استمرار أنقرة في التصعيد بعد «اتفاقية السراج وإردوغان» يهدد بإشعال المنطقة

«النواب» الليبي يدعو لجلسة طارئة... وأثينا تحيل اعتراضها للأمم المتحدة... والاتحاد الأوروبي يحسم موقفه غداً

TT

استمرار أنقرة في التصعيد بعد «اتفاقية السراج وإردوغان» يهدد بإشعال المنطقة

لا تزال الاتفاقية التي وقّعها رئيس المجلس الرئاسي بحكومة «الوفاق» فائز السراج، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تثير حالة من الغضب والاحتقان في عدد من دول أوروبا، وداخل الأوساط السياسية والاجتماعية بمناطق شرق ليبيا. فيما يتوقع عدد من المحللين السياسيين أن يؤدي استمرار التصعيد التركي إلى اشتعال الأوضاع أكثر فأكثر.
ففي ليبيا رأى عضو مجلس النواب الدكتور أبو بكر بُعيرة، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أمس، أن «أنقرة تودّ في ظل أزمتها الاقتصادية الراهنة الوصول إلى الكعكة الليبية المغرية، في حين أن سلطات طرابلس، الواقعة تحت ضغط الحرب، تحتاج إلى منقذ يحميها من السقوط».
وذهبت قوى سياسية ليبية، موالية لـ«الجيش الوطني»، إلى أن الاتفاق المبرم بين السراج وإردوغان «لا قيمة له، وسيسقط مع سقوط العاصمة في قبضة القوات العامة، فضلاً عن أنه مخالف لدستور البلاد».
وقال بعيرة بهذا الخصوص: «ما كان ينبغي لكل من تركيا وطرابلس أن تدخلا منطقة البحر المتوسط في هذا الهرج والمرج، خصوصاً أن الأمر تحكمه اتفاقية البحار التي أصدرتها الأمم المتحدة منذ عام 1982»، مشيراً إلى أنه «كان الأجدر بهما عند قيام مشكلة ما الدعوة إلى اجتماع لكل دول المتوسط لوضع الحلول».
في السياق ذاته، قال عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي: «إن الطرفين (أنقرة وطرابلس) اختلفا في التسمية. فتركيا سمّتها (وثيقة أمنية) على اعتبار أن البرلمان التركي كان قد صادق عليها، لكن حكومة (الوفاق) تتهرب من التزاماتها القانونية عبر عرض المذكرة على مجلس النواب وسمّتها (مذكرة تفاهم)».
وأضاف الدرسي، وفقاً لقناة «218» الليبية، أن «تركيا لديها مصالح كبيرة من وراء التوقيع على هذه المذكرة، تكمن في تأمين أمنها الاقتصادي، لكنّ هناك رفضاً داخل دول الاتحاد الأوروبي لهذه الاتفاقية». ورأى أن «مصر هي المعنيّ الأول والأخير من هذه المذكرة، فالغاية من الجدل الذي خلّقته الوثيقة هي فرض أجندة معينة وجلب مصر للتفاوض وتقاسم النفط والغاز شرق البحر المتوسط».
وطالب أعضاء بمجلس النواب الليبي بعقد جلسة طارئة لبحث الرد المناسب على الاتفاقية في البرلمان، الذي قال إنه لا يحق لحكومة السراج أو غيرها توقيع أي اتفاقية مع دولة أجنبية، دون موافقته واعتماده لها، لأنه السلطة التشريعية في البلاد.
وكانت حكومة «الوفاق» الليبية والحكومة التركية في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قد وقّعتا في إسطنبول بحضور إردوغان والسراج، على مذكرتين تنص أولاهما على تحديد مناطق النفوذ البحري بين الطرفين، والأخرى على تعزيز التعاون الأمني بينهما.
من جهته، وفي خطوة تصعيدية جديدة، جدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تأكيده استعداد تركيا لإرسال قوات إلى ليبيا «إذا طلبت حكومة الوفاق ذلك»، لافتاً إلى أن تركيا والحكومة الليبية ستبدآن أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في منطقة الحدود البحرية، التي تم تحديدها بموجب مذكرة التفاهم الموقّعة بينهما في 27 نوفمبر الماضي.
وقال إردوغان، خلال فعالية في جامعة بلكنت في أنقرة، أمس، إنه «إذا طلبت الحكومة الليبية إرسال جنودنا فسنرسلهم... وإذا وجّه الشعب والحكومة الليبية دعوة إلى تركيا فإن ذلك يمنحنا الحق في إرسال قوات. لدينا اتفاقيات حول الحقوق البحرية والأمنية العسكرية». لافتاً إلى أن الأمم المتحدة تفرض حظراً على بيع السلاح لليبيا منذ 2011، لكن أنشطة إرسال الجنود بطلب من حكومة الوفاق الليبية «لا تندرج في هذا الإطار».
وكان إردوغان قد ذكر في مقابلة تلفزيونية ليلة الاثنين، أن من حق تركيا إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا في حال تمت دعوتها من «الشعب الليبي»، مشيراً إلى أنه يخطط لعقد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل زيارته المرتقبة لتركيا في يناير (كانون الثاني) المقبل، لبحث الأوضاع في ليبيا.
