مصر تنجح في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي

برامج الإصلاح تُنتج نمواً وتراجعاً في التضخم وانخفاضاً في الدين العام

سيدتان تتسوقان بأحد متاجر القاهرة في مصر (رويترز)
سيدتان تتسوقان بأحد متاجر القاهرة في مصر (رويترز)
TT

مصر تنجح في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي

سيدتان تتسوقان بأحد متاجر القاهرة في مصر (رويترز)
سيدتان تتسوقان بأحد متاجر القاهرة في مصر (رويترز)

نجحت مصر في تحقيق هدفها الرئيس المتمثل في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي في ظل برنامج الإصلاح الاقتصادي الحكومي. ومن المتوقع، وفقاً لتقرير صادر عن بنك «الكويت الوطني»، أن يواصل الاقتصاد المصري تحقيق وتيرة نمو قوية، وأن تتراجع معدلات التضخم خلال الفترة 2020 - 2022. كما تشير التوقعات أيضاً إلى تحسن عجز الموازنة والحساب الجاري الخارجي خلال نفس الفترة. ومن جهة أخرى، يعد ارتفاع تكاليف خدمة الدين والضعف النسبي لأداء القطاع الخاص من ضمن المخاطر الرئيسية التي تهدد آفاق النمو الاقتصادي التي تبدو واعدة بصفة عامة.
وأكد التقرير تمكّن مصر من إنجاز برنامج الإصلاح الاقتصادي بدعم من صندوق النقد الدولي على مدار 3 سنوات، كما نجحت في تحقيق هدفها الرئيس المتمثل في تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي. حيث شهد الاقتصاد المصري مستويات نمو قوية وارتفع بنسبة 5.6% في الربع الأول (من يوليو «تموز» إلى سبتمبر «أيلول») من السنة المالية الحالية (2019-2020). وفيما يخص الآفاق المستقبلية، يتوقع استمرار تحسن معدلات النمو وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنةً بالسنوات الأخيرة. كما يتوقع أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قوياً عند مستوى يقارب 5.5% خلال السنة المالية 2019-2020، وأن يصل في المتوسط إلى 5% تقريباً في العامين المقبلين، بدعم من الانتعاش القوي في الإنفاق الرأسمالي واستمرار تحسن قطاع السياحة وتزايد إنتاج الغاز الطبيعي الذي من شأنه أن يحوّل مصر إلى دولة مصدّرة للغاز على المدى القريب.
وقد تنتقل مصر على الأرجح إلى تطبيق برنامج احترازي غير مالي جديد مع صندوق النقد، والذي من خلاله يلعب الصندوق دوراً استشارياً يوفر من خلاله دعماً قوياً للاقتصاد المصري. وسوف يساعد هذا البرنامج الحكومة المصرية على مواصلة الإصلاحات والحفاظ على المكتسبات الاقتصادية التي نجحت مصر في تحقيقها.
وعلى الرغم من خفض دعوم الطاقة في بداية السنة المالية في يوليو 2019، فإن معدل التضخم في المناطق الحضرية بدأ في التباطؤ بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، حيث بلغ 3.1% على أساس سنوي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، مسجلاً أدنى مستوى له منذ أكتوبر 2005، وذلك على خلفية الجهود التي بذلتها الدولة لضمان توفير إمدادات غذائية كافية واستمرار تحسن قيمة الجنيه المصري الذي ارتفع بنحو 10% مقابل الدولار في عام 2019، مما ساعد على كبح ضغوط أسعار الواردات. ويتوقع أن يظل التضخم معتدلاً حتى عام 2022. هذا وقد تخضع تلك التوقعات للتعديل وفقاً لتحركات أسعار النفط وسعر الصرف، بالإضافة إلى تقلب أسعار المواد الغذائية، نظراً إلى ما يتمتع به هذا العنصر الأخير من وزن نسبي كبير في مكونات سلة مؤشر أسعار المستهلكين.
