وضع السيولة مطمئن في اكتتاب «أرامكو» ... والمكتتبون تجاوزوا المليونين

ملتقى مصرفي سعودي ـ إماراتي يدعم الأمن السيبراني والتوعية المالية وتقوية المنشآت

اكتتاب «أرامكو» يدخل الأسبوع الثاني.. وفي الإطار محافظ مؤسسة النقد خلال مؤتمر مصرفي سعودي - إماراتي في الرياض أمس (رويترز)
اكتتاب «أرامكو» يدخل الأسبوع الثاني.. وفي الإطار محافظ مؤسسة النقد خلال مؤتمر مصرفي سعودي - إماراتي في الرياض أمس (رويترز)
TT

وضع السيولة مطمئن في اكتتاب «أرامكو» ... والمكتتبون تجاوزوا المليونين

اكتتاب «أرامكو» يدخل الأسبوع الثاني.. وفي الإطار محافظ مؤسسة النقد خلال مؤتمر مصرفي سعودي - إماراتي في الرياض أمس (رويترز)
اكتتاب «أرامكو» يدخل الأسبوع الثاني.. وفي الإطار محافظ مؤسسة النقد خلال مؤتمر مصرفي سعودي - إماراتي في الرياض أمس (رويترز)

في وقت يستمر فيه الاكتتاب العام في أضخم طرح عالمي على أسهم شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو) في أسبوعه الثاني، أكد الدكتور أحمد الخليفي، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، أن القطاع البنكي والسيولة في المملكة متوفران، في حين كشفت رانيا نشار، نائب رئيس مجلس إدارة «مجموعة سامبا المالية»، عن تجاوز عدد المكتتبين الأفراد في «أرامكو» مليوني مكتتب حتى أمس؛ 40 في المائة منهم عن طريق فروع البنوك، فيما بلغ المكتتبون عبر الوسائل الإلكترونية 60 في المائة.
وذكر محافظ مؤسسة النقد السعودي أن وضع السيولة والأنظمة التقنية وأمن المعلومات مطمئن بشأن الاكتتاب الجاري حيث تقرض البنوك السعودية، الراغبين في شراء الأسهم في الطرح العام الأولي لـ«أرامكو» السعودية.
وقال الخليفي حول «أرامكو»: «خلال الأسابيع الماضية تأكدنا من وضع السيولة ومن وضع الأنظمة التقنية وأمن المعلومات وكلها مطمئنة الآن، وفي الوقت الحالي نراقبها بشكل يومي، وهناك أيضاً حديث مع البنوك بشكل مستمر أنه في حالة الحاجة إلى السيولة فإن مؤسسة النقد العربي السعودي، ستتدخل لدعم السيولة في حالة وجود أي ضغوط عليها».
وشدد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، في تصريحات صحافية على هامش المؤتمر المصرفي السعودي - الإماراتي في نسخته الأولى في الرياض أمس (الأحد)، على أن القطاع المصرفي بالمملكة يتمتع بمستوى عالٍ من السيولة، مشيراً إلى أن «ساما»، تراقب بشكل يومي، المؤشرات المصرفية للتأكد من سلامة وقوة الوضع المالي للبنوك.
وانطلقت أمس في السعودية ثامن أيام الاكتتاب العام في أضخم طرح عالمي بعد انقضاء أول أسبوع للاكتتاب العام لشريحتي الأفراد والمؤسسات بمؤشرات إقبال إيجابية، في وقت سيكون فيه هذا الأسبوع هو الأخير للمكتتبين الأفراد، في حين ستنعم المؤسسات بفرصة أسبوع ثالث تنتهي في الرابع من الشهر المقبل.
وبدأت البنوك المحلية في السعودية بالتأكيد على أن الفرصة لا تزال متاحة مع أخذ الاعتبار أنه لم يتبقَّ إلا القليل على إقفال الاكتتاب العام، بما في ذلك بنك الرياض الذي أطلق نشرة دعائية قال فيها: «خمسة أيام على انتهاء الاكتتاب»، داعياً إلى إمكانية الاستفادة من الاكتتاب عبر قنوات أونلاين، وأجهزة الجوال، والهاتف، والصرف الآلي وكذلك عبر الفروع.
وفي شأن متصل بطرح «أرامكو»، أوضح رئيس مجلس إدارة هيئة السوق المالية محمد القويز خلال ملتقى الإدراج الذي نظمته أمس لجنة الاستثمار والأوراق المالية بالغرفة الرئيسية بالرياض، أن طرح شركة «أرامكو» في السوق السعودية يجلب كثيراً من السيولة من المستثمرين الأجانب، مبيناً دخول ما يزيد على 82 مليار ريال من صافي الاستثمارات الأجنبية في السوق منذ بداية العام الحالي، وهذا يؤكد محافظة السوق المالية على مستوى التقييم الحالية.
