مخاوف من فقدان مجوهرات تاريخية إلى الأبد

سرقة متحف «القبو الأخضر» في دريسدن

يطلق على المتحف اسم «القبو الأخضر»، لأن بعض غرفه مزدانة بطلاء أخضر (غيتي)
يطلق على المتحف اسم «القبو الأخضر»، لأن بعض غرفه مزدانة بطلاء أخضر (غيتي)
TT

مخاوف من فقدان مجوهرات تاريخية إلى الأبد

يطلق على المتحف اسم «القبو الأخضر»، لأن بعض غرفه مزدانة بطلاء أخضر (غيتي)
يطلق على المتحف اسم «القبو الأخضر»، لأن بعض غرفه مزدانة بطلاء أخضر (غيتي)

تعرضت مقتنيات تاريخية تضم سيوفاً مرصعة بالألماس ومشابك زينة، مصممة بدقة كبيرة، للسرقة من قصر ملكي سابق في ألمانيا، وربما لا تظهر من جديد، حسبما حذر خبراء.
وحسب ما ذكرت «بي بي سي»، فإن المقتنيات المسروقة تعتبر جزءاً من مجموعة شكلت عام 1723 على يد حاكم إقليم ساكسونيا، أغسطس (آب) الثاني القوي، وتحظى هذه المقتنيات بأشكال متميزة للغاية لدرجة تجعل من المحتمل أن يلجأ اللصوص لتفكيكها.
ووصفت القطع الفنية المسروقة من متحف «القبو الأخضر» في دريسدن بأنها «لا تقدر بثمن». وقالت ماريون أكرمان، رئيسة قسم شؤون المتاحف في دريسدن، إن تدمير القطع الفنية سيكون «فكرة مريعة».
وأضافت: «إننا نتحدث هنا عن قطع تحمل قيمة فنية وتاريخية وثقافية لا تقدر بثمن. ولا يمكننا طرح تقييم محدد لقيمتها لأنها نفيسة للغاية».
كانت الشرطة قد نشرت مجموعة من الصور لقطع المجوهرات المسروقة، وناشدت الشهود التقدم بشهاداتهم.
وكان لصوص قد اقتحموا متحف «القبو الأخضر» في مدينة دريسدن الألمانية، فجر الاثنين، بعدما تسبب اندلاع حريق في نظام توزيع الطاقة بالمبنى في تعطيل نظام الإنذار، على ما يبدو.
وكشفت عملية تفحص للمتحف لاحقة لعملية السرقة عن أن عدداً من المقتنيات من ثلاث مجموعات من المجوهرات المرصعة بالألماس أبلغ عن سرقتها، لا تزال موجودة بمكانها. ولم يمس اللصوص سبعة مجموعات أخرى من المجموعة.
كان اللصوص قد نجحوا في الوصول إلى صندوق عرض يحوي نحو 100 قطعة، حسبما أفادت الشرطة.
وأخبرت أكرمان حشداً من المراسلين أنها تشعر «بصدمة تجاه رعونة عملية الاقتحام»، مضيفة أن المجرمين كانوا ليستولوا على مزيد من المجوهرات، لولا أن القطع مؤمنة جيداً داخل صناديق العرض.
من ناحيتها، قالت وزيرة الشؤون الفنية بإقليم ساكسونيا، إيفا ماريا، إن القطع المسروقة تعتبر «إلى حد معين مجوهرات التاج الخاصة بملوك ساكسونيا»، وأنها «تنتمي إلى ساكسونيا».
من ناحية أخرى، أعلنت مؤسسة «آرت ريكفري إنترناشونال»، التي تصف نفسها بأنها «قوة تقبع خلف الكواليس» في عالم الفن، أن المتاحف مثل متحف «القبو الأخضر» تخضع «لحصار من قبل عصابات إجرامية همجية تذيب الذهب وتقتلع الأحجار الثمينة دون مراعاة لأهمية التراث الثقافي».
وقال مؤسس «آرت ريكفري إنترناشونال»، كريستوفر مارينيلو، في تصريحات لـ«بي بي سي»، إن السرقة التي وقعت في دريسدن «سرقة بحجم ملحمي». وقالت صحيفة «بيلد» الألمانية، واسعة الانتشار، إن اللصوص استولوا على مجوهرات بقيمة مليار يورو (855 مليون جنيه إسترليني).