هذا وقد ساهم تباطؤ معدلات التضخم في فسح المجال أمام البنك المركزي المصري لخفض سعر الفائدة أربع مرات خلال عام 2019 بمقدار 450 نقطة أساس. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك مجال لتخفيضات كبيرة نظراً لسعر الفائدة الحقيقي المرتفع، فإن التوقعات تشير إلى أن البنك المركزي سيبقى حذراً –بحيث إنه قد يقدم على تخفيض سعر الفائدة بمقدار 300 إلى 400 نقطة أساس في عام 2020- إذا ظلت مستويات التضخم متدنية.
إلى ذلك، تواصل الحكومة المصرية إحراز المزيد من التقدم على صعيد ضبط أوضاع المالية العامة. فعلى الرغم من الزيادة الأخيرة في الرواتب والمعاشات الحكومية في يوليو الماضي، فإن الميزانية الأولية قد تحقق فائضاً بنسبة 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2018-2019 مقابل 0.2% في العام السابق. ويتوقع استمرار هذا التحسن، ليبلغ متوسط الفائض الأولي 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العامين المقبلين.
إلا أن مستوى عجز الموازنة العامة لا يزال مرتفعاً نسبياً، حيث بلغ 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2018-2019 فيما يُعزى بصفة أساسية إلى ارتفاع تكلفة خدمة الدين.
وفي واقع الأمر، زادت مدفوعات الفوائد في السنوات الأخيرة بما يعكس زيادة كل من الدين العام مستحق السداد وتكاليف التمويل المحلي. وتوقع التقرير تقلص مستوى العجز المالي إلى 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2019-2020، إلى أن يصل إلى 6% بحلول السنة المالية 2020-2021. وذلك بفضل زيادة الإيرادات (الضرائب والغاز) واستمرار الإصلاحات على صعيد دعم المشتقات النفطية والكهرباء. كما انخفض الدين العام من 108% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2016-2017 إلى ما يقدر بنحو 92% في السنة المالية 2018-2019 على خلفية خفض أسعار الفائدة والتوسع في الحصول على قروض دولية بمعدلات فائدة منخفضة. وفي ظل تراجع متطلبات تمويل الميزانية، من المتوقع أن ينخفض الدين العام إلى نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول السنة المالية 2021-2022. إلا أن هيكل الدين العام سوف يميل أكثر نحو الدين الخارجي.
وفي ظل هذا السياق، تخطط الحكومة لإصدار سندات دولية مقومة بعملات أجنبية متعددة بقيمة 7 مليارات دولار خلال السنة المالية الحالية للاستفادة من المستويات التاريخية المتدنية لأسعار الفائدة العالمية.
أما الحساب الجاري الخارجي لمصر، فقد تحسن نتيجة لنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث انخفض مستوى العجز من 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2016-2017 إلى 2.7% في السنة المالية 2018-2019. كما أنه من المقرر أن يتقلص تدريجياً إلى نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021-2022 على خلفية استمرار نمو تحويلات المصريين العاملين في الخارج وزيادة عائدات السياحة بالإضافة إلى زيادة إيرادات الغاز.
وقال التقرير أيضاً: «حققت مصر تقدماً جديراً بالثناء في إطار تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي جريء، حيث تمكنت من استعادة استقرار الاقتصاد الكلي في وقت قصير نسبياً. ومن المقرر أن ينعكس التزام مصر وحرصها على تطبيق الإصلاحات في اتخاذ مجموعة من تدابير الجيل الثاني من الإصلاحات التي ترتكز على معالجة مسائل هيكلية متجذرة، تتمثل خصوصاً في استمرار هيمنة القطاع العام على الاقتصاد المصري. وسيتطلب هذا الأمر، قيام مصر بالتركيز على تحسين بيئة الأعمال وتطوير القطاع الخاص ليصبح المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. كما أن التصدي للفقر وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي من شأنهما تسهيل المضي قدماً في استكمال جدول أعمال الإصلاحات الاقتصادية خلال السنوات الثلاث القادمة».


