جماليات الأثر والشغف بالمكان... قصصياً

يحيي مختار يستعيد روح النوبة في «إندو ماندو»

جماليات الأثر والشغف بالمكان... قصصياً
TT

جماليات الأثر والشغف بالمكان... قصصياً

جماليات الأثر والشغف بالمكان... قصصياً

تشكل جماليات الأثر والشغف بالمكان هاجساً محورياً في المجموعة القصصية «إندو ماندو»، للكاتب الروائي يحيي مختار. كما يأتي العنوان نفسه كعلامة نصية على هذا الهاجس، فهو يعني بالنوبية «هنا وهناك»، كاشفاً ما لحق بالنوبيين جراء موجات التهجير التي باعدت بينهم، وانتزعتهم قسراً من أرضهم وبيوتهم الحاضنة لوجودهم، ليعيشوا غربة مزدوجة بين الداخل والخارج، مشتتين بين ذواتهم وأحلامهم التي حملوها معهم في المهجر، ومعاناتهم في التأقلم والتكيف مع نمط حياة لم يعتادوها، وإحساسهم بأنهم أصبحوا غرباء حتى عن أنفسهم.
فمن تتبع المكان والشغف بروحه، وتتبع الأثر واستجلاء جمالياته وأسراره ورموزه في المكان نفسه، تجدل المجموعة بقصصها الأربع أيقونة جمالية أصبحت مفتقدة، تنعكس ظلالها على السرد، وتشكل بؤرة إيقاعه وحركته المنسابة بين دفتي الماضي والحاضر، بينما تبرز رمزية النهر (نهر النيل) كعلامة قطع ووصل بين الحياتين القديمة والجديدة، في ظل جدل حي بين الذاكرة وسيكولوجيتها الذاتية الحالمة، وبين النسيان وصراعها معه من أجل الحفاظ على الوجود النوبي وامتداده في الزمان والمكان، حتى ولو ظل وجوداً في الذاكرة. إنها إذن الغربة أو الاغتراب بالروح والبدن أيضاً، محاولة لترميم كينونة أصبحت مشققة مشروخة... أن تعيش زمناً وواقعاً فرض عليك بالقوة، وحياتك كلها معلقة في زمن آخر بالفعل... لكن ماذا تملك الذات لتصون وجودها داخل هذه الكينونة سوى الشغف بروح المكان، حتى لو كان مجرد ذكرى وعلامة وأثر غابر وصدى صوت يمر على البال كنسمة حانية.
«ليس الأمر احتمالَ أجساد أو قدرة أرواح، هناك ما يمكن أن يقال عن الاقتراب والاحتراق! إذا أردت أن تجد ما تبحث عنه، فعليك أن تحتضن كل شيء... وإن من يشعر بالظمأ الدائم، سيسعى إلى النهر من تلقاء نفسه»... خلاصة خبرة حياة ووجود تتناثر على لسان إمام مسجد القرية، يقدمها في شكل نصيحة مبطنة بغلالة صوفية وهو يجيب عن سؤال الراوي الحائر المفتون بعبقرية نحت معبدي رمسيس الثاني وزوجته نفرتاني في باطن الجبل بأبي سنبل. وذلك في قصة بعنوان «مشن موليه»، لنكتشف حكاية الجبلين المتفردين بتضاريسهما الاستثنائية، وعلاقتهما برحلة الشمس اليومية، وسر احتضانهما لهذين المعبدين خلفهما حتى اكتسبا كينونة خاصة، وأصبحا يعرفان باسم «سهم الشمس»، وهو الترجمة النوبية لاسم القصة. كما نكتشف أن هذين الجبلين هما امتداد لجبل المقطم في الشمال، في مسيرته نحو الجنوب... «كأنما يوثق الرباط بين الشمال والجنوب، كما وثقه النيل بمجراه وواديه».
يبرز هذا الولع بروح المكان بعين إنسانية أخرى تحاول التجاوز والتخطي لعتبة الزمن القديم، متجسداً في حوار مشبوب على لسان يوسف، الكاتب القاص الشاب المثقف بطل قصة «إندو ماندو» التي وسمت المجموعة، وهي القصة الأطول، حيث تمتد على 44 صفحة من أصل 68 صفحة يضمها الكتاب، وبها طرف من سيرة الكاتب نفسه. يخاطب يوسف زوجته مريم (الفنانة التشكيلية) في محاولة للتخفيف عنها من وطأة الشغف بالمكان والحنين الدائم إليه، لكنها رغم حرصها الشديد على أن يكون بيتهما «الكوني» الجديد في أرض الألج، شمال شرقي القاهرة، صورة طبق الأصل من بيتهما الغابر في قريتها النوبية، تظل مؤرقة تدور في فلك وجود ناتئ، تبحث فيه عن ما تسميه النسيان المستحيل، مدركة -كما يورد الكاتب السارد- أن «استمرارها في الحياة كإنسانة، وبقاء وتماسك قوام حياتها واتساقه حتى لا يتفتت وجودها... ضمان ذلك في التذكر، لا في النسيان»، وهي لا تعبأ كثيراً بمقولات يوسف التي يرددها عن النسيان، مؤكدة أنه غارق في ذكرياته، وأحياناً ينادي -ويكاد يصرخ- أن «دوره الأساسي فيما يكتب ألا ينسى الأهل قراهم القديمة وموطنهم وتربة وجودهم، لكنها مع ذلك تنصت إليه بعقلها، أما قلبها الذي يحبه فلا يزال يخفق بذكرياتهما هناك في بيت العائلة والأجداد... «لا نملك شيئاً إزاء صيرورة الحياة وتبدلها... لِم لا تحاولين النسيان؟! حقيقة أحدثك كثيراً عن ذلك، ولكن حاولي من جانبك. معرفتنا القديمة لحياتنا السابقة، لحياتنا هناك، يجب أن ترافقها قدرة مساوية على نسيانها... ينبغي أن يكون هناك تجاوز لتلك المعرفة... أعرف أن ذلك صعب، ولكني أعلم أن هذا هو الثمن الذي يجب سداده لجعل مجموعة رسوماتك ولوحاتك نوعاً من البداية الخاصة».
