الامتحان الحقيقي لمجلس التعاون... مهارة التعامل رغم أزمة قطر

تجاوز التحديات لتستمر أعماله... لا تأخير في القمم أو عمل اللجان

الامتحان الحقيقي لمجلس التعاون... مهارة التعامل رغم أزمة قطر
TT

الامتحان الحقيقي لمجلس التعاون... مهارة التعامل رغم أزمة قطر

الامتحان الحقيقي لمجلس التعاون... مهارة التعامل رغم أزمة قطر

هذا الأسبوع يعتبر أسبوعا خليجيا بامتياز، كونه تعقد فيه القمة الخليجية لدورتها الأربعين في ظل ظروف استثنائية، كونه منذ تأسيسه عام 1981 وهو عام تأسيس وتبلور فكرة مجلس التعاون، كانت حينها التحديات الأمنية الأبرز في ملفات القادة، حين تولدت الفكرة بإجماع في مايو (أيار) ذلك العام.
وتعتبر الرياض، العاصمة السعودية مقرا لأمانة مجلس التعاون، لكنها على الدوام أرض حلول الخليج والعرب، اليوم تحل قمة الخليج باجتماع المجلس الأعلى الذي يحضره كما هو معتاد القادة في ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، وسبقتها أخبار متنوعة وأنباء عديدة عن مصالحة بحضور أمير قطر الذي غاب عن القمم منذ قمة الكويت قبل عامين بعد أشهر من إعلان مقاطعة ثلاثية خليجية وأخرى عربية تمثلها مصر.
تتداول الدول الخليجية أن «الحل في الرياض» وهو الأساس حين كانت أزمة سحب السفراء في 2013 قبل أن ينهيها «اتفاق الرياض» والاتفاق التكميلي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. كان فيها تجاوب الدوحة مع متطلبات ذلك الاتفاق.
أسس المقاطعة في 2017 واضحة، وكانت بارزة ومعروفة عند كل بيت خليجي، في وقت استمرت فيه أمانة المجلس الخليجي في انعقاد معظم ملفاتها وبحضور متنوع للوزراء في شؤون عديدة، بل وكانت المشاركات الخليجية بصيغة المجلس حاضرة في الاجتماعات الدولية بصف واحد، وهو ما يؤكد أن الأزمة خليجية وبين دول الخليج.
وأعطت «أزمة قطر» أبعادا في استمرار مجلس التعاون رغم الخلافات، وربما حفلت بالدروس، وتعاطت معها مختلف مراكز الدراسات، ومنها مركز «ستراتفور» للأبحاث الأمنية والاستخباراتية في الولايات المتحدة ما قبل المقاطعة وأكد عليها لاحقا، حيث يرى أن المجلس «نجح في تكوين كيان قوي ومثالي على المستوى الأمني» لكن التكامل في صيغة الاتحاد سيكون بعيدا نظرا لفروقات عديدة ومنها المستوى السياسي حيث يبرز الاختلاف بين كل دولة على حدة.
كان تأسيس المجلس لضرورات أمنية في وقت كانت أزمة العراق وإيران بارزة فيما أنتجت لاحقا حرب الخليج الأولى واستمرت لأكثر من ثمانية أعوام، وحينها كان تماسك الخليجيين واضحا رغم بروز الاختلافات لا الخلافات، وهو ما تأكد أنهم يعون كيف يمكنهم أن يتعاطوا مع كل أزمة ناشئة، وربما صدق وصف ما وصفه محللون بأن الخليجيين «أسرة واحدة».
في أزمة قطر، كان هناك استعجال حل في عواصم أوروبية وكذلك الولايات المتحدة، بسبب الظروف الإقليمية المحيطة، مع استمرار تكشف الوجه الإيراني في تفخيخ المنطقة، ودخول دول خارج الخليج في وضع حضور لها داخل المنطقة ومنها تركيا التي استغلت الأزمة لتكوين حضور لها في قطر، ومع أن الرؤية الغربية أن الحل في الأزمة ينبغي أن يكون سريعا لأن المجلس عليه أن يبقى متماسكا لسياقات عديدة، لكن الخليجيين يعون كيف يديرون ملفاتهم رغم خلافاتهم وحتى اختلافاتهم التي تجد هامشا معقولا في كينونة هذه الأسرة الخليجية.
