مصريون يحولون بيوتهم مزارات سياحية

جلبوا خامتها من تراث البيئة وصمموها على خطى حسن فتحي

مصريون يحولون بيوتهم مزارات سياحية
TT

مصريون يحولون بيوتهم مزارات سياحية

مصريون يحولون بيوتهم مزارات سياحية

فضاء جديد لتنشيط السياحة، أحد مصادر الدخل القومي في مصر، نسجه عدد من المصريين في صعيدها؛ وذلك بتحويل منازلهم الريفية مزارات سياحية وبيوت ضيافة، بعضها أشبه بمتحف قديم يستنشق رواده عبق الماضي، وكأنه أثر ممتد في الذاكرة والوجدان.
في هذه البيوت يعيش الزوار ساعات أو أياماً، ويتعرّفون على حياة غابرة قابعة فوق رف التراث، يتجولون بين جنبات البيوت، ويستخدمون الأدوات نفسها التي كانت تستخدم في تلك الأيام في الزراعة، والصيد، وفي إعداد الطعام، وحفلات السمر بالليل حول مواقد النيران، وما يرافقها من الألعاب والغناء.
من بين أشهر هذه المزارات بيت آدم، ويقع على مساحة فدان، في الجنوب الغربي لقرية المريس بالأقصر في الطريق المؤدية إلى البر الغربي. وقال مالكه أحمد أبو سكرة لـ«الشرق الأوسط»: «إنه جمع به الكثير من المقتنيات والقطع الفنية القديمة ومستلزمات الزراعة؛ ما جعل المنزل متحفاً يحتوي على الكثير من أدوات الزراعة القديمة، من النورج والشادوف والساقية، وهناك في قلب المنزل يوجد بئر أيضاً كان يستخدمها والده ومن قبله جده في ري مزروعاتهما».
البيت الذي أُسّس منذ سنوات ليست طويلة، يعرض حسب أبو سكرة، بانوراما لحياة الآباء والأجداد، وهو مفتوح للزوار من الأجانب والمصريين، يعيشون بين جنباته في أجواء لم تعد موجودة في الواقع، ويستخدمون أدوات اندثرت. وقد سعى صاحبه لجلب واقتناء كل ما له صلة بتفاصيل الحياة اليومية للمصريين منذ عشرات من السنين، بدءاً من الطست النحاسي حتى إبريق المياه، وأكواب الشاي الفخارية، كما بنى فرناً من الطّين لتجهيز الخبز، أما المقاعد فجميعها من جريد النخيل، وهناك الكثير من الدكك المنتشرة في ساحة البيت.
ولفت أبو سكرة إلى أنه في هذه الأجواء يتناول الزوار وجبات مصرية خالصة في طواجن من الفخار، وعند الدخول إلى البيت على اليمين، توجد آلة النورج التي كان الفلاح المصري يستخدمها منذ أكثر من 100 سنة في حصاد القمح، كما يعلو مدخل البيت حيوان الورل، الذي كان يضعه المصريون فوق واجهات منازلهم للحماية والبركة وجلب الحظ السعيد، كما تنتشر في المكان كل أنواع المقاطف التي كان ينقل فيها الفلاح الطمي أو يحفظ البذور، هذا إلى جانب الأسرّة المصنوعة من جريد النخيل، كل هذا يأخذ السائح إلى عالم المصري القديم، ويدفع لمعايشة التاريخ والعادات والتقاليد المصرية الأصيلة.
أما الدكتور محمد سيد، الذي يعمل في مجال الصيدلة، فقد بنى بيتاً ذا قباب وأروقة، يشبه البيوت التي كان يصممها المهندس حسن فتحي، وقال إنه كان يحلم بامتلاك منزل من الطين، بعد مشاهدته برنامج وقائع مصرية عن المهندس الراحل، ثم تحوّل الحلم إلى قرار بعد مشاهدته بيت المهندس الإنجليزي سومرز كلارك، الذي يجاور قريته الصغيرة، والذي بناه فتحي سنة 1905.
