شركات تمويل السيارات تستخدم التقنيات الحديثة لإيقاف عمل سيارات المتأخرين عن السداد

تستهدف المقترضين ذوي الدخل المحدود وتستطيع تحديد مواقعهم الجغرافية في أي وقت

الجهاز يحتوي على وحدة ملاحة جغرافية «جي بي إس» GPS الأمر الذي يراه الكثيرون تعديا على خصوصياتهم
الجهاز يحتوي على وحدة ملاحة جغرافية «جي بي إس» GPS الأمر الذي يراه الكثيرون تعديا على خصوصياتهم
TT

شركات تمويل السيارات تستخدم التقنيات الحديثة لإيقاف عمل سيارات المتأخرين عن السداد

الجهاز يحتوي على وحدة ملاحة جغرافية «جي بي إس» GPS الأمر الذي يراه الكثيرون تعديا على خصوصياتهم
الجهاز يحتوي على وحدة ملاحة جغرافية «جي بي إس» GPS الأمر الذي يراه الكثيرون تعديا على خصوصياتهم

بدأت شركات تمويل السيارات في الولايات المتحدة الأميركية بإضافة أجهزة إلكترونية متصلة بالسيارة وبالإنترنت، تسمح لهم بإيقاف عمل السيارة في حال تأخر عن دفع الأقساط في مواعيدها. ولن يستطيع المستخدم تشغيل السيارة إلا بعد دفع القسط المستحق.
وتوفير هذه التقنية للمقرضين ضمانات على القروض لذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون تقديم ضمانات لدخل ثابت أو لديهم تاريخ اقتراض سيئ.
ويجب تزويد السيارة بجهاز إلكتروني متصل بوحدة التشغيل ويوقفها عن العمل لدى ورود الأمر من الجهة المقرضة.
وسيضيء الجهاز مرات كثيرة ويصدر أصواتا تنبيهية في اليوم السابق لإيقافه السيارة عن العمل، مع توفير القدرة على تشغيلها لمدة 24 ساعة بإدخال رقم سري في الجهاز يمكن تفعيله عليه مرة في الشهر. وتم تزويد أكثر من مليوني سيارة في الولايات المتحدة بهذه الوحدات، وهي تهدف لجعل عملية السداد أساسية للجهة المقترضة تماما مثل حاجة السيارة للوقود، إذ أن السيارة لن تعمل من دون وجود وقود وكذلك لن تعمل من دون السداد في الوقت المفترض، ليتحول الجهاز إلى محصل للديون يرافق السيارة ويعمل في جميع الأوقات دون كلل.
وترى شركات التمويل أن المستخدمين قد وافقوا على هذه الشروط لدى التوقيع على عقد التمويل، وأن جزءا كبيرا من هذه الفئة لن يستطيع الحصول على قرض للسيارة من دون وجود هذه الضمانات التقنية. واستطاعت هذه الأجهزة خفض نسب التأخر بالدفع من 29 في المائة إلى 7 في المائة.
ورغم أن هذه التقنية تفرض على المستخدمين السداد بالوقت المفترض، فإن هناك ظروفا قاهرة قد تجبر المستخدم على التأخر قليلا، وخصوصا أن عقود التمويل تسمح بفترات تأخر عن السداد عادة ما تتراوح بين 30 و60 يوما، وفقا لطبيعة العقد.
وقد يحتاج المستخدم سيارته في بعض حالات الطوارئ لإيصال أحد أفراد عائلته إلى المستشفى، أو في حال تواجده في مناطق نائية لا توجد فيها سيارات أجرة، أو في حال سفره بين المدن البعيدة.
أضف إلى ذلك أن الجهاز يحتوي على وحدة ملاحة جغرافية «جي بي إس» GPS تسمح لشركة التمويل التعرف على موقع المستخدم وأماكن تنقله، الأمر الذي يراه الكثيرون تعديا على خصوصياتهم، ومخاطرة في نشر هذه المعلومات في حال اختراق أجهزة شركة التمويل وتسريب البيانات.
وبالإضافة إلى اختراق خصوصية المستخدمين، فإنهم يرون فيها تعديا على كرامتهم، وخصوصا أن سيارتهم ستتوقف بعد مرور أيام قليلة على التأخر بالسداد، تاركة إياهم في أحياء مهجورة أو خطرة في بعض الأحيان، أو غير قادرين على إيصال أطفالهم إلى المدارس.
وهناك خطر آخر يتمثل في تطوير القراصنة فيروسات قد تخترق هذه الأجهزة وتوقفها عن العمل أثناء القيادة في الطرق السريعة، الأمر الذي قد يشكل خطرا على حياة ركاب السيارة والسيارات الأخرى المحيطة بها. وهناك دائما احتمال تعطل الجهاز بسبب خلل مصنعي أو لأي سبب آخر.
وبسبب وجود نظام يحدد موقع تنقل المستخدم يوميا، تستطيع شركات التمويل مراقبة ما إذا كان المقترض يذهب إلى عمله بشكل دوري أم لا، الأمر الذي قد يجبر شركة التمويل على الاتصال بالشركة الموظفة للتأكد ما إذا كان المقترض ما يزال على رأس عمله أم لا يوجد له دخل شهري، وبالتالي ازدياد احتمال تعثره عن السداد.
وتوفر هذه الأجهزة على شركات التمويل أجور الموظفين الذين كانت ترسلهم في السابق للبحث في الأحياء السكنية عن السيارات التي تخلف أصحابها عن الدفع، وذلك بهدف مصادرتها، إذ أصبحوا يستطيعون معرفة موقع السيارة في أي لحظة والذهاب إلى ذلك الموقع ومصادرة السيارة لدى التأخير الكبير في الدفع، أو إيقاف عمل السيارة من تطبيق خاص في هواتفهم الجوالة أينما كانوا.
إلا أن شروط هذه التقنية تضاف إلى العقود من دون مراقبة الهيئات الحكومية، ولا توجد أي ضوابط تنظيمية لهذه الفئة من القيود بعد، الأمر الذي يجعل المقترضين تحت رحمة الشركات المقرضة، وخصوصا أن هذه التقنية تستهدف ذوي الدخل المحدود أو الذين لديهم تاريخ اقتراض سيئ.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».