أزياء السهرة والمساء تتخلى عن التكلّف

خلال عام 2019، تطرقت أغلب تقارير الموضة إلى «المعايير الإنسانية والبيئية»، التي أصبحت تقريباً المحرك الأول لغالبية الصرعات الحديثة. وأصبح النقاش بشأن ضرورة وقف القسوة تجاه الحيوانات يزاحم المساحات المخصصة للإشارة إلى فخامة الفراء الطبيعي. في تقدير خبراء، فقد «ولى عهد اقتصار صفات الترف والفخامة على قطع سخية بالتطريز أو مصممة من القماش الفاخر». في المقابل، صعدت اتجاهات أكثر عملية توفر للمرأة الأناقة والحرية والنعومة في تصميم يحقق السهل الممتنع.
كما جرت العادة بنهاية العام وحلول سنة جديدة، يتجدد الحديث عن أزياء موسم الحفلات والسهرات، ولقد بدأت النساء رحلة البحث عن فساتين الكوكتيل، والقطع المزينة بوميض الترتر، أو حبات الخرز الرنانة، ولا مانع من حذاء بتصميم مبتكر، ومجوهرات خاطفة لضمان مظهر يليق باستقبال العام الجديد بأحسن حلة.
عندما نبحث عن أزياء السهرة لهذه المناسبة، بالطبع ستكون عروض الأزياء لخريف 2019 هي مصدر الإلهام الذي يحدد ملامح الإطلالة المناسبة، وما قدمته كبريات دور الأزياء قدّم المرأة بنمط يناسب وضعها الحقيقي في المجتمع، ويعكس تفكيرها وقوتها وغموضها... انعكس ذلك من خلال الألوان الرصينة والقصات العملية التي لا تخلو من الأنوثة والنعومة، لكن بمفهوم عصري لا يقيد حركتها. ولعل دار الأزياء الفرنسية «ديور» قدمت دليلاً على ذلك، عندما طرحت مجموعة راقية ترفع شعارات نسوية، لا سيما أن قضايا المرأة هي الشغل الشاغل للمديرة الإبداعية، ماريا غراتزيا تشيوري، وشاهدنا عبرها اللون الأسود بدلالاته العميقة والبعيدة عن الصخب، وجاءت القصّات عملية تناسب سهرات وأمسيات مسائية متنوعة؟ في الوقت نفسه قدمت الدار جرعة من الأنوثة بمفهوم عصري تمثلت في التصاميم المُفصلة، والتنانير الدائرية التي تركز على شكل الخصر، كذلك، انعكست الأنوثة على الخامات الناعمة مثل الدانتيل.
أيضاً، دار «شانيل» قدمت تشكيلة هيمن عليها الطابع الثقافي الذي اعتبر تحية وتقديراً للمصمم الراحل كارل لاغرفيلد، وركزت الدار على التايورات التويد، وفساتين من المخمل مزينة بياقات عالية، وتصاميم أخرى من خامات ناعمة مثل الحرير والشيفون المتطاير، كما برزت أيضاً التنانير الدائرية التي ستظل تصميماً يحمل كثيراً من الأنوثة دون مبالغة.
لا يعني ذلك أن أزياء السهرة تقتصر هذا العام على الناعم والعملي، طالما أن مصممين، مثل إيلي صعب وزهير مراد، لهم شأن في تحديد الموضة. كالعادة، قدموا مجموعة من الأزياء الغنية بالتطريز مع بعد ثقافي من الصين والمغرب.
الاتجاهات كثيرة ومتنوعة، ترضي أذواقاً وثقافات مختلفة، فهناك الأزياء المحتشمة، وهناك المكشوفة الجريئة، فضلاً عن ألوان هادئة تنافسها درجات زاهية تعيدنا للربيع بخامات مصقولة وأخرى تتطاير من خفتها.
يقول مستشار الموضة اللبناني أحمد عبد اللطيف لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا شك في أن أزياء السهرات انقلبت رأساً على عقب مؤخراً، ويظهر ذلك من خلال نجمات الشرق الأوسط، ربما لأنهن كن الأبعد عن الخيارات الجديدة أو التي تحمل رسالة مجتمعية مبطنة».
حسب تقدير عبد اللطيف، فإن «عام 2019 كان أكثر جرأة واحتضاناً للأفكار العصرية والخيارات العملية، إذ نجحت النجمات، سواء بقصد أو من دون قصد، في كسر القوالب وتغيير المألوف، فشاهدنا القميص ضمن أزياء السهرة، بدلات (التوكسيدو) ذات الملامح الرجالية على السجاد الأحمر». ودلل عبد اللطيف على ذلك بظهور «الممثلة التونسية هند صبري على السجادة الحمراء لمهرجان فينيسيا الدولي بإطلالة عصرية بتوقيع علامة (إيترو)، ارتدت فيها قميصاً نسائياً مع بنطلون بخصر عال. ثم عادت للظهور بإطلالات من البدلة (التوكسيدو) إسوة بنجمات عالميات مثل إيمي بوهلر التي اختارت القطعة نفسها في حفل توزيع جوائز الأوسكار».