وذكر سيد، أن ديريك، مدير البعثة البلجيكية المقيمة في المنزل، سمح له بزيارة البيت من الداخل، وأهداه كتيّباً صغيراً به نبذة عن صاحب البيت والرسم الهندسي له. ثم بدأ رحلة البحث عن مهندس يُصمم بيته من الطين، فوجد رفضاً من الجميع بحجة أنّ الزّمن قد عفا على هذه الطريقة وبحجج كثيرة عن عدم المتانة وتأثيرات الأمطار والمياه الجوفية. فقرر أن يُصمم البيت بنفسه، وبدأ رحلة الدراسة وجمع المعلومات التي استغرقت سبع سنوات، وكان المحتوى العربي على الإنترنت قليلاً جداً، معظمه كتب حسن فتحي؛ لذلك لجأ للمحتوى الإنجليزي، الذي كان غنياً جداً، لكنه وجد أن إمكانية التطبيق في مصر صعبة؛ لذلك بدأ في جمع المعلومات من العمال المحليين، الذين كانت لهم خبرات لا تقدر بثمن ثم بدأ مرحلة التنفيذ بقطع الطوب على الطريقة القديمة، وهي استخدام الطين والتبن والتخمير في الماء لمدة أسبوع على الأقل واستغرق سنة لقطع 130 ألف طوبة، ثم بدأ البناء الذي استغرق عامين.
ولفت سيد إلى أن خبرات العمال المشاركين كان لها فضل كبير في وصول البناء لشكله الذي تمناه، ويتكون من أساس غرانيتي وضعه بنّاء بمهارة لم يوجد لها مثيل. وقباب، كما استخدام طرق قديمة في البناء بالطين للوصول لشكل حديث يجمع بين مميزات العزل الحراري والصوتي للطين، والإضاءة الطبيعية والتهوية والشكل الحديث للبيوت؛ ما جعل درجة الرطوبة النسبية في البيت تقريباً ثابتة طوال العام، مع ميل للجفاف أكثر، نظراً لأن الطين يمتص الزيادة من الرطوبة، وبهذه المواصفات توفر لسيد الشرط الأول، وهو مخطط وظيفي بفعاليات حديثة ضمن طابع تقليدي يحمل الخواص التراثية، ويلبّي المتطلبات الحديثة، وكان الثاني هو استخدام الفضاءات والعناصر المعمارية التي شكّلت البيت الأسواني التقليدي بوظيفة كاملة.
وكانت النتيجة في النهاية بيتاً يحتفي بالطراز التراثي للعمارة الأسوانية ويدغدغ المشاعر ويثير الحنين إلى تراث الأجداد. وما ساعد على إبراز ذلك هو أن عملية التنفيذ تمت عبر تضخيم المقياس وجعله أكثر فخامة مع الاستفادة من التأثير البصري كون البيت ذا واجهة كبيرة، وقد أُضيفت تفاصيل خارجية حديثة للتذكير بحداثة البناء، علاوة على الفائدة الوظيفية. وبالتالي جرى توفير مخطط وظيفي يجمع مفردات العمارة الأسوانية التقليدية مثل الفناء والقبب والقبو الأسواني والأروقة التي تستند على الأعمدة، وكل ذلك حول فناء داخلي. كما استخدم الطّين والطّوب الأحمر والفرش الأسواني والخشب المحلي، في إنتاج العناصر الخارجية والداخلية كنظام المشربيات والواجهات والشبابيك والأبواب والأعمدة والمشكاوات الداخلية وغيرها.
أما بيت جميزة فيقع في جزيرة أرمنت، التي حافظت على ميراث الزراعة والفلاح المصري عبر الأجيال، وقال الفنان ناصر نوبي، إنه كان يزور الجزيرة منذ الطفولة، فهي تقع في مواجهة قريته المريس، وقد التقي الفنان ناصر النوبي المرشد السياحي، مع الفلاح ربيع من جزيرة أرمنت، واتفقا على وضع الجزيرة بالخريطة السياحية المصرية. وتشتهر هذه الجزيرة بالحدائق والجناين وغابات المانغو والموز والنخيل المتفرد الطويل الذي يزيد على 50 متراً.
ومن ميناء مواجه للجزيرة، حسب النوبي، لا يستغرق العبور إليها أكثر من عشر دقائق في قوارب أو بواسطة لنشات صغيرة، في منطقة الزنقور إلى مزرعة تزخر بأجود أنواع الموز.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».