المرأة في واجهة الحياة السياسية الفنلندية

من اليسار: لي أندرسون و كاتري كولموني و سانا مارين و ماريا أوهيسالو (رويترز)
من اليسار: لي أندرسون و كاتري كولموني و سانا مارين و ماريا أوهيسالو (رويترز)
TT

المرأة في واجهة الحياة السياسية الفنلندية

من اليسار: لي أندرسون و كاتري كولموني و سانا مارين و ماريا أوهيسالو (رويترز)
من اليسار: لي أندرسون و كاتري كولموني و سانا مارين و ماريا أوهيسالو (رويترز)

ليست سانا مارين وحدها من جذب انتباه العالم إلى فنلندا، بل واقع أن الأحزاب الأربعة الأخرى التي تشاركها الحكومة تقودها نساء، ثلاث منهن مثلها شابات، تتراوح أعمارهن بين الـ32 والـ34 سنة، وأيضاً واقع أن حكومتها معظمهما من النساء، فهي تضم 12 امرأة و7 رجال.
رئيسات الأحزاب المشاركة في الحكومة تسلمن في الحقيقة مناصب وزارية مهمة. فوزارة الداخلية ترأسها زعيمة حزب «الخضر» البيئي ماريا أوهيسالو (34 سنة)، ووزارة المالية ترأسها زعيمة حزب الوسط كاتري كولموني (32 سنة) التي لعبت دوراً محورياً في إزاحة رئيس الوزراء السابق أنتي رينه، مما مهد الطريق أمام مارين لترأس الحكومة، كذلك ترأس وزارة التعليم لي أندرسون (32 سنة) زعيمة حزب اليسار. وإذا كان هذا الحضور القوي للمرأة في الحياة السياسية بفنلندا قد شكل مفاجأة للعالم، فإن الأمر يعد أمراً اعتيادياً في هذا البلد. فالبرلمان نصفه تقريباً من النساء، بنسبة 47 في المائة، ونصف الموظفين في القطاعات العامة والخاصة أيضاً من النساء. وفي القطاع الدبلوماسي، 45 في المائة من سفراء فنلندا نساء، وأكثر من 50 في المائة من الدبلوماسيين الآخرين هن أيضاً نساء. كما أنهن يشكلن ثلث أصحاب الأعمال، وهي نسبة مرتفعة جداً، مقارنة بدول أوروبية أخرى.
وفي الماضي، وصلت سيدتان إلى رئاسة الحكومة في فنلندا. ففي عام 2003، تولت المنصب أنيلي ياتنماكي، من حزب الوسط، رغم أن عهدها كان قصيراً جداً، ولم تحكم سوى قرابة الشهرين فقط. ثم في عام 2010، اختارت فنلندا ماري كيفنيامي (أيضاً من حزب الوسط) كذلك لترؤس الحكومة، ولكن هي الأخرى لم تدم في المنصب أكثر من سنة واحدة. والآن، انتخبت فنلندا سيدة ثالثة، هي سانا مارين التي يميزها عن الرئيستين اللتين سبقتاها صغر سنها.
ومن جهة ثانية، فلطالما كانت فنلندا من الدول الرائدة في المساواة بين الرجل والمرأة. وبحسب تقرير حول الهوة بين الجنسين صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي، فإن فنلندا حلت عام 2018 في المرتبة الرابعة من أصل 149 دولة، كما تحتل المرأة مناصب عليا في فنلندا راهناً ضمن قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد والسياسة.
وفي الواقع، عملت فنلندا منذ فترة طويلة على تحقيق المساواة بين الجنسين. ففي عام 1906، تبنى البرلمان قانوناً للمساواة، وكان البرلمان الأول في العالم الذي يتبنى قانوناً كهذا. ومن ثم، سمح القانون آنذاك للنساء بالتصويت والترشح للانتخابات، أسوة بالرجال، فيما كانت النساء في العالم ما تزال عاجزة حتى عن المشاركة بالاقتراع.
وفي العام التالي (1907)، نظمت فنلندا أول انتخابات لها، عندما كانت ما تزال جزءاً من الإمبراطورية الروسية، ووصل إلى البرلمان حينها 19 امرأة، 9 منهن كن ينتمين للحزب الاشتراكي، و10 للحزب الوسطي وأحزاب يمينية. وعبر السنين، عملت النساء على تحسين قانون حماية حقوق المرأة، وضمان مساواتها في الوظائف مع الرجال. وفي عام 1917، نظمت فنلندا أول انتخابات لها بعدما أصبحت مستقلة، وانتخبت كذلك 17 سيدة للبرلمان من أصل 200 نائب. وبقيت نسبة النساء المنتخبات تزيد باطراد كل عام، حتى احتللن نصف مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة مطلع هذا العام.


