على أنغامٍ موسيقيّة غربية يتجمّع عند كل مساء جديد، عددٌ من الشباب القاطنين في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ممن يطلقون على نفسهم اسم «كامبس بريكير»، ويعني «كاسرو الحواجز والعوائق»، في ساحة فسيحة تقع على مقربة من قلب المخيم، ويشرعون بالتمايل والرقص بطريقة احترافية، تشدّ انتباه العابرين والسكان، الذين صاروا يعلمون جيداً أنّ ما يمارسونه هو فن «البريك دانس»، أو ما يعرف عالمياً بـ«الهيب هوب».
وبدأ أعضاء تلك المجموعة تدريباتهم قبل عدّة سنوات، وكانت الأزقة في البداية هي مكانهم، وتطوروا بعد ذلك وأسسوا مدرسة متخصصة في تعليم «الرقص المعاصر» لأبناء المخيمات واختاروا من مخيمهم مقراً لها. يقول أحمد الغريز وهو المؤسس الرئيسي، لـ«الشرق الأوسط»: «انطلقنا لأجل الشباب والناس، الذين يعشقون تفاصيل الفرح هنا، ويصرّون على الحياة رغم القسوة».
ويذكر أنّ فنّهم لا يختلف كثيراً عن رقص «الهيب هوب»، الذي صُمم في الأصل للتفريغ النفسي والمرح، لافتاً إلى أنّ ظهوره بدأ بغزة عام 2001. وتطور سنة 2004. وتمّ تأسيس الفريق الذي خلط الناس في البداية بين ما يقدمه وبين الفلكلور الفلسطيني، فكثيرون رأوا أنّه تجاوزٌ لفن الدبكة وتمرد على تراث الأجداد.
لا يمضي نهار دون أن يكون أحمد وفريقه قد نثروا الفرح برقصاتهم وأدائهم، في أرجاء شوارع المخيم وبين أهله، الذين باتوا ينتظرون عروضهم بشغفٍ على أحر من الجمر. ويضيف الغريز: «ليس غريباً على الشّعب الفلسطيني تطويع كلّ الفنون الموجودة في العالم، لخدمة قضيته ولنصرة وجعه وآلامه».
مرّاتٌ كثيرة حاول فيها أعضاء الفريق الذين تقع أعمارهم بين الـ7 و25 عاماً، السفر خارج القطاع لتمثيل فلسطين في مناسبات ومحافل مختلفة، ولم ينجحوا إلّا في واحدة بسبب إغلاق المعابر المستمر الذي يقف دائماً في طريقهم، لكنّهم ورغم ذلك ما زالوا يمتلكون شغف الرقص وحبّ الحياة، وهم على يقين بأنّ السنوات المقبلة ستحمل لهم آمالاً جديدة ومستقبلاً أفضل يتحررون ضمنه من كلّ القيود، كما يقولون.
واستخدم «الراقصون» مواقع الإنترنت بما تحتويه من فيديوهات ومواد تعليمية، لتطوير أدائهم في ذلك المجال، كما أنّهم تواصلوا مع عدد من الخبراء في الخارج وأجروا معهم حوارات مطولة في تفاصيل الفن، واكتسبوا منهم مهارات زادت من مستواهم، الذي صار يحوز على إعجاب كل من يلتف حولهم. وينبّه الغريز إلى أنّ ذلك الفن ساعدهم على مستواهم الشخصي في زيادة الرياضات المختلفة وممارستها، وحفزهم كذلك على فكرة العمل الجماعي والتطوعي.
وعلى ذلك يضرب الغريز الملقب بـ«شَارك» قائلاً: «على مدار يومين في الأسبوع ينزل الفريق إلى المخيم وينظم حملة تطوعية تستهدف تنظيف الشوارع وتزينيها»، ويزيد: «بدأنا تقديم العروض بصورة رسمية عام 2015. في الاحتفالات العامّة والمناسبات الاجتماعية، وبعدها تمكّن بعض أعضاء الفريق من السفر لأوروبا وقدموا هناك عروضاً تعبّر عن فلسطين وحواجزها وحصارها».
وحتّى هذه اللحظة درب الفريق من خلال مدرسته التي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى قطاع غزة، أكثر من خمس مجموعات، وكل منها تضم نحو عشرة أشخاص. وينوه الغريز إلى أنّ الشخص الذي يرغب في خوض هذا المجال، عليه التمتع بعدد من الصفات أهمها اللياقة البدنية، وسرعة البديهة التي تمكّنه من الربط بين الأغنيات التي يسمعها والحركات التي يؤديها بدقة عالية.
وبالنسبة لتأخر إبراز الفن للناس وشيوعه على نطاقٍ واسع في جميع المخيمات، يوضح خلال حديثه، أنّ الإمكانات وقفت في طريق ذلك، مشيراً إلى أنّ البيئة المجتمعية في القطاع بشكلٍ عام، تنقسم إلى جزأين في كيفية النظر لهذا النوع من الفنون، فمنهم من يرى فيه شكلاً جديداً من أشكال الانتصار على الواقع والحصار، وآخرين لا يتقبلونه بدعوى أنّه منقول من بلاد الغرب وغير مناسب للعادات والتقاليد العربية.
وفن «الهيب هوب» هو أحد أنواع الموسيقى في الولايات المتحدة الأميركية، حيث نشأ في عام 1970. تعبيراً عن حركة ثقافية للسود أو الأميركيين الأفارقة، الذين كانوا يتعرضون للعنصرية. وجاء ردة فعل للاضطهاد الذي عاشوه، إضافة إلى تصنيفه كنوع من أنواع التعبير عن النفس ضدّ المشاكل المجتمعية مثل الفقر والبطالة والعنصرية والظلم، وبعد ذلك أصبح فن «الهيب هوب»، ثقافة وفناً مستقلاً، له مرتادوه حول العالم.
أبناء مخيمات من غزة يبدعون برقص «الهيب هوب» في الشوارع
دمجوا قضايا الفقر والبطالة والحصار في عروضهم
أبناء مخيمات من غزة يبدعون برقص «الهيب هوب» في الشوارع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة