ربع مواطني المدن المليونية في روسيا لا يثقون بجيرانهم

الحياة فيها تفرض نمط حياة بلا ألفة

العلاقة الاجتماعية بين سكان المدن الكبيرة في روسيا شبه معدومة
العلاقة الاجتماعية بين سكان المدن الكبيرة في روسيا شبه معدومة
TT

ربع مواطني المدن المليونية في روسيا لا يثقون بجيرانهم

العلاقة الاجتماعية بين سكان المدن الكبيرة في روسيا شبه معدومة
العلاقة الاجتماعية بين سكان المدن الكبيرة في روسيا شبه معدومة

تستوعب الأبنية الطابقية السّكنية عشرات وربما مئات العائلات في شققها الكثيرة، يعيشون جنبا إلى جنب، تفصل بينهم جدران بيتونية غالبا ما تكون رقيقة. ولكن رغم ذلك فإنّ العلاقات «بين الجيران» في تلك الأبنية لا تتميز في كثير من الأحيان بدرجة عالية من الألفة والتواصل، وفي بعض الحالات تبدو العلاقة الاجتماعية بينهم شبه معدومة. هذه هي حال كثيرين من سكان «الشقق»، الذين يتحكم نمط الحياة في المدن بحياتهم الاجتماعية، وطبيعة التفاعل مع الآخر. ويترك هذا كله تأثيره حتى على مدى الثقة بين الجار وجاره. وتناولت دراسات مختلفة هذه الظاهرة، بينها دراسة نشرها «مركز عموم روسيا لاستطلاع الرأي العام» على موقعه الرسمي، كشف فيها عن عدم ثقة نحو ربع المواطنين الروس بجيرانهم.
وفي استطلاع للرأي أجراه «المركز» في مدن روسية قال إنّ 18 في المائة من سكان المباني الطابقية بعدد كبير من الشقق لا يثقون بجيرانهم في المبنى ذاته. وترتفع هذه النسبة بين سكان الشقق «المستأجرين»، الذين قال 28 في المائة منهم، إنّهم لا يثقون بالجيران. وكلما كانت المدنية أكبر، ارتفعت نسبة «عدم الثقة»، وبلغت 25 في المائة في المدن التي يعيش فيها نحو مليون نسمة، وتصبح النسبة أعلى من ذلك في مدن عملاقة بحجم العاصمة موسكو، أو بطرسبورغ، حيث تكاد تكون العلاقات معدومة أحيانا «بين الجيران» نظرا لنمط الحياة فيها، فضلا عن وجود عدد كبير من «سكان الشقق»، وفدوا من مدن أخرى بحثا عن حياة أفضل وفرص عمل. ولأنّ هؤلاء قد يتنقلون للعيش من مكان لآخر، يتعذر عليهم بناء علاقات أُلفة وتواصل مع الآخرين. كما أنّ طبيعة الحياة الاقتصادية في المدن العملاقة، تؤثر على نمط العلاقات الاجتماعية بين سكان المبنى الواحد.
على الجانب الآخر قال 79 في المائة من المواطنين الروس إنّهم يثقون بجيرانهم، وأكد أقل من نصف المواطنين المشاركين في استطلاع الرأي، 46 في المائة، أنّهم يعرفون جميع جيرانهم في المبنى، وقال 36 في المائة إنّهم يعرفون بعض الجيران، أو لا يعرفون أي واحد منهم. ورصدت الدراسة التي أعدها مركز عموم روسيا لاستطلاع الرأي طبيعة التفاعل «بين الجيران»، وفي إجابتهم عن سؤال «هل ألقيت التحية على جيرانك؟»، أجاب 86 في المائة بـ«نعم»، و31 في المائة بـ«لا». وقال 43 في المائة إنّهم لم يتفاعلوا مع السكان الآخرين في المبنى خلال حلّ مشاكل عامة تخص المبنى، بينما لم تتجاوز نسبة الذين قضوا أوقاتا مع جيرانهم 34 في المائة من المواطنين. ويدل هذا المؤشر الأخير على طبيعة العلاقة بين سكان «الشقق»، ذلك أنّ قضاء الوقت «معاً» ممكن فقط في حال كانت العلاقة عميقة وقوية مع «الجار».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».