أوساط أميركية تناقش «الرد المطلوب» على التصعيد الإيراني إقليمياً

شمل مواجهة قمع الاحتجاجات والتململ من التدخلات في العراق ولبنان

برت ماكغورك
برت ماكغورك
TT

أوساط أميركية تناقش «الرد المطلوب» على التصعيد الإيراني إقليمياً

برت ماكغورك
برت ماكغورك

مع إصرار إيران على اعتماد القمع في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، ومخاوف «تعميمه على لبنان»، تتجه الأنظار نحو واشنطن لمعرفة موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من هذه التطورات. فالانتقادات الداخلية والخارجية تصاعدت، عائبة عليها عدم وجود تصور واضح لديها للرد على السلوك الإيراني الذي يسعى ليس فقط إلى إخماد تلك الاحتجاجات، بل أيضاً احتمال أن تعمد طهران إلى محاولة تنفيذ تصعيد عسكري في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو عبر أدواتها، لخلط الأوراق.
غير أن أوساطاً سياسية، خصوصاً تلك المؤيدة لترمب، وحتى من معارضيه، ترى أن ملف العزل المفتوح ضده من الديمقراطيين في مجلس النواب والضغوط التي يتعرض لها، تلعب دوراً سلبياً جداً، وتحدّ من اهتمامه بالملف الإيراني. وتعتقد تلك الأوساط أن الأمر قد يتطور بشكل سلبي أكثر في الأسابيع المقبلة، خصوصاً عندما تبدأ جلسات التحقيق والمحاكمة الرسمية في مجلس الشيوخ، ناهيك بانغماس الأميركيين جدياً في الانتخابات الرئاسية مع بداية 2020.
غير أن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين يرون أن إدارة ترمب تعاني نقصاً في رؤية الأحداث على حقيقتها، في ظل إصرار ترمب على الانسحاب من المنطقة، التي لم يعد يرى فيها سوى أرضاً قاحلة.
في هذا الصدد، يقول برت ماكغورك، المبعوث الأميركي السابق لقوات التحالف ضد «داعش»، إن إدارة ترمب تفوت فرص الاستفادة من حالة التململ التي تعيشها شعوب إيران والعراق ولبنان، «لأنها لا تخطط بشكل استباقي لهذه المناطق الساخنة في الشرق الأوسط». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «...هو قابل للاشتعال من تلقاء نفسه إلى حد ما، ولكن أيضاً لأن السياسة الأميركية لم تأخذ في الاعتبار الآثار الجانبية لأفعالنا. وعندما تحصل احتكاكات تصاب إدارة ترمب بالمفاجأة».
من ناحيته، يقول مايك روبن، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمعهد «أميركان إنتربرايز»، إن «إدارة ترمب تستجيب بشكل تفاعلي ومبعثر، رغم اللحظات التي قد تؤدي فيها استراتيجية أكثر فاعلية إلى دفع الأمور في الاتجاه الصحيح». ويضيف روبن: «لكن يبدو أننا مهووسون تماماً بسياستنا الداخلية، وحتى عندما نولي اهتماماً للخارج، فليس لدينا أي استراتيجية متماسكة».
في المقابل، يقول آخرون إن الولايات المتحدة في الوقت الحالي، محقة في عدم التدخل المباشر، وإنه من الأفضل الاكتفاء بمواصلة سياسة «أقصى الضغوط» على طهران.
ويقول بول سالم، رئيس «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، إن «سياسة (أقصى الضغوط) التي تمارسها إدارة ترمب، يبدو أنها تؤتي ثمارها، بدليل ما حصل في إيران، وحتى في العراق ولبنان، رغم الفوارق الموضوعية والذاتية الواضحة في هذه البلدان». ويعرب عن اعتقاده في حديث مع «الشرق الأوسط» بأن «عدم التدخل المباشر خصوصاً في العراق ولبنان، قد تكون إيجابياته أكثر من سلبياته، لقطع الطريق على من يحاول تخوين التحركات الشعبية وتصوير الأمر على أنه نتيجة مؤامرة خارجية». لكنه من جهة ثانية، يرى أن إدارة ترمب «تعاني من فوضى سياسية داخلية تنعكس على كثير من ملفات السياسة الخارجية»، علماً بأن كبار المسؤولين فيها عبروا عن انحيازهم للانتفاضات الشعبية في تلك البلدان. وينتقد في هذا المجال قرار دائرة الخزانة في البيت الأبيض وبعض المسؤولين في مجلس الأمن القومي الذين «اتخذوا قراراً خاطئاً بتجميد المساعدات العسكرية المقدمة للجيش اللبناني».
ويرى سالم أن القرار «سيتم التراجع عنه، وقد علم من مصادر رسمية عن قرب سحبه، خصوصاً أن وزارتي الخارجية والدفاع والكونغرس الأميركي يعارضونه، ولم يكن لهم علم به عندما صدر» بحسب قوله.
