السورية.
وكان رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، قد قدم في وقت سابق، عرضاً لأبرز تطورات الوضع في سوريا خلال عام ،2019 وقال خلال اجتماع موسع دُعي إليه الملحقون العسكريون الأجانب المعتمدون لدى موسكو، إن «مساعدة الحكومة السورية في محاربة الإرهاب الدولي تبقى إحدى المهام الرئيسية للقوات المسلحة الروسية».
وزاد أن المرحلة الرئيسية من الحرب على الإرهاب في سوريا قد انتهت، و«تتمثل المهمة الرئيسية الآن في حفظ الأمن في المناطق التي تم تحريرها من سيطرة الإرهابيين»، مضيفاً أن وزارة الدفاع الروسية بالتوازي مع النشاط العسكري «تواصل تقديم المساعدات اللازمة للحكومة السورية في إعادة اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم».
وأعرب الجنرال غيراسيموف عن «قلق جدي» بسبب الظروف الصعبة التي تواجه السوريين في مخيمات اللاجئين «خصوصاً تلك المناطق الواقعة في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة». لافتاً إلى أن «الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية يعرقل التقدم نحو تسوية الأزمة السورية». وكرر اتهامات روسية سابقة لواشنطن بأنها «تواصل السيطرة على حقول نفطية في شمال شرقي سوريا وتعمل على تشجيع إنتاج النفط وبيع منتجاته بطرق غير شرعية».
وأكد غيراسيموف أن بلاده «نفذت التزاماتها الخاصة بإخراج القوات الكردية من منطقة الحدود السورية التركية المتفق عليها مع الجانب التركي في الشمال السوري». وأوضح أنه «تم سحب وحدات حماية الشعب الكردية إلى عمق 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية، بينما دخلت القوات السورية والشرطة العسكرية الروسية إلى منطقتي عين العرب والجزيرة».
ولفت إلى أن «تحرير أراضٍ جديدة في منطقة شرق الفرات أسفر عن زيادة دائرة المهمات المنفَّذة من وحدات الشرطة العسكرية الروسية، التي تقوم حالياً بدوريات في منطقتي عين العرب والجزيرة، كما تراقب الالتزام بنظام وقف إطلاق النار على طول حدود منطقة عملية نبع السلام التركية». وذكر غيراسيموف أن «هذا الأمر تطلّب إشراك وحدات إضافية من الشرطة العسكرية الروسية على أساس مؤقت».
وفي إطار حديثه عن القدرات الجديدة للجيش الروسي، أعلن غيراسيموف أن مقاتلات «سوخوي - 57» من الجيل الخامس التي تعد الأحدث في إطار تقنيات الطيران الروسية «تجاوزت بنجاح المرحلة الثانية من اختبارها في سوريا».
وزاد أن «التجارب على مقاتلات (سوخوي – 57) لا تزال مستمرة. وتم اختبارها مجدداً في سوريا، ونفّذت كل المهام المحددة بنجاح».
كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قد أعلن في فبراير (شباط) من العام الماضي أن مقاتلتين من هذا الطراز نفّذتا برنامج التجارب في سوريا خلال يومين. ونشرت وزارة الدفاع مقاطع فيديو في وقت لاحق لتحليق هذه المقاتلات في أجواء سوريا. لكنّ إشارة غيراسيموف تدل على تواصل هذه الاختبارات على المقاتلة التي يُنتظر أن تدخل رسمياً الخدمة العسكرية في قطع الجيش الروسي العام المقبل.
إلى ذلك، أعلنت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سيلتقي نظيره السوري وليد المعلم، الثلاثاء المقبل، في موسكو. وأوضحت أنه من المقرر أن يلتقي الوزيران خلال زيارة المعلم المقررة للمشاركة في الاجتماع الثاني عشر للجنة الروسية السورية الدائمة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني.
وأشارت إلى أنه «من المزمع تبادل الآراء حول مجموعة واسعة من المشكلات الدولية والإقليمية، وأولاً وقبل كل شيء، مناقشة الوضع في سوريا وما حولها، بما في ذلك عمل اللجنة الدستورية في جنيف، وموضوعات إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع في البلاد وتسهيل عودة اللاجئين السوريين». وأوضحت زاخاروفا أنه سيتم إيلاء اهتمام كبير لمجموعة من القضايا لزيادة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك في المجالات التجارية والاقتصادية والإنسانية. وكان مكتب نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، قد أفاد بأن التحضيرات لعقد الاجتماع الحكومي المشترك قد استُكملت، لافتاً إلى نتائج زيارة بوريسوف قبل يومين لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد.
وبحث بوريسوف، خلال الزيارة، العلاقات الروسية السورية وتعاون البلدين في المجال الاقتصادي وسير تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، إضافة إلى آفاق التعاون المستقبلي بين البلدين وسبل تعزيزه في المجالات كافة، خصوصاً فيما يتعلق بالطاقة والبنى التحتية وإقامة مشاريع استثمارية وصناعية جديدة. وتم الإعلان بعد اللقاء عن تخصيص موسكو مبلغ 500 مليون دولار لتحديث ميناء طرطوس وإطلاق استخدامه تجارياً. وقال بوريسوف إن زيارته هدفت إلى «مناقشة التفاصيل والتوصل إلى اتفاقات بشأنها، تمهيداً لاجتماع اللجنة الحكومية الروسية السورية المشتركة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».