من جهته، قال ‏‏‏‏‏في الملتقى ذاته المدير التنفيذي لشركة السوق المالية السعودية المهندس خالد الحصان، إن طرح شركة أرامكو سيغير من مركز «تداول» في الفترة المقبلة لتصبح ضمن أكثر 10 أسواق في العالم من حيث مستوى القيمة السوقية.
وفي جانب آخر، عقدت شركة «أرامكو» السعودية اجتماعات مع مستثمرين في دبي أمس (الأحد)، لتسويق طرحها العام الأولي في جهود لجذب استثمارات في الاكتتاب الجاري حالياً، إذ وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء، التقى مسؤولو «أرامكو» مع مسؤولين استثماريين في الخليج بينهم صندوق الثروة السيادي الكويتي، دون صدور أي بيان رسمي يؤكد ذلك.
إلى ذلك ، انطلقت أمس (الأحد)، في الرياض أعمال المؤتمر الأول المشترك بين مسؤولي البنوك في السعودية والإمارات، بتنظيم مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» بالتعاون مع مصرف الإمارات المركزي ضمن مبادرات مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي.
وتأتي مبادرة عقد مؤتمر سنوي للبنوك بإشراف الهيئات الرقابية لتحديد التحديات والفرص في القطاع المصرفي ضمن المبادرات المنبثقة عن لجنة المال والاستثمار التابعة لمجلس التنسيق السعودي - الإماراتي الذي يهدف بشكل أساسي إلى تعزيز مصالح البلدين وإيجاد فرص جديدة تحقق الرفاهية للشعبين الشقيقين، وإطلاق مبادرات مشتركة ينعكس أثرها الإيجابي على جوانب الحياة اليومية لكلا البلدين.
ويسلط المؤتمر الضوء على أهم التحديات والفرص التي تواجه القطاع المصرفي بالبلدين في مجالات الأمن السيبراني، والتوعية المالية والتقنية المالية، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ولفت الخليفي، في كلمة ألقاها، إلى أن هذا المؤتمر، يعدّ إحدى مبادرات المظلة الاستراتيجية «خلوة العزم» المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي الذي تندرج تحت مظلته جميع مجالات التعاون والعمل المشترك بين البلدين ضمن اتفاقية تهدف لإيجاد نموذج استثنائي للتكامل والتعاون على المستويين الإقليمي والعربي عبر تنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة.
وأكد الخليفي أن القطاع المصرفي في المملكة يتسم بقدرٍ كبيرٍ من الملاءة المالية والكفاءة التشغيلية والسيولة العالية، ويخضع لرقابة لصيقة وإشراف فاعل من قبل مؤسسة النقد، مشيراً إلى أن من المهام الحيوية للقطاع المصرفي ما تقدمه المصارف من تسهيلات ائتمانية للقطاعين الخاص والعام التي شهدت نمواً ملحوظاً في السنوات الماضية.
وأفاد بأن مؤشرات السلامة المالية قوية مقارنة بمتطلبات «بازل» والمعايير الدولية في مختلف المجالات، ومنها: معدل كفاية رأس المال، والقروض المتعثرة أو المشكوك في تحصيلها، ومستويات السيولة التي تُعدّ ضمن مستويات عالية جداً مقارنة بالحد الأدنى المطلوب حسب معايير لجنة «بازل».
وبيّن الخليفي أن المملكة تعد رابع أكبر شريك تجاري للإمارات على مستوى العالم، والأول على المستويين الخليجي والعربي، حيث بلغت قيمة الحوالات الصادرة إلى الإمارات خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019 نحو 71 مليار ريال (18.9 مليار دولار)، في حين بلغت قيمة الحوالات الواردة خلال الفترة ذاتها 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار)، بقيمة إجمالية تساوي 91 مليار ريال (24.2 مليار دولار).
