«بيروت مدينة ممجدة»... تحية ماهر العطار لمدينته

يجسّد في المجلد امرأة عانت وقاومت بصلابة

TT

«بيروت مدينة ممجدة»... تحية ماهر العطار لمدينته

ماهر العطار، مصور فوتوغرافي عايش الحرب اللبنانية منذ بداياتها في سبعينات القرن الماضي. كان يؤدّي مهمته هذه لصالح وكالة «سيغما» العالمية. تعرّض لإصابتين بالغتين في جسمه، إلّا أنّه رفض الاستسلام والتوقف عن ممارسة مهنته.
وعندما عاد من غربته إلى بيروت منذ نحو أربع سنوات، أمضاها متنقلا ما بين باريس وقطر لمدة 25 سنة، كان هاجسه الأساس ابتكار فكرة يكرّم فيها مدينته التي يعشقها بعد طول غياب عنها.
واليوم، تبلورت فكرته وبدأ بتنفيذها تحت عنوان «بيروت مدينة ممجدة» (Berytus a glorified city)، الذي استوحاه من اسمها باللاتينية. وسيترجم العطار مشروعه هذا ضمن مجلد ومعرض فوتوغرافيين ينوي إطلاقهما قريبا. وقد قرّر تنفيذه من خلال صور فوتوغرافية يلتقطها بتقنية يدوية قديمة (لوموغرافي)، بعيدة كل البعد عن الكاميرا الرقمية (ديجيتال) الحديثة. وتعاون في هذا الإطار مع ليا مهنا لتمثل دور بيروت كما يتخيلها.
«عندما عدت إلى مدينتي بعد غياب، صدمت بوجهها المتعب الذي لا يزال يرافقها حتى اليوم، كما عندما فارقتها في التسعينات. فوّلد الأمر عندي صراعاً داخلياً دفعني للتّفكير بتصويرها مدينة منتصبة دائما وأبدا». يقول ماهر العطار في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «فأنا ابن هذه المدينة ومن منطقة رأس بيروت بالتحديد، ولدت وترعرعت فيها وأعرفها مقاومة صلبة لا تنكسر. قرّرت أن أصورها كامرأة عانت الأمرّين تماما كـ(ماريان دي فرنس) التي ترمز إلى فرنسا بعد تحرّرها من الملكية المطلقة».
واستطاع العطار أن يجسّد هذا الرمز من خلال ليا مهنا التي تعرّف إليها من خلال منشور لها على صفحة إنستغرام الإلكترونية. «كنت يومها في مدينة كان الفرنسية عندما اطّلعت بالصّدفة على منشورها هذا، فاتصلت بها وهي بالمناسبة تعمل في محطة (إم تي في) اللبنانية وأخبرتها عن فكرتي فتأثرت لها ووافقت على الفور».
حتى الآن أنجز ماهر العطار قسماً لا يستهان به من مشروعه، ومن بينها صور فوتوغرافية يصفها بـ«ماستر بيس» تحمل عناوين «الحرية» و«الاستقلال» ومجموعة أخرى كـ«الغاز الضائع» و«الضلال» و«حمامة السلام».
«في هذه الصور قدمت بيروت المرأة المنتصبة على الرّغم من تعرضها إلى الاغتصاب والضياع والإهمال حتى من عائلتها وأهلها. وركنت إلى فن التصوير (اللوموغرافي) الذي يرتكز على تقنية اللومو الروسية الأصل والتي تبنتها بلاد النرويج فيما بعد. وهي تعمل يدويا وقلبها وعدستها مصنوعتان من مادة البلاستيك. كما أنّها تعتمد على سرعة واحدة وحتى فيلم التظهير في داخلها عليك لفّه يدويا. ولكن ميزة هذه الكاميرا هي أنّ صورها ليست مثالية كتلك الرقمية المعروفة. ورغبت في أن تطغى هذه الميزة على صوري كي تبدو طبيعية وغير واضحة المعالم». ولكن، لماذا شبّه ماهر العطار بيروت بامرأة؟ يوضح: «أولا إنّ اسم بيروت هو أنثوي، كما أني ومن باب احترامي وتقديري للمرأة اللبنانية ارتأيت في تقديم لفتة إنسانية لها تنصفها ولذلك دمجت ما بينهما».