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)
لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)
TT

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)
لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992 ينص على تعددية حزبية.

تقع جمهورية موزمبيق المطلّة على المحيط الهندي في جنوب شرقي أفريقيا. وكان قد وصل إليها المستكشف البرتغالي فاسكو دا غاما عام 1497، وفي عام 1507 أرسلت البرتغال حملة احتلت بموجبها موزمبيق، واستقرت فيها واستغلت ثرواتها. أصبحت موزمبيق ولاية تابعة للبرتغال عام 1951. غير أن الاستعمار البرتغالي جُوبه بمعارضة تحركات وطنية، وتشكلت ثلاثة أحزاب خارج البلاد، هي «حزب الاتحاد الوطني لموزمبيق»، و«حزب اتحاد موزمبيق الوطني الأفريقي»، و«حزب الاتحاد الأفريقي لموزمبيق المستقلة». ومن ثم، تجمعت الأحزاب الثلاثة مشكّلة جبهة تحرير موزمبيق «فريليمو» اليسارية عام 1962 في دار السلام العاصمة السابقة لتنزانيا.

قادت «جبهة تحرير موزمبيق» حرب الاستقلال في الفترة بين 1964 و1974، وانتصرت فيها، وتسلمت السلطة عام 1975 مع إعلان الاستقلال. إلا أن الجمهورية الوليدة تحت قيادتها اليسارية أثارت قلق النظامين العنصريين في «جارتيها» روديسيا الجنوبية (زيمبابوي اليوم) وجنوب أفريقيا السابقة إبان نظام «الأبارتيد». وبالفعل، رعى النظامان العنصريان تأسيس حركة يمينية مناهضة لـ«فريليمو» هي «رينامو» – أو «المقاومة الوطنية في موزمبيق» – التي زجت البلاد في حرب أهلية طوال الفترة من 1977 وحتى 1992. وبينما دعم الاتحاد السوفياتي السابق وكوبا حكومة «فريليمو» رعت القوى الغربية، وبالطبع جنوب افريقيا وروديسيا الجنوبية «رينامو» بحجة مقاومة الشيوعية، وراح ضحية تلك الحرب وما تبعها من مجاعات أكثر من مليون شخص.

عام 1990 جرى تعديل الدستور للسماح بنظام التعددية الحزبية، وعٌقد اتفاق سلام بواسطة الأمم المتحدة أنهى القتال بين «فريليمو» و«رينامو»، وأُجريت أول انتخابات تعددية في 1994، بعد كابوس طال 30 سنة... من حرب الاستقلال ضد الاستعمار البرتغالي إلى الحرب الأهلية؛ ما زاد من معاناة البلاد اقتصادياً وتأثر سكانها لعقود طويلة بذكريات من العنف والدماء.

وعلى أمل المصالحة، جرى التوقيع على اتفاقيات سلام وقوانين عفو متتالية بموافقة «فريليمو» و«رينامو»، في الأعوام 1992 و2014 و2019. لكن حزب «فريليمو» حافظ على سيطرته عبر الانتخابات المتعاقبة، ضامناً قبضته على السلطة.

اليوم، وسط الصراع السياسي، تواجه موزمبيق خطراً داخلياً جديداً، ظهر في 5 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017، باحتلال مجموعة من المتمردين بلدة وميناء موسيمبوا دا برايا بشمال البلاد، التي تقع على بعد 60 كيلومتراً جنوب قاعدة تطوير الغاز الرئيسة في بالما. وهكذا اندلع القتال في المنطقة وفقدت الحكومة المركزية السيطرة على 3 مناطق مدار عقود مضت. ومع أن الأوضاع الأمنية تحسنت نسبياً في المناطق الشمالية، لا تزال الجماعات «الإرهابية» نشطة هناك. كذلك، على الرغم من أن موزمبيق دولة غنية بالغاز الطبيعي فإنها تعد ثامن أفقر دولة في العالم بعدما عطل الإرهاب معدلات النمو، إضافة إلى مشاكل البطالة، خصوصاً بين الشباب، وفق تقرير نشره مركز الإمارات للسياسات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.