مقالات ذات صلة

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مسؤولو «مدن» الإماراتية و«حسن علام» المصرية خلال توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مشروع رأس الحكمة (الشرق الأوسط)

«مدن القابضة» الإماراتية توقع مذكرة تفاهم في البنية التحتية والطاقة بمشروع رأس الحكمة

وقعت «مدن القابضة» الإماراتية، اليوم الثلاثاء، مذكرة تفاهم مع مجموعة «حسن علام القابضة» المصرية، لتعزيز أفق التعاون في مشروع رأس الحكمة في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الشمس أثناء الغروب خلف أعمدة خطوط الكهرباء ذات الجهد العالي (رويترز)

الربط الكهربائي بين مصر والسعودية يحسّن إمدادات التيار في المنطقة ويقلل الانقطاعات

ترى الشركة المنفذة لأعمال الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، أن الربط الكهربائي بين البلدين سيحسّن إمدادات التيار في المنطقة ويقلل من انقطاعات الكهرباء.

صبري ناجح (القاهرة)
الاقتصاد اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)

محافظ جنوب سيناء: نتطلع لجذب الاستثمارات عبر استراتيجية التنمية الشاملة

تتطلع محافظة جنوب سيناء المصرية إلى تعزيز موقعها كمركز جذب سياحي، سواء على مستوى الاستثمارات أو تدفقات السياح من كل أنحاء العالم.

مساعد الزياني (دبي)

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
TT

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)

أعرب وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، ومرشح حزب «الخضر» لمنصب المستشار، عن اعتقاده بأن ألمانيا والاتحاد الأوروبي على استعداد جيد للتعامل مع رئاسة دونالد ترمب الجديدة، لكنه حذر ترمب من أن الرسوم الجمركية سلاح ذو حدين، وسيضر الاقتصاد الكلي.

وقال هابيك، نائب المستشار الألماني، وفق «وكالة الأنباء الألمانية»: «أقول إنه يتعين علي وأريد أن أواصل العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. لكن إذا تصرفت الإدارة الأميركية الجديدة بطريقة قاسية، فسنرد بشكل جماعي وبثقة بوصفنا اتحاداً أوروبياً».

يذكر أن الاتحاد الأوروبي مسؤول عن السياسة التجارية للدول الأعضاء به والبالغ عددها 27 دولة.

وهدد الرئيس الأميركي المنتخب ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع البضائع الصينية وما يتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من دول أخرى، ومن بينها الاتحاد الأوروبي، والتي ستشمل السيارات الألمانية الصنع، وهي صناعة رئيسية.

وقال هابيك إنه سيتم التوضيح للولايات المتحدة، من خلال الحوار البناء مع الاتحاد الأوروبي، أن العلاقات التجارية الجيدة تعود بالنفع على الجانبين، إلا أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إظهار قوتهما.

وأضاف هابيك: «ردي على ترمب ليس بالخضوع، ولكن بالثقة بقوتنا. ألمانيا قوية وأوروبا قوية».

كانت دراسة أجرتها شركة «بي دبليو سي» لمراجعة الحسابات، قد أظهرت أن اختيار دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، يُشكل تحدياً لصناعة الشحن الألمانية.

وكشفت الدراسة عن أن 78 في المائة من ممثلي الصناعة يتوقعون تداعيات سلبية من رئاسة ترمب، بينما يتوقع 4 في المائة فقط نتائج إيجابية. واشتمل الاستطلاع على ردود من 124 من صنّاع القرارات في قطاع الشحن.

وتمحورت المخاوف حول احتمالية زيادة الحواجز التجارية، وتراجع حجم النقل تحت قيادة ترمب.

كما ألقت الدراسة الضوء على الأزمة الجارية في البحر الأحمر، حيث تهاجم جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران السفن التجارية بطائرات مسيّرة وصواريخ.

وبدأت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتقول الجماعة إنها تستهدف السفن الإسرائيلية، والمرتبطة بإسرائيل، أو تلك المتوجهة إليها، وذلك نصرة للشعب الفلسطيني في غزة.

وتجنبت عدة شركات شحن قد شملها الاستطلاع، البحر الأحمر خلال فترة الاستطلاع الذي أجري من مايو (أيار) إلى يونيو (حزيران)، فيما لا تزال ثلاث شركات من أصل 72 شركة تبحر عبر المسار بشكل نموذجي، تعمل في المنطقة.

ووفقاً للدراسة، فإن 81 في المائة من الشركات لديها اعتقاد بأن الأسعار سوف تواجه ضغوطاً هبوطية في حال كانت مسارات النقل في البحر الأحمر تعمل بشكل سلس.