من جهته، قال الباحث ديفيد بولوك، في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، إن «التصعيد الإيراني ممكن تماماً، وإن لم يكن مؤكداً، لكنه قد لا يكون هجوماً مباشراً كبيراً أو ضد أهداف أميركية». بدلاً من ذلك؛ «قد تكرر إيران بعض الهجمات المحدودة أو عبر وكلائها ضد أهداف نفطية سعودية أو إماراتية أو حتى إسرائيلية أو على سفن شحن محايدة كما جرى قبل مدة».
وأضاف بولوك لـ«الشرق الأوسط» أن «التدخل الأميركي المباشر في السياسة الداخلية وحركات الاحتجاج في لبنان والعراق وإيران، سيكون أمراً بالغ الصعوبة، ولا يحظى بشعبية من الناحية السياسية داخل الولايات المتحدة، ويمكن أن يأتي بنتائج عكسية»، مرجحا «عدم حصوله تماما». ونتيجة لذلك «لا أتوقع حصول تغييرات جوهرية في الأنظمة الداخلية اللبنانية أو العراقية أو الإيرانية على المدى القريب». ويرى أنه «رغم ذلك، فإن الدعم المعنوي والدبلوماسي، إلى جانب موقف الدول الأوروبية وبعض الدول الأخرى، سيساعد في الحد من التكلفة البشرية للقمع. والمخاوف الإيرانية بشأن الاستقرار الداخلي في تلك الأماكن قد تقيد قدرتها على إثارة المتاعب في ساحات أخرى، وربما تفتح نافذة لمحادثات مثمرة حول وقف التصعيد في اليمن والخليج وحتى سوريا».
وأضاف بولوك أنه ينبغي للحكومات العربية أن تواصل العمل على كيفية اتخاذ مزيد من المبادرات لمواجهة إيران ودعم القوى الصديقة في لبنان والعراق وأماكن أخرى.
من جهة أخرى، جاءت تصريحات قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي في مؤتمر المنامة، التي عبر فيها عن قلقه من احتمال قيام إيران بعمل عسكري في الخليج، لتعكس أجواء الحذر الذي تتبناها القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة.
وترافق ذلك مع دخول حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» مع مجموعتها القتالية إلى مضيق هرمز، لترفع بشكل غير مسبوق من الحشد العسكري الأميركي في المنطقة منذ حرب الخليج في تسعينات القرن الماضي.
وبحسب أوساط في البنتاغون، فإن دخول حاملة الطائرات يرفع من قوة الردع القصوى في مواجهة أي تحرك إيراني محتمل، سواء كان ذلك رداً على التحركات الشعبية ضدها، أو في سياق خلافها النووي مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى، في ظل إقدامها التدريجي على إنهاء التزاماتها بالاتفاق النووي الذي وقعته عام 2015.
كما أصدرت «وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية» الأسبوع الماضي تقريراً مهماً يحلل القدرات العسكرية الإيرانية، في ضوء هجمات إيران في سبتمبر (أيلول) الماضي على منشأتي بقيق وخريص في شرق المملكة العربية السعودية. وأكد التقرير أن «قدرات طهران الصاروخية المتسعة باتت أكثر تعقيداً ويصعب صدّها ببساطة».
وسلط التقرير الضوء على استثمار طهران المكثف في «بنيتها التحتية المحلية وخبراتها لتطوير صواريخ (كروز) هجومية برية، يمكن لها أن تحلق على ارتفاع منخفض وتهاجم هدفاً من اتجاهات متعددة»، لافتاً إلى أن تطوير صواريخ «كروز» والصواريخ الباليستية الإيرانية قامت به «منظمة صناعة الطيران والفضاء» وهي شركة تابعة لوزارة الدفاع ومن القوات المسلحة في طهران. وتخضع كل من الوزارة وشركتها لعقوبات الاتحاد الأوروبي، التي تنتهي في عام 2023، وكذلك للعقوبات الأميركية التي ليس لها تاريخ محدد.
ويشير التقرير الذي جرى إعداده في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي؛ أي قبل الهجوم على منشآت شركة «أرامكو» في سبتمبر، إلى أن «طهران استفادت إضافة لقدراتها على إنتاج الصواريخ المحلية، من المشتريات الأجنبية المستمدة بشكل أساسي من صاروخ «Kh - 55» السوفياتي، وهو صاروخ (كروز) استوردته في عام 2001 وتم تحويله لاحقاً لإطلاقه على الأرض». وقد تكون النسخة الإيرانية منه التي يطلق عليها اسم «سومار»، مستخدمة في الهجوم على «أرامكو»، مشيراً إلى أنها «تواصل تطويره وتوزيعه على وكلائها الإقليميين أيضاً».



