الانتفاضة الإيرانية تهزّ النظام رغم انتظارها تبلور قيادة موحّدة

قراءة وسط اتساع الاحتجاجات الشعبية وارتباك السلطة

الانتفاضة الإيرانية تهزّ النظام رغم انتظارها تبلور قيادة موحّدة
TT

الانتفاضة الإيرانية تهزّ النظام رغم انتظارها تبلور قيادة موحّدة

الانتفاضة الإيرانية تهزّ النظام رغم انتظارها تبلور قيادة موحّدة

على مدار العقود الأربعة الماضية، أي منذ تأسيس آية الله الخميني الجمهورية الإسلامية في إيران، لم يكن يمر عام من دون أن تشهد البلاد مظاهرة أو مسيرة أو احتجاجاً لدى بعض شرائح المجتمع الإيراني. وتوثق قائمة من إعداد الباحث الإيراني باري صحابي، اندلاع ما لا يقل عن 800 حالة احتجاج ضمت أكثر من 1000 مواطن منذ عام 1979. ولقد اشتملت القائمة على العديد من الشرائح والطبقات الاجتماعية التي تضم المزارعين، وعمال النقل، وعمال المناجم، والمعلمين، والجماعات العرقية، والناشطات في قضايا حقوق المرأة، والمعارضة الدينية، والمواطنين الذين فقدوا مدخراتهم، أو غيرهم ممن تعرضوا لعمليات الاحتيال الاقتصادي التي غالباً ما تشارك فيها عناصر مؤيدة للنظام الحاكم.

هناك تساؤل مطروح للنقاش في الدوائر السياسية في طهران، مع استمرار الاضطرابات الشعبية في إيران: ما الذي يحدث بالفعل هناك؟
على الرغم من أن الاحتجاجات ليست من الظواهر نادرة الحدوث في إيران الخمينية، فإن الموجة الراهنة منها سببت هزّات صادمة وعنيفة لدى النخبة الإيرانية الحاكمة أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات الـ40 الماضية، ولكن لماذا؟
لا تبدو الاحتجاجات الراهنة في حجم شيوع أو انتشار الانتفاضة التي عمت أرجاء إيران في شتاء عام 2017 - 2018 الماضيين، ومن المؤكد أنها ليست ذات دوافع سياسية على غرار «الحركة الخضراء» التي شهدتها البلاد قبل 10 سنوات. إلا أن وزارة الداخلية الإيرانية تقرّ بأن الانتفاضة الحالية شملت 110 مدن وبلدات من أصل 1080 تحمل تصنيف المدن والبلدات في إيران، بمعنى أنها في الأماكن التي يتجاوز عدد سكانها 10 آلاف مواطن أو أكثر.
حتى الآن، لم يصدر حصر رسمي بشأن أعداد الوفيات في الانتفاضات الأخيرة. وكانت السلطات الإيرانية، في بداية الأمر، قد أشارت إلى سقوط نحو 30 قتيلاً في المظاهرات، غير أنها تراجعت بعد ذلك، وقالت إنه من غير المسموح الإعلان عن أي أرقام على المستوى المحلي. مع هذا، تقدر منظمة العفو الدولية عدد القتلى في المظاهرات الإيرانية خلال الأسبوع الأول منها بأكثر من 100 قتيل. وتقول مصادر موثوقة إن لديها قائمة بأسماء 57 مواطناً إيرانياً لقوا حتفهم في 14 بلدة، فضلاً عن تقارير إخبارية أخرى تفيد بمقتل 80 مواطناً آخرين، ولكن من المستحيل الآن التأكد من وفاتهم. بعبارة أخرى، حتى مع افتراض أكبر عدد ممكن من الوفيات، فإن الانتفاضة الحالية لم تكن دموية على غرار الحالات السابقة من الانتفاضات الإيرانية الأخرى.

