ماريان خوري: تمنيت لو شاهد يوسف شاهين عرض «احكيلي»

فيلمها تُوّج بجائزة الجمهور في «القاهرة السينمائي»

لقطتان من فيلم «احكيلي»
لقطتان من فيلم «احكيلي»
TT

ماريان خوري: تمنيت لو شاهد يوسف شاهين عرض «احكيلي»

لقطتان من فيلم «احكيلي»
لقطتان من فيلم «احكيلي»

نال الفيلم المصري «احكيلي» جائزة الجمهور بمهرجان القاهرة السينمائي خلال دورته الـ41 التي انقضت مؤخراً، ورغم أنه فيلم وثائقي، فإن محمد حفظي، رئيس المهرجان، ضمه ليمثل مصر في المسابقة الدولية. الفيلم للمخرجة والمنتجة ماريان خوري، ابنة شقيقة المخرج الكبير يوسف شاهين، والتي عملت طويلاً منتجاً منفذاً لأفلامه، ومنها «وداعا بونابرت»، «اليوم السادس»، «إسكندرية كمان وكمان»، كما أخرجت ثلاثة أفلام وثائقية هي «زمن لورا»، «عاشقات السينما»، و«ظلال».
لأول وهلة يبدو «احكيلي» فيلماً عائلياً تتناول فيه المخرجة تاريخ عائلتها التي نزحت من لبنان واستقرت بالإسكندرية والقاهرة، ولا سيما أنها عائلة لأكبر مخرجي السينما العربية، تحاور المخرجة ابنتها في حديث عادي سرعان ما يتطور ليلامس قضايا إنسانية يتجاوز الخاص إلى العام، ويفتح الباب لمساحة كبيرة من البوح تتحدث فيه المخرجة عن زواجها وإنجابها ومرضها، ويظهر لقطات وأحاديث للراحل يوسف شاهين وهو بين أسرته في احتفالاتهم.
فرحة كبيرة غلفت حديث ماريان خوري لـ«الشرق الأوسط» أرجعتها لأكثر من سبب، مؤكدة أن الجائزة في حد ذاتها مصدر سعادة؛ إذ جاءت باستفتاء الجمهور، كما أنها تحمل اسم السينمائي الراحل يوسف شريف رزق الله، الذي قالت إنه «أول من علمها كيفية وضع برنامج بانوراما الفيلم الأوروبي في دورتها الأولى عام 2004»، وأشارت خوري إلى أنها «فوجئت بردود أفعال قوية عند عرض الفيلم... وأنه لم يكن هناك مكان خالٍ بالمسرح، في حضور عدد كبير من نجوم الفن والسينمائيين العرب».
اختيار الفيلم في المسابقة الدولية وصفته المخرجة بجرأة من رئيس المهرجان محمد حفظي، مشيرة إلى حرصها على عرضه الأول بالقاهرة. وأوضحت «كان لدى فرصة لعرضه في مهرجانات أخرى، لكني فضلت القاهرة، وكنت حريصة على ذلك مثلما كنت حريصة على أن يكون الفيلم من تمويلي بالكامل، وقد أخطأوا في كتالوج المهرجان وكتبوا أنه مصري – فرنسي، وهذا غير صحيح».
مشاهد الفيلم تجمع بين المخرجة وابنتها سارة التي تدرس السينما في كوبا والتي ظهرت بتلقائية ممثلة محترفة، تقول ماريان عنها «سارة تمثل في الأفلام التجريبية في دراستها، واختارت كوبا لأنها بعيدة عن التكنيك، لكنها تركز على إتاحة الفرصة للطلبة للتفكر في بناء الفيلم».
تبدو الكاميرا حاضرة بقوة في تفاصيل حياة العائلة خلال مراحل زمنية مختلفة «بعضها بالأبيض وأسود»، وعن ذلك تقول خوري «اعتدت تسجيل كل اللحظات في حياتنا، لكن الفيلم دائماً كان في بالي؛ لذا سجلت كل لحظاتنا العائلية».
لا شك أن سيرة يوسف شاهين أضافت ثقلاً وحضوراً مهمين بالفيلم، تقول خوري «شاهين كان يعلم برغبتي في إنجاز هذا الفيلم، وقد صورت لقطاته عام 2004 واحتفظت بها 15 عاماً حتى ظهر للنور، وقد أعطاني أرشيفه الخاص وخطاباته المتبادلة مع جدتي (والدته) خلال دراسته للسينما بأميركا، وشرائط كاسيت تخصه للاستعانة بها في الفيلم، وناقشني فيه كثيراً، وكان طبيعياً أن يكون شاهين حاضراً؛ فهو خالي الأكبر وهو سينمائي كبير، ورغم أنني لم أتعلم السينما منه، لكنه علمني ألا أخاف طالما أنني صادقة، وقد عملت معه منتجاً منفذاً، وكنت أتمنى أن يشاهد شاهين الفيلم في المهرجان... أتوقع أنه كان سيحبه لأنه كان يحب الحقيقة والتناول الصادق».
في «احكيلي» تطرقت خوري لأحداث خاصة تتعلق بزواجها وانفصالها ومرضها، الذي كشفت عنه للمرة الأولى. تقول: «لم يكن باستطاعتي تقديم هذا الفيلم من 30 سنة مثلاً، فلم أكن أمتلك الجرأة، لكنني مع الفيلم هزمت الخوف من إعلان مرضي بالسرطان؛ لأنه سيفيد الكثيرين، وحينما نشاهد تجارب مماثلة تنكسر حدة الخوف».
وحول بناء سيناريو الفيلم، توضح «كان أصعب ما في الفيلم أن يتم بناء كل شخصية على حدة، وأن يتم مزجها معاً، لم أكتب سيناريو بالشكل المعتاد، لكن كنت أكتب ما الذي أريد أن أحكيه فكتبت معالجة، في هذه النوعية من الأفلام لا يمكن وضع سيناريو مسبق».
وأضافت: «أول نسخة صدرت كان الفيلم مدته أربع ساعات، وظللنا نجري المونتاج على مدى عامين، وبذلت المونتيرة بريهان مراد جهداً كبيراً، كنا معاً في كل المراحل، ولم أكن أسمح لأحد بدخول غرفة المونتاج، كان شاهين يفعل ذلك أيضاً، وكنت أندهش لموقفه، لكن اكتشفت أنه كان على حق؛ حتى لا يتأثر بآراء الآخرين قبل انتهاء الفيلم».
تتحدث خوري عن دورة مهرجان القاهرة السينمائي الأخيرة قائلة: «كنت مشغولة بفيلمي؛ فلم أتابع أفلامه، لكني شاهدت الفيلم الوثائقي (أوفسايد الخرطوم) وأعجبتني روحه الجميلة وشخصياته، ولاحظت أن الإقبال كان كبيراً على حضور أفلام مثل (الآيرلندي)، وفيلم المخرج الفلسطيني إيليا سليمان (إن شئت كما في السماء)».
وحول الحراك الذي تشهده السينما العربية، تقول خوري «هناك تطور إيجابي في السينما العربية في السودان والمغرب، وفي السعودية حراك إيجابي مذهل ونقلة كبيرة كان الشباب يتطلع إليها، وأرى أن الإنتاج العربي المشترك بات يمثل ضرورة؛ لأن الإنتاج الأوروبي الذي كنا نعول عليه أصبح يعاني في بلاده».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».