حسومات قبل أوانها تكتسح المطاعم والمراكز التجارية

ترافقها شعارات وعبارات مغرية جذباً للمستهلك اللبناني

في مركز «أ. ب. ث» الأشرفية حسومات وصلت حتى 70 %
في مركز «أ. ب. ث» الأشرفية حسومات وصلت حتى 70 %
TT

حسومات قبل أوانها تكتسح المطاعم والمراكز التجارية

في مركز «أ. ب. ث» الأشرفية حسومات وصلت حتى 70 %
في مركز «أ. ب. ث» الأشرفية حسومات وصلت حتى 70 %

تجلس نتالي وصديقتها فريال في أحد مقاهي شارع «مار مخايل»، ترتشفان فنجان قهوة بعيد تناولهما الطعام مع فاتورة لم يتجاوز مجموعها الـ25 ألف ليرة. «كنا في الماضي ننتظر فترة الساعات السعيدة في المطاعم، لنأتي ونتناول طعامنا بكلفة مخفضة، وهي عادة تتبعها مختلف هذه المحلات في ساعات ما بعد الظهر، أي من الرابعة لغاية السابعة. ولكن حالياً، ومع الحسومات التي تستحدثها هذه المحلات في ظل الأزمة المالية التي نمر بها، بات الأمر ممكناً في كل يوم، وفي أي ساعة قصدناها فيها»، تعلق نتالي لـ«الشرق الأوسط».
فبدءاً من فنجان القهوة، مروراً بالأطباق الإيطالية والأميركية واللبنانية، وصولاً إلى المراكز التجارية، تشهد جميعها تخفيضات في الأسعار غير مسبوقة في لبنان خلال هذه الفترة من السنة.
وتأتي هذه الظاهرة في عدد من المناطق اللبنانية، لا سيما في مدينة بيروت، إثر تدهور الحالة الاقتصادية في لبنان، ومعاناة مواطنيه من انعكاسها عليه بصورة سلبية. وأدت هذه الأزمة إلى توقف عدد من الشركات والمؤسسات عن ممارسة عملها بشكل طبيعي، وهو ما دفع بمؤسسات تجارية أخرى إلى أخذ المبادرة من خلال تخفيض أسعارها تفادياً لنتائج مماثلة قد تواجهها في حال طالت هذه الأزمة.
فبعدما كانت الحجوزات تتكدس على لائحة الانتظار في هذا المطعم أو ذاك، وبعدما كان اللبناني ينتظر موسم عروض مواتية لجيبه، تسمح له بتناول أطباق «الديلفري» بأسعار مخفضة، شهدت هذه القاعدة تحولاً تاماً. فتكثفت الإعلانات عن حسومات على الأسعار تشهدها غالبية التطبيقات الإلكترونية الخاصة بتلك المطاعم، وبالتالي المحلات والمراكز التجارية لبيع الثياب والأحذية وغيرها، في ظل الركود الذي تشهده حالياً.
وتواكب هذه الحسومات حملات إعلانية على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ترافقها عبارات وشعارات مغرية تساهم في جذب أنظار المستهلك.
«كول لبناني وعلينا النص»، و«مع كل طبق بيتزا طبق آخر مجاناً»، و«لا تحتار نحنا منتكفل بالباقي»، و«حسم عاللقمة اللبنانية»، وغيرها، تشكل نموذجاً عن تلك العبارات التي كان اللبناني ينتظرها في مواسم معينة.
ولكن أن يطالعه بها أصحاب تلك المحلات قبيل مناسبات أعياد الميلاد ورأس السنة شكل مفاجأة له، خصوصاً أنه بات يحسب ألف حساب لكل قرش ينفقه، في ظل الأزمة المالية المتردية السائدة في البلاد.
«إننا نحاول من خلال تخفيض الأسعار كسر الشلل الذي أصاب قطاع المطاعم في الآونة الأخيرة، في ظل الحالتين المالية والميدانية غير المستقرتين، اللتين يعاني منهما لبنان في هذه الفترة»، يقول موريس، صاحب المطعم الذي يقع في منطقة الجميزة. أما توفيق الذي يأتيك صوته عبر سماعة التلفون عندما تتصل بمطعم يؤمن الوجبات الإيطالية، مع خدمة التوصيل المجاني، فيعلق: «إنها سياسة آنية يتبعها أصحاب المطعم كي نستطيع تجاوز هذه الفترة بأقل خسارة ممكنة».
ومن مطاعم «عنب» و«كاسبر أند غامبيني» و«بوفالو وينغز أند رينغز» و«بيلا نابولي» و«زيا» و«البولنجي» و«شاترز» و«نور» وغيرها، يحتار اللبناني أي طبق يختار لتناوله مع أصدقائه من خلال خدمة «الديلفري» التي تؤمنها تطبيقات إلكترونية معروفة في لبنان، وأشهرها «زوماتو» و«توترز». وفي مدينة صيدا الجنوبية، يطالعك أحد المطاعم بشعار «لأن كلنا منحب لبنان 50 في المائة حسم على اللقمة اللبنانية». ويعلق مصطفى، صاحب المطعم، لـ«الشرق الأوسط»: «اتبعنا هذه الحسومات منذ بداية الأزمة المالية التي نعاني منها، فهي جاءت نتيجة بديهية لتحريك السوق من ناحية، وللتشجيع على الدفع بالليرة اللبنانية من ناحية ثانية». ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بعد أن تفاجأنا بارتفاع أسعار اللحوم على أنواعها، قررنا حصر هذا العرض بأطباق المقبلات. وحددناها بأيام الخميس والجمعة والسبت، لأن باقي الأيام لا تشهد مدينة صيدا زحمة لافتة، في ظل الحشودات الجماهيرية الاحتجاجية في ساحاتها».
«مهما يحاولون إغراءنا ودفعنا إلى الشراء، فلا جدوى من ذلك، لأننا بتنا نفكر ملياً قبل صرفنا المال»، يعلق سليم بدوي، وهو أب لثلاثة أولاد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، فيما يشير الطالب الجامعي فادي متى، الذي التقيناه على مدخل جامعة «AUST» في الأشرفية، إلى أنّ هذه الحسومات ساعدته وزملاءه على تخطي مشكلة كبيرة كانت تواجههم في أثناء وجودهم في الحرم الجامعي: «لقد سهلت علينا تناول الطعام بكلفة أقل؛ كنا منذ فترة وجيزة نخصص لها ميزانية معينة ترهق جيبنا، لا سيما أنّنا لا نزال ندرس، ولا عمل نمارسه في المقابل».
أما المراكز التجارية الكبرى في بيروت، وبينها «أ.ب. ث» بجميع فروعها، فقد بدأت بتنزيلات صغيرة على الأسعار، استهلت بنسبة 20 في المائة الأسبوع الفائت، لتصل مع مطلع الأسبوع الحالي إلى 70 في المائة، وهو أمر يتبع عادة من قبل هذه المحلات بعيد انتهاء مواسم الأعياد. «أحاول شراء ما أحتاج إليه بالضبط، لا أكثر ولا أقل، من هدايا لأطفالي، وكان عليّ اغتنام الفرصة للتسوق مع التنزيلات الحاصلة بالأسعار»، تقول ندى التي التقيناها تتسوق في مركز «أ.ب. ث» في الأشرفية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».