وحسب مراقبين فإن المباحثات مع بوتين التي تحدث عنها إردوغان، تستهدف تغيير موقف الرئيس الروسي المؤيد لحفتر والجيش الوطني الليبي.
وعدّ إردوغان مذكرة التفاهم مع حكومة السراج «أقوى رد على محاولات اليونان وقبرص تطويق وعزل تركيا في شرق المتوسط»، قائلاً إنه لا يمكن للاعبين الدوليين الآخرين القيام بأنشطة بحث وتنقيب في المناطق، التي حددتها تركيا بموجب الاتفاق مع ليبيا دون الحصول على موافقة أنقرة.
كما رأى إردوغان أن منطقة السيادة البحرية لتركيا «ارتفعت إلى أعلى المستويات عبر مذكرة التفاهم مع ليبيا، قبل إعلان اليونان منطقة سيادتها البحرية من جانب واحد، ودخولها حيز التنفيذ من أجل حصرنا بين حدود شمال قبرص والمياه الإقليمية لتركيا».
وفي اليونان، وفي هجوم دبلوماسي مضاد، تجلى في إرسال رسالتين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، شرعت أثينا في محاولة تعطيل الاتفاقية البحرية التركية - الليبية، وأدانتها بقوة باعتبارها غير صالحة، وطالبت مجلس الأمن بـ«دعوة تركيا وليبيا إلى الامتناع عن أي عمل من شأنه أن ينتهك الحقوق السيادية» لليونان وقبرص.
وقالت الحكومة اليونانية، أمس، إن الاتفاق البحري بين ليبيا وتركيا باطل، لأنه «جرى التفاوض عليه بسوء نية»، موضحة أنه يمثل تهديداً للاستقرار الإقليمي، وأنها أحالت إلى الأمم المتحدة اعتراضاتها بشأن هذا الاتفاق، كما شددت على ضرورة وضع إطار عمل يتعلق بعقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي على تركيا وليبيا.
ووفقاً للمتحدث الرسمي باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بيتاس، فقد أرسل الممثل الدائم لليونان لدى الأمم المتحدة، بناءً على تعليمات من وزير الخارجية بشأن موضوع «الاتفاق» التركي - الليبيـ، رسالتين: الأولى موجهة إلى رئاسة مجلس الأمن، والأخرى إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وقد أشارت الرسالة الأولى إلى أن الاتفاقية التركية - الليبية «أُبرمت بسوء نية وتنتهك قانون البحار»، على اعتبار أن المناطق البحرية في تركيا وليبيا ليست متجاورة، ولا توجد حدود بحرية مشتركة بين الدولتين. كما أن الاتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار الجزر اليونانية، وحقها في إنشاء مناطق بحرية (الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة).
أما في الرسالة الثانية فقد أكدت اليونان أن اليونان «ترفض هذا الاتفاق باعتباره غير صالح، ويمس الحقوق السيادية اليونانية، كما أنه يقوض السلام والأمن في المنطقة».
وأشار المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليونانية إلى قيام وزير الخارجية بعرض الحجج اليونانية أمام مجلس الشؤون الخارجية الأوروبية، عارضاً حجم الانتهاكات التركية في بحر إيجة، وقبرص وشرق البحر المتوسط. وقال إنه دعا إلى «الإدانة الصريحة لهذا الاتفاق، وعمل إطار يتعلق بعقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي على تركيا وليبيا، إذا لم تمتثل أنقره وحكومة طرابلس للقانون الدولي، وبالطبع كان هناك دعم واضح من مجلس الشؤون الخارجية الأوروبية لليونان وقبرص».
ووفقاً لبيتاس، فإن وزير الخارجية نيكوس ديندياس، أكد أن اليونان ستفعل «كل ما يتطلبه الأمر للدفاع عن سيادتها وحقوقها السيادية»، في حين أن رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس سيثير القضية في القمة الأوروبية يومي الخميس والجمعة المقبلين.
من جانبه، أوضح الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس أمس، أن الاتفاق الأخير بين تركيا وحكومة «الوفاق» الليبية حول الحدود البحرية يعد باطلاً بسبب ما وصفه بـ«مشكلة في مسألة الشرعية لدى الأخيرة». وقال بافلوبولوس، عقب اجتماعه مع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في أثينا، إن هذا الاتفاق «يعد باطلاً من الناحية القانونية والدستورية».
من جهته، قال الاتحاد الأوروبي، أمس، إنه من المنتظر أن يرفض في بيانه الختامي، المنتظر صدوره عن القمة الأوروبية المقررة غداً في بروكسل، الاتفاق الذي أبرمته تركيا مع ليبيا بشأن مناطق النفوذ في البحر المتوسط، وذلك حسب مسودة البيان الذي حصلت وكالة الأنباء الألمانية على نسخة منها. لكنه قال إنه «لا يوجد سقف زمني للانتهاء من دراسة وتحليل مذكرة التفاهم، التي وقّعتها تركيا وليبيا»، والتي أثارت انتقادات إقليمية ودولية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».