نازحون عراقيون يقيمون مراسم زفافهم في مدارس العاصمة بغداد

ردا على إرهاب «داعش» ورغبة في مواصلة الحياة

مراسم زواج لمحمد وريم
مراسم زواج لمحمد وريم
TT

نازحون عراقيون يقيمون مراسم زفافهم في مدارس العاصمة بغداد

مراسم زواج لمحمد وريم
مراسم زواج لمحمد وريم

لم تجد عائلة الشاب الموصلي محمد عارف حرجاً من إعلان زفاف ولدهم من داخل مدرسة في العاصمة بغداد كانوا قد نزحوا لها وسكنوا إحدى صفوفها مع مجموعة كبيرة من النازحين الفارين من إرهاب «داعش». الحفل الذي حضره العشرات من أهالي المنطقة وهيأوا كل متطلباته وحضرته وسائل الإعلام كان ردا عنيفاً لإرهاب «داعش» وهو يشيع الموت والدمار، بحسب قول العريس.
العريس محمد الذي توسط «كوشة العرس» المزينة بالأشرطة الملونة داخل قاعة المدرسة مع زوجته ببدلتها البيضاء ويحيط به أهله، أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لم أكن أتصور أن حفل زفافي سيكون في مدرسة، بعيدا عن مدينتي، ووسط كل الخراب الذي خلفه إرهاب (داعش)، لكن رغبة أهلي وأهل خطيبتي بتحدي كل تلك الظروف، وهمة أهالي منطقة السيدية (جنوب غربي بغداد) التي استقبلتنا وتشجيعهم لنا بتحمل كل تكاليف العرس كانت حافزا لنا كي ندشن حياتنا الزوجية ونتغلب على كل الصعاب».
وأضاف: «لم أشعر أني في غير بيتي، وفرحت لحفل الزفاف الذي صار مميزاً ويحمل تحدياً جميلاً للإرهاب».
وتمنى العريس محمد وزوجته ريم أن تحمل الأيام المقبلة أخبارا مفرحة بالخلاص من الإرهاب والعودة لمدينتهم من جديد.
حفل زفاف محمد لم يكن الأول، فلقد شهدت قبله مدينة الناصرية أول حالة زواج لعروسين نازحين من مدينة الموصل أيضا في حفل نظمته لجنة إغاثة النازحين الشعبية في ذي قار، في تجسيد حي على اللحمة المجتمعية بين أبناء الشعب العراقي، وكذلك شهدت مدينة الصدر (شرق بغداد) حفل زفاف أحد المهجرين من ناحية برطلة شرقي الموصل نظمه المسؤولون المحليون وأهالي المنطقة الذين عزموا بعدها على إقامة عرس جماعي للراغبين من أبناء المهجرين والبالغ عددهم نحو أربعة آلاف مواطن.
ولعل المثير في حفل زفاف النازحين أن إحدى الصفوف المدرسية جرى إعدادها لتكون غرفة العرس وتأثيثها بأثاث جديد يلائم ذوق العرسان وهم يبدأون حياتهم الزوجية في مدرسة، في خطوة أولى حتى يتم تهيئة أماكن جديدة للنازحين مع بداية العام الدراسي الجديد في العراق.
رئيس لجنة المهجرين والمهاجرين قاسم عبد الزهرة السوداني، قال: «في ظل الظروف الصعبة التي يعانيها النازحون، حاولنا التخفيف منها بتوزيع بعض المساعدات عليهم وإيجاد أماكن ملائمة لسكنهن إضافة إلى الاستعداد لإقامة حفل زفاف جماعي نتولى فيه تهيئة غرفة نوم للعرسان وإقامة حفل زواج وحجز ليلة واحدة في أحد الفنادق الفخمة، فضلا عن أنه سيقوم بحملة ختان للأطفال المستحقين وتوزيع لعب الأطفال والألبسة بينهم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».