اختار المصور اللبناني الذي ينتمي إلى الرّعيل الأول من المصورين في لبنان، مواقع، تنقّل فيها ما بين شوارع بيروت ومناطق لبنانية أخرى. «كنت أبحث دائما عن أماكن لا تزال آثار الحرب ظاهرة على معالمها، كي أولّد هذا التناقض الذي أهدف إليه، لأظهرها كمدينة راقية ومنتهكة في الوقت نفسه». يوضح العطار في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «كما آثرت إظهار جدران من عمارات ومواقع مدمرة مرّت عليها جحافل من الأحزاب المحلية والخارجية». وفي صورة «الحرية» يقدم لوحة فنية بامتياز تبدو فيها بيروت بالأبيض (تجسّدها ليا مهنا) بثوب موقع من المصمم زياد نكد، تقف على تلة صخرية وهي تحمل العلم اللبناني عاليا. وفي صورة «الاستقلال» «تقصدت أن يلفها غيم قاتم أسود لأظهر الغضب السماوي والإجحاف وعدم الوفاء لها من قبل أبنائها الذين يظهرون في الصورة يحيطون بها. وسعفني حال الطقس يومها لتتجمع هذه الغيوم والتقطها بصورة طبيعية».
وفي مجموعاته الأخرى «الغاز المفقود» و«الضلال» و«حمامة السلام» نشاهد بيروت الحزينة التي تمثلها ليا مهنا في وضعيات مختلفة ترتدي فيها ثوبا أسود.
«المسؤولية كانت كبيرة علي لإنجاز المهمة التي أفتخر بها كثيرا». تقول ليا مهنا في حديث لـ«الشرق الأوسط» وتضيف: «ولمجرد أنّ ماهر طلب مني تجسيد مدينتي تأثرت ووافقت بسرعة، لأنّه أولاً مصور مخضرم ومحترف، وكذلك يتناول بيروت المدينة التي أعشقها». أمّا عن أصعب ما واجهته في هذه التجربة فتقول في معرض حديثها إن «تقنية اللوموغرافي التي استخدمها العطار في صوره تطلبت منّا جهداً كبيراً كان يضطرني إلى البقاء ساعات طويلة حافية القدمين، وضمن شروط طقس بارد وحرارة متدنية».
يعمل ماهر العطار حالياً على إكمال مشروعه هذا ضمن كتاب يصفه بـ«الهوت كوتير»، إضافة إلى معرض يتمنّى أن يلفت متاحف عالمية. «لقد سبق وأصدرت مجلدات من هذا النوع، تناولت فيها فرنسا وغير ذلك من الدّول العربية وهي تصبّ في خانة الكتب الرّاقية وبطباعة رفيعة المستوى. وأتمنّى أن أجد رعاية من جهات مموّلة كي أستطيع تنفيذ هذا المشروع بالشروط الجيدة التي أصبو إليها».
ومن الصور الفوتوغرافية التي يستعدّ لالتقاطها حالياً، تلك التي تحكي عن الحراك المدني الجاري في لبنان اليوم. «سأطلق على هذه الصورة اسم (الثورة) وسأنفّذها عند اكتمال عناصرها في خيالي لأنّ ما يجري اليوم على الأرض زودني بأفكار غزيرة أتمنّى ترجمتها على طريقتي».



