الأزمة السياسية في العراق تدخل مرحلة انسداد الأفق

استمرار الوعود بتعديل شامل لحكومة عبد المهدي

TT

الأزمة السياسية في العراق تدخل مرحلة انسداد الأفق

لم يعد سوى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في الواجهة، لا سيما بعد غياب بات يثير التساؤلات لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي وحتى رئيس الجمهورية برهم صالح. الحلبوسي يدير جلسات البرلمان وسط حراك غير مسبوق من قبل هيئة النزاهة والقضاء التي وصلت إلى قبة البرلمان بعد استهداف عدد من نوابه، والدور ربما يكون قريباً على آخرين؛ طبقاً للتسريبات.
البرلمان يناقش الآن أخطر قانونيين مرشحين لأن يعملا على تهدئة الأزمة؛ وهما «قانون الانتخابات» و«قانون المفوضية المستقلة للانتخابات». رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بات يعد عن طريق المتحدثين الإعلاميين في مكتبه مرة باستملاك ساكني العشوائيات الأراضي الواقعة خارج التصميم الأساسي للمدن بما في ذلك العاصمة بغداد التي يحيط بها حزام من العشوائيات، ومرة بإجراء تعديل وزاري وشيك مضى عليه أكثر من شهر بينما لم يبادر أي وزير بتقديم استقالة طوعية بعد أن كثر اللغط حول الأداء الوزاري، والبدء بأول قناة تواصل مع المتظاهرين في وقت تتسع فيه عمليات الحرق والإضراب والعصيان في مناطق مختلفة من البلاد لا سيما المحافظات الوسطى والجنوبية.
لا يخلو الأمر كالعادة من نظرية «مؤامرات» لا «مؤامرة واحدة» تقول الجهات الرسمية إنها دخلت على خط المظاهرات، كان آخرها ما أعلنه الناطق العسكري باسم رئيس الوزراء عن «ضبط 17 ألف عملية تحويل مالي من خارج العراق لتمويل المظاهرات وإدامتها».
إجراء آخر أقدم عليه عبد المهدي في محاولة منه لتطبيق الإصلاحات التي وعد بها وذلك استناداً إلى الوثيقة السياسية التي وقعتها 12 كتلة سياسية وأمهلته 45 يوما لم يبدأ بعد عدّها التنازلي. الإجراء هو إرسال أكثر من ألف ملف إلى هيئة النزاهة بتهم فساد وأدلة دامغة، وتتضمن القائمة وزراء ونواباً ومحافظين سابقين وحاليين.
لكن هذه الإجراءات أو سواها لم تعد تكفي لإطفاء غضب الشارع. ومع أن الأنظار تتجه في العادة بدءاً من يوم الأربعاء إلى النجف حيث بات الجميع؛ حكومةً ومتظاهرين، ينتظرون ما تقوله المرجعية الشيعية العليا هناك، تتمنى الحكومة على المرجعية ممارسة ضغوطها على المتظاهرين علّهم يصغون إليها. ومن جهتهم، يطالب المتظاهرون المرجعية باتخاذ موقف حاسم يصل إلى حد الدعوة إلى إقالة الحكومة وحل البرلمان.
موقف المرجعية بدا محرجاً هو الآخر لا سيما في الخطبة الأخيرة التي دعت فيها إلى تشريع قانون عادل للانتخابات ومفوضية مستقلة لها. هذا الموقف أفرح القوى السياسية التي حثت الخطى هذا الأسبوع للعمل على إقرار قانون لا يزال مختلفاً عليه، بينما أغضب هذا الموقف المتظاهرين الذين رأوا فيه تنازلاً عن الموقف الذي عبرت عنه المرجعية في الجمعة التي سبقت الجمعة الأخيرة حين بدا أنها انسجمت تماماً مع المظاهرات شرط أن تبقى سلمية.
من الواضح أن المظاهرات لم تعد سلمية ما عدا المظاهرات في ساحة التحرير في قلب بغداد. ففي محافظات الوسط والجنوب أصبح الطابع العام هو حرق المؤسسات الحكومية ومنازل المسؤولين وقطع الطرق والجسور.
وبشأن القوانين التي يتولى البرلمان مناقشتها الآن لعله يجري الوصول إلى توافق بشأن بعضها (قانون مفوضية الانتخابات) على الأقل قبل يوم الجمعة حيث خطبة المرجعية، يقول محمد شياع السوداني عضو البرلمان العراقي عن «دولة القانون» ووزير العمل والصناعة السابق، لـ«الشرق الأوسط» إن «قوانين الانتخابات والمفوضية هما من القوانين المفصلية المهمة التي سوف تبنى عليها العملية السياسية المقبلة من حكومة وبرلمان»، مبيناً أنه «لا بد من تشريعها وفق الأطر التي تضمن عودة ثقة المواطن بالعملية الانتخابية من خلال القانون العادل والأقرب لتمثيل الناخبين». وأضاف السوداني أن «الأمر نفسه ينطبق على ضرورة تشريع قانون لمفوضية مستقلة تماماً وتتمتع بالنزاهة»، موضحاً أن «القانون الأفضل الذي يجب أن نتجه لتشريعه هو الذي يعتمد القوائم الفردية لنكون أمام تمثيل حقيقي للشعب في دوائر متعددة، وهو ما سوف يرضي عموم الشعب سواء كان المتظاهر أو الآخرين».
إلى ذلك، أعلنت «كتلة سائرون» النيابية، تقديمها طلباً إلى رئاسة البرلمان بشأن اعتماد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة.
وقال المتحدث باسم سائرون النائب جواد حمدان في مؤتمر صحافي عقده أمس في مبنى البرلمان، إن «كتلته قدمت طلباً إلى رئاسة البرلمان يشتمل القانون، على أن يتم اعتماد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة وأن يكون الفوز للأعلى أصواتاً». وأوضح أنه «تم البدء بجمع تواقيع من النواب لتحقيق تلك المطالب لتكون بارقة الأمل التي تغير الواقع، وما زالت القائمة مفتوحة لكل البرلمانيين»، مؤكداً أن «ورقة التواقيع ستكون وثيقة تاريخية يطلع عليها الشعب العراقي المنتفض في أغلب المحافظات، لأن القانون الحالي لا يلبي الطموحات».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.