وعبر ضمائر السرد المتراوحة الشجية بين الحاضر والغائب، بين المفرد والجمع والمخاطب، يتناثر صراع النوبي مع الذاكرة والنسيان في المجموعة بصور وأنساق فنية مختلفة، ويتكثف حين يغادر منطقة المشاعر والأحلام العابرة، ليصبح صراع هوية ووجود، وهو ما يطالعنا على نحو لافت في قصة «الكرج»، وهو طبق فاكهة مصنوع من خوص النخيل، حوافه مبطنة بنوع خاص من الجلود، تصنعه أخت البطل هدية في يوم زفافه، فيحمله معه في موطنه الجديد بالمهجر... لا يقبع الطبق على رف مكتبة البطل قطعة «أنتيك» نادرة، وإنما يتحول إلى علامة هوية ووجود في المكان، يؤنسنه البطل ويتبادل معه الحوار، كأنه روح تحمل في وعائها صوراً لذكريات ومشاهد وأحلام حميمة تتجدد طقوسها كصيرورة حارة دافئة... «كان طبقاً شهياً قطع حوض الدار مئات المرات محمولاً على الأيدي التي تداولته حاوياً البلح والفشار تحية للضيوف، عابراً من المندرة إلى الديواني، ومن أمام الجوسية الذي يحوي خزين بلح العام، ليقطع رحلة أخرى إلى المصطبة خارج الدار، ليعود إلى المندرة».
ويبلغ صراع الهوية ذروته في حوار البطل مع ابنه الذي يرمز لطبيعة الجيل الجديد غير المكترث بتراث الأجداد وأصلهم ولغتهم، بل يضجر الابن من ذلك، فلا يملك الأب حفاظاً على ما تبقى من هويته في رمزية الطبق إلا أن يسلمه لرئيس جمعية التراث النوبي، ليبقى مع أقرانه من مقتنيات الجمعية شاهداً على عراقة هذا التراث.
ومن ثم، لا يتسم فضاء المجموعة بأنه طقس نوبي دافق، وترنيمة حياة منغلقة على نفسها سردياً، إنما يمتد في التاريخ والجغرافيا عبر رحابة إنسانية ومعرفية، لذلك يبرز الوصف كإحدى مناطق الجدارة الفنية في المجموعة، فرغم أنه وصف لا يخلو من نزعة توثيقية، فإنه مشغول دائماً بالمخزون البصري للمكان، يستحضره ويستجلي رموزه وأسراره، كأنه صورة حية نابضة في الذاكرة والوجدان.
ينهض الوصف على آلية البصر والبصيرة، في استرجاع المشاهد والصور وملامح البيئة، ليس فقط بقوة الذاكرة، وإنما بقوة معايشتها كحلم دائم التجوال في الزمن والتاريخ... يطالعنا ذلك في وصف تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني (ص67) وكأنه لوحة بصرية ساحرة. كما يمتد الوصف إلى تجسيد الشخصية النوبية، وما تتميز به من البساطة والألفة والتسامح وعشق الحياة ومواجهة ما يهددها من مخاوف ومخاطر... يطالعنا ذلك في قصة «شج فرن»، أو «ممر السيف» بالنوبية، الذي يربط بين قريتين في حضن الجبل، وكيف يتحول البطل من مجرد شاب يسبق أقرانه في الوصول إلى الممر، إلى ما يشبه البطل الشعبي بعد قتله التمساح الضخم الذي تحدى كل رصاصات غفير القرية، وظل يخيف الناس متخذاً من الرمال في نهاية الممر مكاناً لقيلولته المطمئنة، لكن التمساح يصرعه وتغوص جثته في النهر... لنصبح إزاء جدلية سردية شديدة التميز والثراء الدلالي، حيث تمتزج الشجاعة بمعنى التضحية، وتتكثف في التخمين بأن الجثة عبرت من القرية الأم مروراً بالقرى المجاورة حتى خزان أسوان الذي تسببت مشاريع تعليته في تهجير النوبيين، لتتحول مغامرة قتل التمساح إلى أنشودة استثنائية لبطولة تشارف الأسطورة... «توقعوا ظهوره عند قرى الشمال، فأقاموا الراصدين على طول الشاطئ ولم يظهر، توقعوا وصوله لبوابات الخزان في أسوان إذا لم يأكله السمك أو تنهش الحدآن جثته، وانتظروه عبثاً... طالت أيام وليالي الانتظار، حتى أيقنوا أنه ذاب وتلاشي بين (الجنينة والشباك) وخزان أسوان».
ومن ثم، فـ«إندو ماندو» ليست فقط مجموعة قصصية شيقة متميزة، إنما هي صيحة وجود سيظل من أجمل النوافذ للإطلالة على التراث المصري بثرائه وتنوعه الحضاري العريق.



حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
TT

حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)

جدد حبس المطرب المصري سعد الصغير الحديث عن وقائع مشابهة لسقوط فنانين في «فخ المخدرات»، وكانت محكمة جنايات القاهرة قضت، الاثنين، بالحكم على الصغير بالسجن المشدد 3 سنوات، وتغريمه 30 ألف جنيه (الدولار يساوي 49.65 جنيه مصري).

الحكم بسجن سعد الصغير وتغريمه جاء على خلفية اتهامه بحيازة «سجائر إلكترونية» تحتوي على مخدر «الماريوانا»، بعد تفتيش حقائبه أثناء عودته من أميركا «ترانزيت» عبر أحد المطارات العربية، عقب إحياء حفلات غنائية عدة هناك.

وكشف الصغير خلال التحقيقات التي جرت أمام الجهات المختصة بمصر، أنه لم يكن على دراية بأن المادة الموجودة في «السجائر الإلكترونية» ضمن المواد المحظور تداولها، مؤكداً أنها للاستخدام الشخصي وليس بهدف الاتجار، وأرجع الأمر لعدم إجادته اللغة الإنجليزية.

الفنانة المصرية برلنتي فؤاد التي حضرت جلسة الحكم، على الصغير، أكدت أن الحكم ليس نهائياً وسيقوم محامي الأسرة بإجراءات الاستئناف، كما أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «حالة سعد النفسية ليست على ما يرام»، لافتة إلى أنه «بكى بشدة خلف القضبان بعد النطق بالحكم، كما أنه يعيش في توتر شديد نتيجة القضية».

وقبل سعد الصغير وقع عدد من الفنانين في «فخ المخدرات»، من بينهم الفنانة دينا الشربيني، التي تعرضت للسجن سنة مع الشغل وغرامة 10 آلاف جنيه لإدانتها بتعاطي «مواد مخدرة».

الفنان أحمد عزمي (حسابه على «فيسبوك»)

وكذلك الفنان المصري أحمد عزمي الذي تم القبض عليه مرتين ومعاقبته بالحبس في المرة الثانية بالسجن 6 أشهر، بينما أعلن مقربون من الفنانة شيرين عبد الوهاب وقوعها في الفخ نفسه، مما جعلها تختفي عن الأنظار حتى تتعافى، كما أن طبيبها المعالج طالب جمهورها بدعمها. وحُكم على الفنانة منة شلبي بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ وتغريمها 10 آلاف جنيه، في مايو (أيار) الماضي، في قضية اتهامها بـ«إحراز جوهر الحشيش بقصد التعاطي في أماكن غير مصرح لها باستخدامها».

وقبل أشهر قضت محكمة الاستئناف بمصر بقبول معارضة الفنان المصري أحمد جلال عبد القوي وتخفيف عقوبة حبسه إلى 6 أشهر بدلاً من سنة مع الشغل وتغريمه 10 آلاف جنيه، بتهمة حيازة مواد مخدرة بغرض التعاطي.

«ليس كل مشهور مدمناً»

من جانبها، أوضحت الاستشارية النفسية السورية لمى الصفدي أسباب وقوع بعض المشاهير في «فخ المخدرات» من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وأثره على المستوى المهني.

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «التعميم على جميع المشاهير أمر خاطئ، فليس كل مشهور مدمناً أو خاض تجربة الإدمان»، موضحة أن «ذلك ينطبق أحياناً على بعض الفئات التي حصلت على الشهرة والمال والمعجبين لكنهم في الوقت نفسه يطالبون بامتيازات أكثر».

وأشارت إلى أن «الفكرة تكمن في أن المخدرات ربما تساهم بطريقة أو بأخرى في زيادة مستويات هرمون (الدوبامين) الخاص بالسعادة، وهذا جزء نفسي يدفع البعض للسقوط في فخ المخدرات».

الفنانة منة شلبي (حسابها على «فيسبوك»)

وتستكمل الصفدي: «ربما الوقوع في هذا الفخ نتيجة رفاهية أكثر أو البحث عن المزيد والسعي للمجهول أو الأشياء المتوفرة عن طريق السفر أو الوضع المادي».

واختتمت الصفدي كلامها قائلة إن «هذا الأمر لا يخص الفنانين وحدهم، لكنه يتعلق أيضاً بالكثير من المهن والتخصصات، لكن المشاهير يتم تسليط الضوء عليهم أكثر من غيرهم».