لكن ربما يبرز التساؤل على كل لسان خليجي، كيف يمكن للمجلس والخليجيين أن يستمروا في عقد لقاءاتهم رغم أزمة مقاطعة دولة خليجية، ولو كان الحق مع الدول المقاطعة؟ تستمر الدول الخليجية في لقاءاتها، متحدية كل التحديات، ولو كان الرهان على القادة وأدوارهم في تحقيق تقدم لشعوبهم الذين يعولون على المجلس، يتحدث المحلل السياسي الكويتي، عودة الساير، أن «بالعامين الأخيرين في تاريخ المجلس لم يتوقف العمل لكنه أصابه نوع من الشلل»، مشيرا إلى حديث أمير الكويت الشيخ صباح في أولى قمم المجلس بعد أشهر من المقاطعة وتحذيره من انهيار البيت الخليجي.
ويضيف الساير في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن التحديات في المجلس واضحة ومعروفة، مشيرا إلى التحديات الأمنية وتهديدات إيران للمنطقة وما هو أبعد على المستوى الاستراتيجي، مشيرا: «لكن ذلك لم يمنع الخليجيين من التعامل بمهارة» وفق حديثه من خلال لقاءاتهم وبحضور دولة قطر فيه، ونحن نعرف أهمية المجلس في المنطقة وكيف يمكنه إدارة ملفاته وحاجة المجتمع الدولي للتعامل مع المجلس بصيغة جماعية.
وعن مدى أهمية صيانة المجلس وترميم وحدته على الأقل من منظور استراتيجي، يشير أن المجلس نجح في بلورة صور وحدوية ومن المهم مراجعة بعض بنوده وصناعة التقييم لكثير من الأعمال خاصة ما يتعلق فيه بالهوامش والعلاقات الخارجية. هناك مرونة في التعامل مع الخلافات في ضوء سياق الأحداث، ولعل قمة «مكة» الخليجية الاستثنائية كانت أبرزها، حيث حضر ثاني أعلى شخص بصفة رسمية من دولة قطر وهو الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري، في اجتماع القادة مع قمتين عربية وإسلامية أواخر مايو (أيار) الماضي، أدان اجتماع الخليج الهجمات الحوثية على الأراضي السعودية، كذلك الاعتداءات على سفن تجارية في المياه الإقليمية قبالة السواحل الإماراتية. ورغم أن قطر استمرت في الهروب إلى الأمام، من ممارسات تضاد أي طرح لفكرة دفع المصالحة التي يقودها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح؛ إلا أن الباب ظل مفتوحا في تحقيق أمر المصالحة، وهو ما لم تنفه الدوحة عما تناولته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن زيارة أداها وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى السعودية وعرضه «التخلي عن الإخوان المسلمين»، لكنه أدلى بتصريحات قبل أيام كشف فيها إجراء مباحثات مع السعودية مؤملا وفق حديثه «أن تؤدي إلى نتائج إيجابية».
في الخليج خلال عامين استمر عمل المجلس ومنها مشاريع «الإنتربول الخليجي» الذي يتخذ من أبوظبي مقرا له، كذلك استمرار التمارين العسكرية المشتركة تحت مظلة قوات درع الجزيرة التي تأسست في العام 1984 أي بعد عامين من تأسيس المجلس ككيان ذي هيكلة رسمية، واستمرار عمل السوق المشتركة، واستمرارية التعاون وفق ما هو معمول به في أربعين عاما، ولو ظل التساؤل بين شعوب الخليجيين ما التالي؟ لكن الخليجيين القادة أخذوا حضورا كبيرا في تعزيز تماسك المجلس في بياناتهم رغم كل العواصف.
كل تلك المعطيات تعطي أفق التساؤلات، لكن الإجابات تعطي واقعية السياسة، ويبقى الملف الأبرز إعلاميا وشعبيا ملف الأزمة مع قطر، بينما تظل السحابة الأكبر تلوح في الأفق من مهددات أمنية واستراتيجية.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».