وشرح عبد اللطيف أن نجمات أخريات دعمّن الخيارات العملية البعيدة عن التكلف مثل الممثلة المصرية منى زكي في مهرجان الجونة في دورته الثالثة، التي اعتمدت فستاناً عصرياً مكوناً من قميص أبيض وتنورة منفوخة من «الأورغانزا الفوشيا»، بتوقيع المصممة الشابة مريم يحيي، ثم تكرر هذا المظهر على نجمات أخريات مثل شيرين رضا ومي عمر.
للمقارنة، فإن هناك حاجة للعودة إلى الحقب السابقة، التي يوضح مستشار الموضة اللبناني أن أزياء السجادة الحمراء في ثلاثينات القرن الماضي، وحتى نهاية الستينات، كانت تركز على تقديم صورة مترفة للنجمة، وكأنها من عالم آخر، عبر تفاصيل مبالغ فيها، وتصاميم محبوكة لا تأخذ في الاعتبار معايير الراحة والحرية.
يقول: «أول تغيير في أزياء السهرة كان في نهاية الستينات، 1968، حين تخلت المغنية والممثلة الأميركية باربرا سترايساند عن الفساتين الفاخرة، وقررت صعود مسرح الأوسكار بإطلالة مكونة من بنطلون وبلوزة مزدانين بحبات لامعة. حينها تعرضت النجمة لانتقادات لاذعة، واعتبرت الصحافة إطلالتها خرقاً لقوانين السجادة الحمراء.
لكن مرت عقود على هذه الحادثة، وتغيرت الموضة بشكل كبير. أحد أسباب تغير أزياء السهرات أيضاً، حسب رأي مستشار الموضة اللبناني أحمد عبد اللطيف، يتمثل في النمط الذي اعتمدته دوقة ساسيكس، ميغان ميركل، منذ دخولها القصر. يوضح: «بداية من فستان زفافها الذي حمل تفاصيل غاية في النعومة، مروراً بباقي إطلالاتها، التي حرصت فيها على أن تكون قريبة من المرأة العادية، دائماً تحمل أزياؤها رسائل إنسانية مبطنة تؤكد من خلالها أن جميع النساء يمكنهن ببساطة أن يعتمدن إطلالات تحاكي أناقة نساء القصر».
ورغم توجه الموضة نحو البساطة والعملية، ما زال أمام المرأة خيارات كثيرة تختار منها ما يناسبها للاحتفال بالعام الجديد، ويمكن القول إن أسابيع الموضة اتفقت على بعض القطع، مثل البدلات العصرية بتصاميم واسعة والألوان الصاخبة، إلى جانب التفاصيل القوية مثل الأكتاف البارزة والأكمام المنفوخة، حسب ما رصد عبد اللطيف.
الإطلالات أحادية اللون، برزت ضمن تشكيلات دور الأزياء لموسمي الخريف والشتاء، لذا، لا مانع من اعتماد لون واحد من الرأس حتى أخمص القدمين.
وعلى النقيض، قدمت الموضة نفحة من الحياة البرية من خلال نقوش الحيوانات، التي ظهرت العام الماضي، ولا تزال قوية هذا العام. ويقترح عبد اللطيف اعتماد حذاء البوت بنقشة الثعبان أو الحمار الوحشي باعتبارها الأحدث مقارنة بجلد الفهد أو النمر.
وبدلاً من الفراء الطبيعي، الذي قاطعته كبريات دور الأزياء، ظهر الريش، لكن فقط كمكمل للتصميم، عن طريق مزجه بخامات وظيفية مثل القطن وحرير الكريب والصوف. كذلك الأهداب التي تعيدنا إلى الأزياء البوهيمية بروحها النابضة بالحياة.
الأقمشة أيضاً جاءت في موضة 2019 متنوعة، تتباين بين المخمل والتويد والجاكار، بحيث يمكن لتصميم بسيط من قماش فاخر أن يحقق الأناقة بأقل مجهود ممكن.
الإكسسوارات لا تزال أساسية في أي إطلالة وأي مناسبة، وهنا ينصح عبد اللطيف باعتماد الحقائب ذات الحجم الصغير جداً، كذلك تزيين شعرهن بطوق أنيق من المخمل أو اللؤلؤ على غرار دوقة كامبريدج، كيت ميدلتون.