وأوضح الخليفي أن مؤسسة النقد سنّت تشريعات للبنوك العاملة في المملكة بهدف تشجيع تمويل تلك الفئة، مشيراً إلى أنه من جهود المؤسسة لتعزيز تمويل هذا القطاع، تشكيل لجنة تهدف إلى دراسة سُبل دعم القطاع ورفع التوصيات التي من شأنها تعزيز دور المؤسسات المالية التي تشرف عليها المؤسسة.
ومن جهود «ساما»، وفق الخليفي كذلك، توحيد التعريف للمنشآت الصغيرة والمتوسطة واستحداث قطاع آخر يكتسب أهمية كبيرة «متناهية الصغر»، مبيناً أن حجم التسهيلات المقدمة إلى قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر خلال الربع الثاني لعام 2019، بلغ نحو 113 مليار ريال (30.1 مليار دولار).
وعلى صعيد مجال الأمن السيبراني، أكد الخليفي، أن هذا المجال يُعدّ إحدى أهم أولويات «ساما»، منوهاً بأن النهج الذي تتبعه في هذا المجال أدى إلى رفع درجة التزام المملكة ونظامها المالي بمتطلبات ومعايير الأمن السيبراني، حيث ركّزت «ساما» على طرق الوقاية والحماية، إضافة إلى الإجراءات المستمرة للفحص وتقييم المخاطر.
وحول أهم جهود مؤسسة النقد في تعزيز الشمول المالي والتثقيف المالي، لفت الخليفي إلى تدشين مبادرة شاملة تحمل اسم «ساما تهتم» وتستهدف 3 محاور أساسية؛ وهي حماية العملاء، والثقافة المالية، والشفافية والإفصاح.
وتضمنت هذه المبادرة وفق الخليفي، إطلاق نظام آلي لإدارة علاقات العملاء ورفع مستوى الثقافة المالية للأفراد وتعزيز ثقافة الادخار وتوعيتهم بحقوقهم ومسؤولياتهم، حيث تم تدشين مبادرة تقديم الخدمات المصرفية عبر الوكلاء لزيادة مستوى الحصول على الخدمات المالية وتنويع قنوات الوصول إليها.
وقال الخليفي: «إن من أهم الأهداف التي تسعى مؤسسة النقد إلى تحقيقها ضمن إطار برنامج تطوير القطاع المالي؛ ما يتمثل في تقليل الاعتماد على تداول النقد، من خلال التطوير المستمر للبنية التحتية لأنظمة المدفوعات الوطنية بهدف تسهيل التحول إلى بيئة رقمية للمدفوعات، وهو ما يصبّ وبشكلٍ مباشرٍ في تشجيع التوجه نحو مجتمع غير نقدي».
وشدد على تشجيع الابتكار في القطاع المالي من خلال دعم مبادرة «فنتك السعودية» التي أطلقتها مؤسسة النقد العام الماضي لتكون حافزاً لتطوير قطاع التقنية المالية وتمكينه بشتى الوسائل، لتصبح المنطقة منصة ابتكارية ومركزاً رئيسياً للتقنيات المالية حول العالم بوجود منظومة ناجحة يقودها أصحاب المصلحة المحليون والدوليون، وذلك من خلال جميع الجهات الحكومية والخاصة التي ستشجع ثقافة الابتكار.
وبيّن أن رؤية مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي، ترتكز على إيجاد نموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين المملكة والإمارات على المستويين الإقليمي والعربي عبر تنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة، لتوفير الرخاء لشعبي البلدين.
من جهته، قال مبارك المنصوري محافظ مصرف الإمارات المركزي في كلمة أمام المؤتمر، إن «الارتباط العميق بين دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية من شأنه أن يُعزز من تطوير مبادرات استراتيجية مشتركة تهدف إلى استمرار التعاون والتكامل في كثير من المجالات بين البلدين بما فيها التمويل والاستثمار والأنشطة المصرفية وغيرها».
وشدد على ترسيخ التعاون بين البنوك الإماراتية والسعودية، وتسليط الضوء على التحديات وسبل مواجهتها في مجال الأمن السيبراني، والتقنية المالية، ودعم وتمويل المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، واغتنام فرص التمويل والاستثمار في كلا البلدين فيما ينتقلان باقتصادهما إلى حقبة «ما بعد النفط»، حيث تتشارك الدولتان الرؤى بعيدة المدى لخلق مستقبل أكثر إشراقاً وفق رؤية الإمارات 2021، ورؤية المملكة 2030.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».