فتيات «شمال سيناء» يتحدين الصّعوبات الأمنية من أجل التعليم

بعضهن التحقن بكليات علمية مرموقة

أثناء تكريم الطالبة ياسمين سواركة في شمال سيناء
أثناء تكريم الطالبة ياسمين سواركة في شمال سيناء
TT

فتيات «شمال سيناء» يتحدين الصّعوبات الأمنية من أجل التعليم

أثناء تكريم الطالبة ياسمين سواركة في شمال سيناء
أثناء تكريم الطالبة ياسمين سواركة في شمال سيناء

وسط الظروف الأمنية «الصّعبة» في محافظة شمال سيناء (شمال شرقي القاهرة)، تسعى مئات الفتيات لتحقيق أحلامهن في التعليم عبر التغلب على المعوقات الأمنية والاجتماعية من أجل الالتحاق بكليات وجامعات مرموقة.
وتشن قوات الجيش والشرطة المصرية عملية أمنية موسعة في شمال شبه جزيرة سيناء ووسطها، لتطهيرها من العناصر المتطرفة والإرهابية. وبسبب المخاطر الأمنية في بعض القرى التابعة لمدينة العريش ورفح والشيخ زويد، ترك العديد من الأهالي منازلهم هناك وتوجهوا إلى مناطق أكثر أمناً في المحافظة والمحافظات المجاورة.
ياسمين سواركة، طالبة سيناوية، تحدّت أربع عقبات قبل تحقيق حلمها في الالتحاق بكلية مرموقة، وحصلت أخيراً على المركز الأول في «مسابقة الفتاة الأكثر تميزاً بالشيخ زويد ورفح»، التي نظمتها أستاذة جامعية لتشجيع الفتيات على استكمال دراستهن الجامعية.
وتقول ياسمين لـ«الشرق الأوسط»: «صُدمت عندما أعطاني زملائي كتباً دراسية غارقة بالدماء، وأخبروني أنّها تخص شقيقتي».
وتضيف: «والدي كان لا يجيد القراءة أو الكتابة، لكنّه حرص على تعليمي أنا وشقيقتي، وعندما أصيب بمرض السرطان نقل إلى المستشفى، وظللت معه هناك، وفي يوم ما شاهدت شقيقتي وهي مقتولة برصاصة في الرأس أسقطتها أرضاً عندما كانت في طريقها لمدرستها، وبعد مضي ثلاثة أشهر على هذه الواقعة تُوفي والدي متأثراً بمرضه، ثم انتقلنا وأسرتي للعيش في قرية الروضة بحثاً عن الأمان، وهناك قرّرت استكمال تعليمي والانتهاء من مرحلة الثانوية العامة، لكنّ مجزرة الروضة الشهيرة التي أودت بحياة نحو 300 قتيل في عام 2017. صدمتني مرة أخرى، لكنّها لم تمنعني من دخول كلية الاقتصاد المنزلي في جامعة العريش».
الإحصائيات الصادرة عن جهاز التعبئة والإحصاء المصري تفيد بأنّ عدد الطلاب في شمال سيناء يبلغ نحو 53 ألف طالب، و50 ألف طالبة، يدرسون في 605 مدارس، يعمل بها نحو 10 آلاف معلم ومعلمة بمراحل التعليم العام والأزهري بمراحل رياض الأطفال وحتى المرحلة الثانوية.
مروة سليمان هنيد الطالبة في كلية الصيدلة، وإسراء خالد عيد الطالبة في كلية الهندسة حصلتا على المركزين الثاني والثالث في المسابقة نفسها، بعدما نجحتا في الالتحاق بكليات مرموقة رغم معاناتهما في منطقة رفح قبل الانتقال إلى مناطق أخرى أكثر أماناً.
فيما تقول ريم جابر السلايمة، الطالبة في كلية الطب البشرى بجامعة قناة السويس لـ«الشرق الأوسط»: إنّ معاناتها بدأت عندما شاهدت مقتل عمتها وجدتها بعد سقوط قذيفة مجهولة على منزلهما، وكانت هي من الناجين، ونزحت مع أسرتها لمكان آمن في مدينة العريش، واستطاعت التفوق في مسابقات ثقافية متنوعة بمجال الخطابة، بجانب منافستها في مسابقة تحدي القراءة العربي في مدينة دبي الإماراتية، أخيراً.
بدورها قالت الدكتورة أمل نصر الله، رئيسة قسم اللغة الإنجليزية في جامعة سيناء، ومؤسسة «جائزة الفتاة الأكثر تميزاً بشمال سيناء» لـ«الشرق الأوسط»: «إنّنا نشجع الفتيات من قرى الشيخ زويد ورفح لتحقيق أحلامهن في التعليم رغم الصّعوبات الأمنية والاجتماعية». موضحة أنّ هذه الجائزة تقدم للعام الثالث، وتقدم للحصول عليها في النسخة الأخيرة نحو 32 فتاة.
واعتبر الدكتور خالد زايد، خبير تنمية، في سيناء، أنّ وجود نماذج ناجحة من الفتيات في شمال سيناء، يعد نقطة تحوّل في عملية استكمال فتيات شمال سيناء لتعليمهن. وقال لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «مدرسة الفارابي الثانوية في قرية الجورة جنوب الشيخ زويد على سبيل المثال، تخرّج منها على مدار 10 سنوات مضت، نحو 100 فتاة، تعملن حالياً في مجال الطّب والتعليم والهندسة والإعلام والتجارة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».