تقرير: الإسرائيليون استطاعوا مشاهدة فيلم وثائقي تحجبه السلطات عن قضية فساد نتنياهو

نتنياهو قبل الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد في المحكمة المركزية في تل أبيب الثلاثاء (إ.ب.أ)
نتنياهو قبل الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد في المحكمة المركزية في تل أبيب الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

تقرير: الإسرائيليون استطاعوا مشاهدة فيلم وثائقي تحجبه السلطات عن قضية فساد نتنياهو

نتنياهو قبل الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد في المحكمة المركزية في تل أبيب الثلاثاء (إ.ب.أ)
نتنياهو قبل الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد في المحكمة المركزية في تل أبيب الثلاثاء (إ.ب.أ)

قالت وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء إن هناك إسرائيليين تمكنوا من مشاهدة الفيلم الوثائقي «ملفات بيبي» الذي يدور حول قضية الفساد التي يحاكم بسببها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وذلك باستخدام شبكة VPN لتجاوز قيود البث، أو من خلال مشاهدة نسخ مسربة شقت طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

معارض لنتنياهو خارج مقرّ المحكمة بتل أبيب الثلاثاء (أ.ب)

وكانت السلطات الإسرائيلية قد منعت عرض الفيلم بسبب قوانين الخصوصية التي تنظم مثل هذه الإجراءات.

وأضافت الوكالة أن نتنياهو أصبح أول رئيس حكومة إسرائيلي في السلطة يقف متهماً ووعد بإسقاط مزاعم الفساد «السخيفة» ضده.

المنتج والمخرج الأميركي الإسرائيلي أليكس جيبني

وقالت إن مخرج الفيلم الوثائقي أليكس جيبني تناول خلال مسيرته المهنية التي استمرت عقوداً العديد من القضايا الشائكة، ولم يكن يخطط لفيلم عن إسرائيل - حتى يوم واحد من العام الماضي، عندما وقع تسريب مذهل بين يديه واتضح أن التسريب كان أشبه بالطوفان، حيث عُرض عليه من خلال مصدر تسجيلات فيديو لمقابلات الشرطة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وزوجته سارة وابنه يائير ومجموعة من رجال الأعمال، وكلها أجريت بوصفها جزءاً من قضية الفساد وبلغ مجموعها أكثر من 1000 ساعة من الفيديوهات.

ولم يكن المخرج الحائز على جائزة الأوسكار يتحدث العبرية، لكنه شعر بأن هذا كان شيئاً كبيراً ولجأ إلى مراسل التحقيقات الإسرائيلي المخضرم رفيف دراكر، الذي قام بفحص عميق للفيديوهات، وقال له إن «لدينا شيئاً مثيراً للغاية» ثم ضم جيبني زميلته أليكسيس بلوم، التي عملت في إسرائيل، لإخراج الفيلم.

وكانت النتيجة: فيلم «ملفات بيبي» الذي خدمه أن توقيت إصداره هذا الأسبوع، تزامن مع محاكمة نتنياهو.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة خلال نزهة برفقة ابنيهما يائير وأفنير (جيروزاليم بوست - المكتب الصحافي الحكومي الإسرائيلي)

ولفتت الوكالة إلى أن الفيلم واجه عقبات أخرى، من ناحية، كان على جيبني وبلوم جمع الأموال لإنتاجه دون الكشف عنه، نظراً لمحتواه، وكان العديد من الداعمين والموزعين متوترين بشأن المشاركة، خاصة بعد اندلاع الحرب بعد الهجوم الذي قادته «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ثم كانت هناك أكبر عقبة على الإطلاق: حيث لا يمكن عرض الفيلم في إسرائيل، بسبب قوانين الخصوصية.

وكانت المراجعات في وسائل الإعلام الإسرائيلية لفيلم «ملفات بيبي» إيجابية في الغالب، وليس من المستغرب أن يعكس رد الفعل العام الانقسامات حول نتنياهو المثير للجدل، حيث يقول هو وأنصاره إنه مطارد من وسائل الإعلام المعادية والقضاء المتحيز ضده.

مخرجة فيلم «ملفات بيبي» الأميركية أليكسيس بلوم

وكتب نير وولف، الناقد التلفزيوني لصحيفة إسرائيل اليوم المؤيدة لنتنياهو: «سوف يقسم معارضو نتنياهو بالفيلم وسيصبحون أكثر اقتناعاً بأنه فاسد، ويقودنا إلى الدمار وسوف يرغب أنصاره في احتضانه أكثر».

وهاجم نتنياهو الفيلم في سبتمبر (أيلول)، وطلب محاميه من المدعي العام للبلاد التحقيق مع دروكر، وهو منتج مشارك مع جيبني، متهماً إياه بمحاولة التأثير على الإجراءات القانونية ولكن لم يتم فتح أي تحقيق.