اعتداء لندن الإرهابي يطغى على الحملات الانتخابية

اتهامات لجونسون بـ«تسييس» الاعتداء... و74 مداناً بالإرهاب تحت المراقبة

شرطي يضع وروداً في موقع الهجوم الإرهابي بلندن أمس (رويترز)
شرطي يضع وروداً في موقع الهجوم الإرهابي بلندن أمس (رويترز)
TT

اعتداء لندن الإرهابي يطغى على الحملات الانتخابية

شرطي يضع وروداً في موقع الهجوم الإرهابي بلندن أمس (رويترز)
شرطي يضع وروداً في موقع الهجوم الإرهابي بلندن أمس (رويترز)

تعهد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمس، فرض عقوبات وإلغاء نظام الإفراج المبكر عن المدانين بالإرهاب، ما أدى إلى اتهامه بالاستغلال السياسي للاعتداء الدامي الذي نفذه شخص خضع لإطلاق سراح مشروط في لندن.
وبعد يومين من عملية الطعن التي أسفرت عن مقتل شخصين الجمعة عند جسر لندن، اتّهم رئيس الوزراء، حزب العمّال، الذي يقف في صفوف المعارضة حالياً، بأنّه كان خلف قانون سمح للمعتدي بالتمتع بإطلاق سراح مشروط، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وخرج عثمان خان من السجن في 2018، بعد 6 سنوات من إدانته بجرائم على علاقة بالإرهاب. وأعلن الزعيم السياسي المحافظ في مقالة نشرها في «ميل أون صنداي»، أنّ «على هذا التنظيم (القضائي) أن ينتهي - أكرر، عليه أن ينتهي»، وذلك في خضم حملة انتخابية تحضيراً للاقتراع التشريعي المرتقب في 12 ديسمبر (كانون الأول). وتابع: «إذا كنتم مدانين في جريمة إرهابية خطيرة، يجب استصدار حكم إلزامي بالسجن لـ14 عاماً على الأقل، ويجب ألا يخرج البعض أبداً». وأضاف أنّ «الإدانة لكل جرائم الإرهاب والتطرف، يجب (أن تُنفّذ). على هؤلاء المجرمين تمضية كل يوم من عقوبتهم، من دون استثناء».
واعتبر رئيس الوزراء البريطاني، أنّ إجراءات مماثلة كان من شأنها تجنب وقوع الاعتداء الذي تبناه تنظيم «داعش». وقال: «أعطوني غالبية (برلمانية)، فأحميكم من الإرهاب». وحُكم على عثمان خان بالسجن لمدة غير محددة عام 2012، مع 8 سنوات كحدّ أدنى. وأصبحت عقوبته السجن 16 عاماً في الاستئناف عام 2013 لانتمائه إلى مجموعة أرادت تفجير أهداف في لندن.
والجمعة، بدأ هجومه في مركز فيشمونغرز، حيث كان يشارك في محاضرة لتأهيل السجناء، نظّمتها جامعة كامبريدج في مبنى يقع على مسافة قريبة جداً من جسر لندن في وسط العاصمة البريطانية، وهو المكان نفسه الذي شهد في عام 2017 هجوماً إرهابياً تبنّاه «داعش»، وأودى بحياة 8 أشخاص.
وأعلن جونسون، عبر هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أنّ ثمة «نحو 74» آخرين مدانين بالإرهاب استفادوا من إفراج مبكر على غرار عثمان خان، وباتوا يخضعون منذ وقوع الاعتداء لـ«مراقبة مناسبة». ولكن سرعان ما أثارت تصريحات جونسون انتقادات له لناحية أنّه يريد استخدام الهجوم انتخابياً، وتقديم مقترحات غير مدرجة ضمن برنامج حزب المحافظين، الذي أعلنه في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني).
وتلقى جونسون انتقاداً من والد الضحية جاك مريت. ومريت (25 عاماً) عضو في «معهد كامبريدج لعلوم الجريمة»، وكان منسقاً لبرنامج «التعلّم سوياً» الهادف إلى التقريب بين العالم الأكاديمي وعالم السجون. وكانت محاضرة الجمعة تحت رعاية هذا البرنامج.
وقال ديفيد مريت في تغريدة على موقع «تويتر»، «لسنا بحاجة إلى ردود فعل غير محسوبة»، مشيراً إلى «تدمير دائرة مراقبة السلوك، المفترض بها أن تراقب السجناء بعد الإفراج عنهم، كما دوائر إعادة التأهيل». ومنذ وصول المحافظين إلى رئاسة الوزراء عام 2010، تعرضت هذه الدوائر لتخفيضات كبيرة على صعيد الموازنة «ونحن بالتالي أقل أمناً»، وفق مريت.
من جانبه، قال إيد دايفي، نائب رئيس حزب الليبراليين - الديمقراطيين، في حديث عبر «سكاي نيوز»، إنّه «في خضم الانتخابات، يجب عدم الاستفادة سياسياً من مأساة». أما زعيم حزب العمّال جيريمي كوربن، فاعتبر عبر «سكاي نيوز» أنّه «لا يجب بالضرورة» سجن المدانين إرهابياً، مشيراً إلى أنّ ذلك «يرتبط بالظروف».
وأضاف في وقت لاحق خلال مشاركته في الحملة الانتخابية لحزبه في مدينة يورك: «لا يمكن لأي حكومة تجنب كل الاعتداءات»، غير أنّه «بمقدور الحكومة التحرّك للتقليل من احتمال (وقوع) أفعال إرهابية مماثلة».
من جانبه، رأى وزير الخارجية دومينيك راب، في مسعى للدفاع عن المحافظين، أنّه «لا يمكن لأحد الاعتقاد بأنّ اتخاذ الإجراءات المناسبة للحماية (...) سيكون بأي شكل من الأشكال» بمثابة توظيف سياسي للأحداث.


مقالات ذات صلة

السلطات الفنزويلية تعتقل أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب

أميركا اللاتينية شرطة فنزويلا (متداولة)

السلطات الفنزويلية تعتقل أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب

أعلن وزير الداخلية الفنزويلي ديوسدادو كابيلو، الاثنين، أن السلطات اعتقلت أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب، عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس )
الولايات المتحدة​ جندي أميركي خارج أسوار معسكر غوانتانامو (متداولة)

أميركا تقلص عدد معتقلي غوانتانامو إلى 15 بعد إرسال 11 يمنياً إلى عُمان

خفضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عدد السجناء في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في كوبا بنحو النصف، بعد أن أرسلت 11 معتقلاً إلى عُمان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ تظهر نظارات «ميتا» الذكية المحدثة في المقر الرئيسي للشركة في مينلو بارك بكاليفورنيا في الولايات المتحدة 27 سبتمبر 2023 (رويترز)

ما نظارات «ميتا» التي استخدمها مهاجم نيو أورليانز للاستكشاف قبل عمله الإرهابي؟

نظارات «ميتا» هي أجهزة بها كاميرا مدمجة ومكبرات صوت وذكاء اصطناعي، يمكن التحكم فيها بصوتك وبأزرار، والتحكّم بها كذلك ببعض الإيماءات.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز (الولايات المتحدة))
شؤون إقليمية جانب من لقاء رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو ووفد إيمرالي (موقع الحزب)

تركيا: مطالبة بإنهاء عزلة أوجلان لحل المشكلة الكردية

أعلن حزب مؤيد للأكراد أن عملية الحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان لحل المشكلة الكردية في تركيا لن تؤدي إلى نتيجة دون إنهاء عزلته.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