وقال مارينيلو: «هذه مجموعة مجوهرات كبرى وتصميمات رائعة تحتوي على ذهب وألماس وأحجار كريمة وياقوت».
وأضاف: «علمت تحديداً ما الذي سيحدث بمجرد أن علمت بما تمت سرقته ـ لن نرى مثل هذه القطع سليمة مرة أخرى».
ولا تزال تفاصيل عملية السرقة قيد التحقيق، ولم يعلن عن إجمالي قيمة المسروقات بعد.
كانت الشرطة الألمانية أعلنت، أمس الاثنين، أن الجناة تسللوا إلى غرفة الكنوز بالمتحف عبر نافذة بعدما قاموا بفصل قضبان النافذة، ثم كسر الواجهة الزجاجية لها.
في نحو الساعة الـ5، الاثنين، جرى استدعاء عمال الإطفاء للمبنى للسيطرة على حريق في صندوق كهربي مجاور. وتعتقد الشرطة أن الحريق عطل نظام الإنذار في المتحف، وأطفأ بعض أعمدة الإضاءة في الشوارع.
وتتفحص الشرطة كاميرات المراقبة التي يظهر بها اثنان من المشتبه بهم في الظلام، لكن من المعتقد تورط المزيد في الحادث. وذكرت الشرطة أن الجناة توجهوا مباشرة نحو أحد صناديق العرض الزجاجية، وقاموا بتهشيمه.
ورصدت الشرطة، عبر كاميرات المراقبة، اثنين يُشتبه بهما. وقال رئيس الشرطة الجنائية، فولكر لانجه، إنه ليس من المستبعد مشاركة جناة آخرين.
وعثر على سيارة محترقة في دريسدن، في وقت مبكر من الاثنين، وربما تكون السيارة التي استخدمها الجناة في الهرب، حسبما ذكرت الشرطة.
من ناحيتها، قالت أكرمان إن المتحف كان به حراس في نوبة عمل ليلاً.
وتوجد المجموعة داخل ثماني غرف مزخرفة داخل قصر ملكي سابق. وتعرضت ثلاث منها للتدمير بسبب قصف قوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن جرى ترميم المتحف بعد الحرب واستعاد سابق بريقه.
ويطلق على المتحف اسم «القبو الأخضر»، لأن بعض غرفه مزدانة بطلاء أخضر. وتوجد المقتنيات الأكثر أهمية داخل القسم التاريخي بالدور الأرضي من القصر.
وهناك نحو 3.000 قطعة مجوهرات ونفائس أخرى مزدانة بالذهب والفضة والعاج واللآلئ. ومن بين أهم مقتنيات المجموعة جوهرة من الألماس الأخضر عيار 41 معروضة حالياً في نيويورك.
وتأسست هذه المجموعة على يد أغسطس الثاني القوي، حاكم ساكسونيا، وهو أمير ألماني يحق له المشاركة في انتخاب الإمبراطور ـ ولاحقاً أصبح ملك بولندا.
من جهة أخرى، قال رئيس الاتحاد الألماني للمتاحف، إكارت كونه، لوكالة الأنباء الألمانية، أمس الثلاثاء، بالعاصمة برلين، «المتاحف تعد مؤسسات عامة، إننا نريد أن نكون مؤسسات عامة تسعى لجذب زائرات وزائرين... إننا لسنا صندوق أمانات».
وأضاف كونه أن هناك حالياً أيضاً «نوعاً خاصاً من الجرائم يثير القلق حقاً»، موضحاً أنه من المعتاد ألا يتدخل أفراد الأمن، ولكنه أشار إلى أن «الجناة يتصرفون أحياناً بوحشية كبيرة»، وحذر من أن احتمالية العنف صارت كبيرة، وأن «أفراد الحراسة ليسوا مقاتلين متدربين».
من جانبها، أكدت الشرطة الألمانية في مدينة دريسدن، أن البحث عن أدلة جنائية يستمر اليوم على قدم وساق.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».