«الصندوق الثقافي» يموِّل تمكين القطاعات الثقافية بـ95 مليون ريال

نُظِّم «لقاء التمويل الثقافي» في متحف «تيم لاب - بلا حدود» (الصندوق الثقافي)
نُظِّم «لقاء التمويل الثقافي» في متحف «تيم لاب - بلا حدود» (الصندوق الثقافي)
TT

«الصندوق الثقافي» يموِّل تمكين القطاعات الثقافية بـ95 مليون ريال

نُظِّم «لقاء التمويل الثقافي» في متحف «تيم لاب - بلا حدود» (الصندوق الثقافي)
نُظِّم «لقاء التمويل الثقافي» في متحف «تيم لاب - بلا حدود» (الصندوق الثقافي)

أعلن «الصندوق الثقافي» في السعودية تقديم تمويل يتجاوز 95 مليون ريال؛ لتمكين القطاعات الثقافية وتحفيز إبداعاتها، وخَلْق فرص وظيفية متنوّعة للسعوديين والسعوديات.

وعقد «الصندوق» «لقاء التمويل الثقافي» في جدة التاريخية، لبناء بيئة تواصلية مع المجتمع الثقافي؛ من مبدعين وروّاد أعمال وشركاء، على المستويين المحلّي والدولي، فشهد اللقاء توقيع 8 اتفاقات تسهيلات ائتمانية ضمن «التمويل الثقافي» لتمويل مشروعات مميّزة لشركات رائدة في 5 قطاعات ثقافية، تشمل المتاحف، والموسيقى، والمهرجانات والفعاليات الثقافية، وفنون الطهي، والأفلام. وتمثل دفعةً أخرى من تسهيلات «التمويل الثقافي» منذ إطلاقه بداية سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتهدف هذه المشروعات النوعية إلى زيادة إسهام القطاعات لـ5 في الاقتصاد الوطني ورفع جودة حياة المجتمع مع بقية القطاعات الثقافية الـ16 التي يدعمها «الصندوق»؛ بما يروّج للثقافة السعودية محلّياً وعالمياً، ويرفع قدرات العاملين في القطاع الثقافي.

تهدف المشروعات إلى زيادة إسهام قطاعات الثقافة في الاقتصاد (الصندوق الثقافي)

جَرَت مراسم توقيع الاتفاقات، خلال «لقاء التمويل الثقافي» الذي نظَّمه «الصندوق» بالتعاون مع برنامج جدة التاريخية ومهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في متحف «تيم لاب - بلا حدود».

وهَدَف اللقاء إلى التعريف بدور «التمويل الثقافي» في تعزيز نمو المشهد الثقافي بالمملكة وتحفيز إبداعاته وتعظيم أثره الاقتصادي والاجتماعي، عبر دعمه إطلاق أو توسُّع مشروعات القطاعات الثقافية الـ16، ضمن مزايا تنافسية للمنشآت متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة. كما استعرض «الصندوق» فرص القطاع الثقافي الواعدة للمستثمرين المحلّيين والدوليين، ودعا المبدعين وروّاد الأعمال والمنشآت للمُشاركة في قصة النجاح الثقافي بالمملكة، واغتنام الفرص الاستثنائية التي يُتيحها القطاع لتمكين إبداعاتهم وأعمالهم.

وضمن أجواء تفاعلية وترحيبية، كرَّم «استوديو SPT»؛ وهو أحد المشروعات المدعومة من «الصندوق»، 4 مُبدعين في صناعة الأفلام تحت خطّ الإنتاج تنوّعت اختصاصاتهم بين مُخرج، ومصمّم أزياء، ومدير تصوير وإضاءة، ومُساعد مُخرج.

وإذ يضيء هذا التكريم على الجهود الإبداعية المبذولة في مجال صناعة الأفلام والإنتاج السينمائي، أتاح «الصندوق» لضيوف اللقاء تجربةً ثقافية متنوّعة، بالتعاون مع فنانين سعوديين بارزين، تضمَّنت جولةً فنيةً في متحف «تيم لاب - بلا حدود»، وتجربة تذوُّق مُبتكرة قدّمتها نوال الخلاوي احتفت من خلالها بتنوّع تراث المملكة وتقاليدها، وذلك ضمن سلسلة التعاونات الفنّية لتحفيز صنّاع الثقافة ودعمهم.