الخيول العربية.. البحث عن الأصيل من «عقيلات القصيم» إلى «الليدي آن بلنت»

أسسوا اسطبلات في مصر ولعبوا دورا بوصفهم مدربين ومالكين للجياد

آن بلنت صاحبة مزرعة كريبيت للخيول العربية في لندن عام 1878
آن بلنت صاحبة مزرعة كريبيت للخيول العربية في لندن عام 1878
TT

الخيول العربية.. البحث عن الأصيل من «عقيلات القصيم» إلى «الليدي آن بلنت»

آن بلنت صاحبة مزرعة كريبيت للخيول العربية في لندن عام 1878
آن بلنت صاحبة مزرعة كريبيت للخيول العربية في لندن عام 1878

خلال 400 عام جال مجموعة من تجار نجد، وتحديدا من منطقة القصيم وسط الجزيرة العربية، وقد عرفوا باسم «العقيلات» حاملين تجارتهم من الإبل والخيل، إضافة إلى بضائعهم المتنوعة من الأغنام، والسمن، والملابس، والأسلحة، والقهوة، والشاي، والسكر، والنحاس، ليأتي عام 1952 يضع حدا لهذه الظاهرة الاقتصادية الفريدة التي استمرت 4 قرون، بقرار من الجامعة العربية، لتنقرض تلك التجارة «تجارة العقيلات»، وتبقى مظاهر لها تمثلت في تواجد الكثير من الأسر النجدية من العقيلات، في مختلف الدول العربية لارتباطهم بالزواج وامتلاكهم عقارات بالإضافة إلى أنشطة تجارية امتدادا لتجارتهم عبر العقود الطويلة، وتمكنوا من ربط الدول العربية والإسلامية ببعضها البعض اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، وثقافيا، وصنعوا من خلال ذلك تاريخا ذا شجون، واكتسبت تجارتهم شهرة تاريخية؛ حيث عرف العقيلات بحسن تعاملهم وعلاقاتهم الوطيدة بغيرهم عبر السنين والأجيال، وكما نقل بعض من عاد إلى وطنه ولم يستقر في الدول التي سافر إليها ثقافة وعادات وتقاليد، سكان تلك الدول، وهو ما دفع الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى القول، أثناء زيارته لمنطقة القصيم قبل أكثر من 8 سنوات: «يسعدني أن أكون معكم اليوم في القصيم العزيزة التي انطلق منها رجال يبحثون عن الرزق الحلال، بهمة صادقة قبل أن يمنّ الله علينا بكنوز الأرض، فشدوا الرحال إلى البلاد المجاورة والبعيدة، وكانوا خير سفراء للوطن، يحملون قيمه ومبادئه».
ونجح الباحث السعودي بدر بن صالح الوهيبي، في تسليط الضوء على جزئية مهمة من تاريخ العقيلات، والمتمثلة في حضور الخيل العربية عندهم، ودورهم في العناية بهذا النوع ودخوله العالمية، موردا وصفا للخيل العربي ونسبه وأنواعه، والمؤلفات عنه في التراث العربي، وأشهر معارض بيع الخيل، والاهتمام العالمي بالخيل العربية، قائمة بأشهر ملاك ومربي الخيل في مصر من العقيلات من القصيم، الذين قدموا إلى مصر في بداية عهد الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892م، حينما أنشئ أول مضمار لسباق الخيول في مصر، وبرزت من العقيلات شخصيات كبيرة، عرفت داخل هيئات السباق كمدربين وأصحاب خيول، وأصحاب اسطبلات في كل من الحلمية، والمطرية، وعين شمس.
وأشار الوهيبي إلى أن مصلح مصر ومجدد نهضتها محمد علي باشا الكبير، اقتنى مجموعة فاخرة من الخيول النجدية، لنجليه إبراهيم باشا، وطوسون باشا، الذي أهدى إليه الأمير عبد الله بن سعود عام 1815م مجموعة من الخيول الجميلة، لكنها – لسوء الحظ – عانت من المرض والعطش سنوات حتى تلاشت تقريبا، إلى أن جاء عباس باشا الأول، فتدارك الأمر، ونظر لما لمسه فيه والده طوسون باشا حب الخيل، والغيرة عليها، فقد سلمه إدارة محطات التربية الموجودة في ذلك الوقت، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في الإبقاء على الخيول العربية، وظل مملوكه (علي بك جمال الجماشوجي)، يجوب شبه الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها في سبيل إحضار أفراس له من أعزم مرابط خير العرب الأصيلة، متتبعا خطواتها، رغم بعد المسافة وصعوبة المواصلات، وقد ذكر في كتاب له قصص هذه المرابط رواية عن القبائل والعشائر.
كما أورد الباحث الوهيبي، ذكرا لليدي آن بلنت، وهي صاحبة مزرعة كريبيت بارك في لندن للخيل العربية، وهي مؤسسة خاصة أسسها ويل فرد بلنت والليدي بلنت عام 1878، وما أن أنشئ مربط كريبيت بارك، حتى تطلعت الليدي وزوجها إلى البلاد العربية كمصدر من مصادر الحصول على الخيل الأصيلة، فزارت القاهرة، ومرابط الخيل فيها، وخصوصا مرابط العائلة المالكة؛ حيث أعجبت بالخيول التي يحتويها مربط الأمير علي باشا، وبعد مفاوضات مكثفة قامت الليدي بتأسيس مربط للخيل في منطقة الشيخ عبيد، على أطراف الصحراء في ضاحية من ضواحي القاهرة 1882.
وأشار الوهيبي إلى الجواد مسعود، الذي يعد الجد الكبير للخيول التي توالدت في مربط آل بلنت، وقد نقل فيما بعد إلى بريطانيا، وتحديدا إلى مزرعة كريبيت، وقد انحدرت من خيول آل بلنت أفضل الخيول العربية في بريطانيا، مثل: الفرس نفيسة، والحصان شارون، اللذين لم تشاهد بريطانيا قط مثل جودتهما، وأصالتهما.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».