تواصل محاكمة «رجال بوتفليقة» بمواجهات بين رجال أعمال

استدعاء شقيق الرئيس السابق لاستجوابه في قضية تمويل انتخابات الرئاسة الملغاة

جزائريون يشاهدون المحاكمة على شاشات التلفزيون (رويترز)
جزائريون يشاهدون المحاكمة على شاشات التلفزيون (رويترز)
TT

تواصل محاكمة «رجال بوتفليقة» بمواجهات بين رجال أعمال

جزائريون يشاهدون المحاكمة على شاشات التلفزيون (رويترز)
جزائريون يشاهدون المحاكمة على شاشات التلفزيون (رويترز)

أكد رجال الأعمال الذين يحاكمهم القضاء الجزائري، حالياً، أنهم كانوا يتلقون الأوامر من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بخصوص جمع أموال حملة «الولاية الخامسة» التي أسقطها الحراك الشعبي في فبراير (شباط) الماضي، والتي قدرت بملايين الدولارات. وبدا للقاضي أن المعلومات عن «كنز الحملة» توجد عند السعيد أساساً، فأمر بإحضاره من سجنه العسكري لسماع أقواله.
ونظمت محكمة الجنح بالعاصمة، التي تحاكم رجال بوتفليقة منذ قرابة أسبوع، أمس، مواجهات بين رجال أعمال في السجن، وآخرين استدعتهم كطرف مدني (ضحايا) للحديث عن إقصائهم من مشروعات مرتبطة بتركيب السيارات، مقابل منحها لمنافسين مقربين من «جماعة الرئيس بوتفليقة»، وتحديداً شقيقه وكبير مستشاريه سابقاً، الذي يقضي عقوبة 15 سنة سجناً، إثر اتهامه من طرف القضاء العسكري بـ«التآمر على سلطة الدولة» و«التآمر على الجيش».
وذكر رجل الأعمال علي حداد، الذي ألقي القبض عليه في أبريل (نيسان) الماضي، وهو بصدد الفرار إلى تونس عبر الحدود البرية، أن السعيد طلب منه جمع المال، وتسليمه لعبد المالك سلال، مدير حملة بوتفليقة في انتخابات 18 أبريل (نيسان) التي ألغيت، وأكد أنه كلّفه أيضاً بتسلم هبات من عدة رجال أعمال لتمويل الحملة، وأنه احتفظ بمبلغ ضخم في مكتبه بشركة المقاولات الكبيرة التي يملكها.
وكان سلال رئيساً للوزراء بين 2012 و2017. وقد تم سجنه القضاء بتهم فساد، رد عليها في اليومين الأخيرين أمام المحكمة نفسها. كما يوجد رئيس وزراء آخر في السجن، هو عبد المالك سلال، الذي جرت مساءلته الأسبوع الماضي حول الوقائع نفسها، إضافة إلى عدة وزراء.
وركز القاضي أسئلته لحداد حول شبهة غسل الأموال بشأن النفقات الضخمة على ترتيبات الحملة الانتخابية. وهو ما نفاه المتهم، مؤكداً أن السعيد بوتفليقة كان هو الآمر الناهي في كل ما يتعلق بأموال الولاية الخامسة.
أما عمر ربراب، وهو مسير مجموعة اقتصادية ومالك شركة لبيع سيارات أجنبية سابقاً، فقد كشف أن مراد عولمي، وهو رجل أعمال ومالك مؤسسة لتركيب سيارات ألمانية، أهدى وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب إقامة فاخرة بحي حيدرة الراقي بالعاصمة، مقابل أن يحصل منه على رخصة تسمح له بالعمل في مجال تركيب السيارات. وذكر ربراب أن بوشوارب حرم شركته من الاستثمار في هذا المجال.
يشار إلى أن والد عمر، الملياردير يسعد ربراب، مسجون منذ عدة شهور بسبب نزاع تجاري مع الجمارك. ورفض بوشوارب المقيم بفرنسا العودة إلى البلاد للمحاكمة. وقال مقرب منه، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد التقيته بباريس الأسبوع الماضي، وأكد لي أنه يعلم بأن إدانته بالسجن جاهزة قبل المحاكمة، وأنه ضحية صراع رجال السلطة».
وعلى أثر «القصف المركّز» على السعيد بوتفليقة من جانب عدد من رجال الأعمال، قدر القاضي أن الوصول إلى الحقيقة فيما يعرف بـ«التمويل الخفي لحملة بوتفليقة»، يتطلب سماعه شخصياً في القضية. فرفع الجلسة مؤقتاً، وأمر بجلبه من السجن العسكري، الذي يقع بالقرب من العاصمة.
يشار إلى أن الحكم الذي صدر بحق السعيد كان ذاته ضد مديري المخابرات سابقاً، اللواء محمد مدين واللواء بشير طرطاق، ومرشحة «رئاسية» 2014 لويزة حنون، وبناء على التهم نفسها.
في غضون ذلك، انطلقت أمس بالخارج عملية التصويت في أوساط المهاجرين الجزائريين. وأظهرت صور فيديو، نشرها بعضهم في فرنسا، على حساباتهم بـ«فيسبوك» ملاسنات حادة عند مدخل قنصليات، بين مؤيدين ورافضين للاستحقاق. وبحسب تقارير مراسلي صحف جزائرية بفرنسا، فقد كان الإقبال ضعيفاً على صناديق الاقتراع في الفترة الصباحية.
تجدر الإشارة إلى أنه يعيش بفرنسا نحو 700 ألف جزائري، وعددهم في بقية دول العالم يفوق 4 ملايين، أقل من نصف العدد يحق لهم الانتخاب.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.