القاهرة والغردقة ضمن أفضل 100 مدينة سياحية في العالم

مدينة القاهرة تحتل المركز  الـ42 في تصنيف «يورو مونيتور» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مدينة القاهرة تحتل المركز الـ42 في تصنيف «يورو مونيتور» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

القاهرة والغردقة ضمن أفضل 100 مدينة سياحية في العالم

مدينة القاهرة تحتل المركز  الـ42 في تصنيف «يورو مونيتور» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مدينة القاهرة تحتل المركز الـ42 في تصنيف «يورو مونيتور» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

اختارت «مؤسسة يورو مونيتور العالمية» المتخصصة في دراسة الأسواق السياحية وتحليلها، مدينتي القاهرة والغردقة، ضمن أفضل 100 مدينة سياحية في العالم، وفقاً لدراسة حديثة شملت أكثر من 400 مدينة عالمية، على أساس أعداد السائحين الوافدين خلال عام 2018، حسب ما أعلنت عنه أمس وزارة السياحة المصرية.
وأفاد تقرير «يورو مونيتور» بأن أفضل 100 مدينة سياحية جرى اختيارها تتميز بتفوقها المستمر في زيادة أعداد السائحين الوافدين إليها من مختلف دول العالم؛ حيث تصبح السياحة حافزاً للابتكار، بالإضافة إلى كونها محركاً للتقدم الاجتماعي والاقتصادي. وأشار إلى أن المدن تُعتبر مدخلاً إلى الاقتصاديات؛ حيث يؤدي التطور المستمر للمدن إلى تغيير طريقة تفاعل السائحين مع المدن وتجربتها.
من جهتها، أشادت وزيرة السياحة المصرية، الدكتورة رانيا المشاط، باختيار مدينتي القاهرة والغردقة ضمن أفضل 100 مدينة سياحية على مستوى العالم في عام 2019، وفقاً لـ«يورو مونيتور» العالمية. وقالت في بيان صحافي أمس: «إن ما ورد في التقرير يأتي ضمن سلسلة الإشادات الدولية التي حظيت بها السياحة المصرية في الآونة الأخيرة»، وأوضحت أن «ذلك يعكس تغير نظرة العالم للسياحة المصرية، بتدشين وتنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي لتطوير قطاع السياحة الذي يعتبر الركيزة الأساسية لنجاح ونمو القطاع».
وأكدت المشاط أن «هذا الاختيار يتماشى مع خطة وزارة السياحة للترويج لكل مدينة أو منطقة سياحية على حدة، والعمل على إبراز المقومات السياحية التي تتميز بها».
ووفقاً لتقرير «يورو مونيتور» فقد حصلت القاهرة على المركز 42 في هذا التصنيف، متقدمة بذلك خمسة مراكز عن الفترة ما بين 2013 و2018، كما حصلت على رابع أفضل مقصد سياحي على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، متقدمة بذلك 18 مركزاً عن الفترة من 2013 إلى 2018. وقد أرجع التقرير هذا النجاح لعدد من الأسباب، منها التحول الكبير الذي شهدته مصر في عام 2018 لاستعادة مكانتها في المشهد السياحي في المنطقة؛ حيث جذبت الإصلاحات الاقتصادية الواسعة الاستثمار الأجنبي في السياحة والسفر، كما أثر تحرير سعر الصرف إيجابياً على السائحين، هذا إلى جانب تطوير استراتيجية السياحة المصرية، مع التركيز على الأسواق السياحية الجديدة، واستعادة ثقة الأسواق مرة أخرى عن طريق رفع حظر السفر؛ وتسهيل الاستثمار في الموارد البشرية، هذا بالإضافة إلى حملات التسويق الجذابة، واستخدام الوسائط الاجتماعية كأحد عوامل النجاح الرئيسية. وشهدت المدينة استثمارات قوية في البنية التحتية، وترميم المواقع التاريخية، هذا إلى جانب التطورات التي يشهدها مطار القاهرة الدولي، ومحطة المترو، ونجاح تنظيم كأس الأمم الأفريقية، وفق التقرير.
ويتوقع ناجي عريان، عضو اتحاد الغرف السياحية المصرية، أن يساهم تقرير مؤسسة «يورو مونيتور» في اجتذاب مزيد من الأسواق السياحية الجديدة، على غرار دول شرق أوروبا، بجانب الحصول على نسبة أكبر من الوفود السياحية الصينية ذات الأعداد الكبيرة.
ويقول عريان لـ«الشرق الأوسط»: «نسبة إقبال السائحين على المواقع الثقافية العام الجاري جيدة جداً، وهي مؤشر مهم كذلك لقياس زيادة نسبة السياحة الرياضية والشاطئية والسفاري وغيرها، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى تعافي السياحة في مصر وعودتها إلى ما قبل اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011».
كما ذكر تقرير يورو مونيتور أن الغردقة قد استطاعت الوصول إلى قائمة أفضل 100 مدينة سياحية في العالم هذا العام، بعدما تقدمت بشكل كبير بمقدار 45 مكاناً لتحتل المرتبة 82، وعزا ذلك إلى تحسين البنية التحتية، مثل تجديد المبنى 2 في المطار الدولي، والاستثمار في قطاع الفنادق، كما أنه من المتوقع أن تشهد المدينة نمواً يزيد عن 41 في المائة خلال عام 2019، مما سيؤدي إلى ارتفاع تصنيفها.
وأشار التقرير إلى أن الغردقة تتمتع بشعبية بين السائحين الأوروبيين لممارسة الرياضات المائية والحياة الليلية والترفيه، كما أنها تُعتبر أيضاً الأكثر أماناً؛ خصوصاً بين سائحي روسيا وألمانيا وبولندا.
وتستعد مصر لافتتاح «متحف الغردقة» في محافظة البحر الأحمر (450 كيلومتراً جنوب شرقي القاهرة)، في نهاية العام الحالي، بعد الانتهاء من كل التجهيزات الفنية والأثرية والهندسية به. ويعرض المتحف قطعاً تجسد وسائل الراحة في المنازل، وأثاثها، وأدوات الزينة التي استخدمها المصري القديم، من زينة شعر وملابس وكريمات وعطور وإكسسوارات. وأكد التقرير أنه مع استمرار استقرار الوضع السياسي والأمني، واستمرار مصر في تعزيز السياحة وتنميتها، فمن المتوقع أن تصبح الغردقة ضمن أفضل 50 مدينة في السنوات المقبلة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)