سودانيات يعملن في مهن رجالية شاقة

صانعات طوب وبنّاءات وميكانيكيات وسائقات تاكسي

سودانيات يعملن في مهن رجالية شاقة
TT

سودانيات يعملن في مهن رجالية شاقة

سودانيات يعملن في مهن رجالية شاقة

أجبرت الظروف الاقتصادية المتردية، وصعوبة الحصول على وظيفة، نساءً سودانياتٍ على منافسة الرجال في مهن كانت حكراً عليهم، بل وتعدّ اجتماعياً «لا تشبه النساء»، وتعدّ التي تعمل فيها منهن «مغامِرة»، أو حتى «مسترجلة»، لكنّ الظروف الصّعبة المحيطة بشريحة كبيرة من النساء أجبرتهن على ركوب الصّعب.
بعض المهن تحوّلت من سياقها الاجتماعي كما عهدناها «مهناً خاصة بالرّجال»، لقساوتها وصعوبتها، إلى سياق جديد، لتدخل من بوابته النساء في أطراف الخرطوم مهاجرة من المناطق المهمشة إلى العاصمة، لتكتبن قصصاً استثنائية في مواجهة الصّعاب، وتكشفن عن قدرات هائلة بدنية واجتماعية. وفي بعض «نواحي» السودان، تعمل النساء في مهن شاقة ينافسن فيها الرجال، ومن بينها صناعة «الطوب» والبلوكات، والعمل في تكسير الحجارة لأغراض البناء. ولم تعد هذه المهن حكراً على الرجال.
وأثبتت التجربة العملية أنّ النساء يؤدين تلك المهن بشكل جيد، وهو الأمر الذي دفع بالمهندسين والمقاولين للاستعانة بهن في البناء، فهنّ يحملن الطوب، ويعملن بنّاءات، ويجيدنّ حرفة الطلاء «النقاشة».
تعمل الشابة حليمة آدم في البناء، وفي ذلك تقول: «يمكنني العمل في البناء تماماً كالرجل، بل أستطيع القول أيضاً، إنّني أنفّذ العمل بشكل أفضل منه»، وتتابع: «بدأت الاعتماد على نفسي في سن مبكرة، لمساعدة والدتي على تربية إخوتي، فعملت في مهن مختلفة، إلى أن وصلت لمرحلة صناعة الطوب». وتستطرد: «واجهت كثيراً من المضايقات، وكثيرون قالوا إنّ هذا العمل غير مناسب للنساء». لم تستسلم حليمة لضغوط المجتمع المحيط بها، بل ثابرت حتى احترفته. فهي تصنع أجود أنواع الطوب، واستطاعت أن تحوّل هذه المهنة إلى نسوية بامتياز، بعد أن استعانت ببنات جنسها عاملاتٍ مساعداتٍ لها.
ليست حليمة وحدها من تعمل في هذا المجال، فغالبية النساء من حولها يمتهنّ صناعة الطّوب والفخار. وغالبيتهنّ هجرن الدّيار قسراً، متأثرات بالحروب والنّزاعات الأهلية وفقدان العائل، واضطرتهن الظروف للهجرة إلى الخرطوم ليعشن في أطرافها، ويعملن في مثل هذه المهن الشاقة.
أم كلثوم محمد، أم لأربعة أطفال، تقول: «بقيت عاطلة عن العمل لأشهر. سألت بعد ذلك جاري، الذي يعمل في صناعة الطوب، إن كنت أستطيع العمل معه». وتضيف: «في البداية اندهش الرجل، وظن أنّي أريد استدرار عطفه ليساعدني، لكنّه فوجئ بأنّي كنت جادة، فاضطر إلى أن يستجيب لإصراري».
تتابع أم كلثوم: «كنت بحاجة لهذه الفرصة، لذلك تحمّلت العمل في درجات حرارة مرتفعة، ولساعات طويلة، وحمل الطوب الثقيل».
تعود أم كلثوم إلى بيتها في نهاية اليوم منهكة، لكنّها لا تجد فرصة لترتاح، فعليها رعاية أطفالها. تقول: «كنت أعود مرهقة، وأقصر في رعاية أبنائي، ولكن بمرور الوقت أصبحت أقوى»، وتضيف: «بعد فترة لم يعد أحد يعيّرني بعملي الذي هو عمل الرّجال. وبالفعل استطعت أن أثبت نفسي».
وتكشف كلثوم عن أنّ أكثر من 800 امرأة يعملن في صناعة الطوب والفخار، منذ 2003 في ضاحية «المنارة» بأم درمان، يقسمن أنفسهن على أماكن مختلفة داخل أم درمان، وعلى شاطئ نهر النيل حيث يستخدمن طمي النهر في صناعة الطوب.
وتعمل سندس سيد أحمد في صيانة السيارات، وتدير ورشة لهذا الغرض، تقول: «تستطيع المرأة القيام بأي مهنة شرط أن تحبها». وتتابع: «أعمل في المنطقة الصناعية وأنافس عشرات الورشات التي يديرها الرّجال». وتستطرد: «في البداية، واجهت انتقادات كثيرة ولاذعة، بلغت أن وصفني البعض بـ(المسترجلة)، لكنّ الاستفزاز زادني إصراراً على العمل لتغيير نظرة المجتمع للمهن التي كانت تعدّ حكراً على الرجال».
بمرور الوقت، نالت سندس ثقة الزبائن الرجال، عندما تأكّدوا من جدّيتها في العمل بمجال الصيانة بجودة ودقة، وفي ذلك تقول: «خلال السنوات العشر الماضية، كسبت أرضية في المجال، وازداد عدد الفنيين والعمال الذين يعملون معي، بعد أن تقبلوا أن أكون رئيستهم».
«سائق التاكسي»، هذا العمل لم يعد حكراً على الرجال في الخرطوم، وبدأت منظمة «بلان سودان» فتح باب التوظيف لحرفة «سائق تاكسي نسائي»، وأتاحت فرص التوظيف للسائقات النساء. كانت إنصاف محمد أحمد (35 سنة) واحدة من أوائل السودانيات اللاتي يعملن «سائقة تاكسي» لمنظمة «بلان سودان»، وهي منظمة تعنى بالطفولة والفتيات. تقول إنصاف: «منح النساء فرصة العمل سائقةَ تاكسي، خطوة باتجاه تحرير المرأة، ونيلها حقوقها». وتتابع: «عملت سائق أجرة لمدة 8 سنوات قبل أن أنضم إلى (سودان بلان)».
لم تواجه إنصاف صعوبات تذكر في عملها، فهي تقود مختلف أنواع السيارات، وتنقل الرّكاب داخل العاصمة الخرطوم وخارجها، فضلاً عن نقل منسوبي المنظمة. وتنهي كلامها بالقول: «كثيرون يرتاحون لقيادتي ويصفونها بالسلسة».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».