هزّة سياسية وأرقام

في الانتفاضات الأخرى، بلغت حالات الوفيات أكثر من 1000 قتيل، مع أرقام للمعتقلين في انتفاضة عام 2017 - 2018 تجاوزت 10 آلاف مواطن جرى احتجازهم لفترات زمنية متفاوتة.
مع ذلك، يبدو أن النظام الإيراني الحاكم يعاني من زلزلة شديدة الآن أكثر من أي وقت مضى. إذ ظهرت، للمرة الأولى على الإطلاق، انقسامات واضحة في الرواية الرسمية للأحداث الراهنة. فإحدى الروايات الرسمية، التي روّج لها الفصيل الموالي للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، تفيد بأن الأمر برمته ليس إلا مؤامرة أجنبية خبيثة تشمل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل وبلداناً عربية مختلفة. وهناك رواية أخرى صادرة عن وسائل الإعلام، التي لا تزال تحت سيطرة الفصيل الموالي للرئيس حسن روحاني، تقول بأن المظالم الشعبية الإيرانية لها ما يبررها على اعتبار أنها واحدة من بين أسباب الانتفاضة، وتحاول تمييز «المحتجّين الحقيقيين» عن المتظاهرين من «أصحاب النوايا الخبيثة».
كذلك، أعربت النخبة الإيرانية الحاكمة عن مخاوفها الواضحة من خلال لعبة «لست أنا الفاعل»، فيما يتعلق بقرار مضاعفة أسعار الوقود ثلاث مرات دفعة واحدة، ما أدى إلى اندلاع المظاهرات العارمة في البلاد. وافتتح الرئيس روحاني اللعبة بالزعم أن القرار قد اتخذ من جانب لجنة حكومية ثلاثية برئاسته، وعضوية رئيس هيئة القضاء آية الله إبراهيم رئيسي، وعضوية رئيس البرلمان علي أردشير لاريجاني. ومع ذلك، نفى رئيسي ولاريجاني تلك الأنباء، زاعمين أنهما أُبلغا فقط بالقرار الرئاسي المنفرد بشأن رفع أسعار الوقود، وأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يسمح للجهاز القضائي، ولا للجهاز التشريعي، بالتدخل في المسائل ذات الصلة بالسلطة التنفيذية في الدولة.
ولمواصلة تبادل إلقاء الاتهامات واللوم، قامت الحاشية المُلاصقة للرجال الثلاثة بتعميم رواية أخرى تفيد بأن القرار الحكومي الأخير نال استحسان المرشد الأعلى علي خامنئي. وأثار ذلك التصريح ردود فعل غاضبة من جانب حاشية خامنئي التي زعمت أن المرشد الأعلى لم يشارك على نحو مباشر في اتخاذ القرار الحكومي الأخير. وفي وقت لاحق، زعم خامنئي بنفسه أنه لم يكن لديه علم مسبق بذلك القرار، وأنه لا يملك الخبرة الكافية في مثل تلك الأمور الاقتصادية، بيد أنه لم يعترض على القرار حين صدروه.

انتشار الخوف

هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها كبار صناع القرارات السياسية في طهران النأي بأنفسهم تماماً عن أي خطوة لا تحظى بالشعبية في إيران، وهذه إشارة واضحة إلى خشيتهم من عواقب الأمور كما حدث.
ونظراً لأن الخوف يملك المقدرة على التوالد والتكاثر، فإنه سرعان ما انتشر إلى قطاعات أخرى من النظام. إذ أصدر أربعة، من آيات الله التسع الذين يشكلون «مجلس العلماء» الموالي للنظام في مدينة قُم، بياناً شجبوا فيه بقوة القرار الحكومي بزيادة أسعار الوقود، ودعوا الحكومة إلى إعادة النظر في القرار الأخير. وهذه أيضاً هي المرة الأولى التي يعارض فيها آية الله صافي كلبايكاني (غولبايغاني) وآية الله علوي كركاني (جرجاني) وآية الله جوادي آملي وآية الله مكارم شيرازي، علانية، أحد القرارات الحكومية الصادرة عن السلطة مما كان المرشد الأعلى قد أقره بنفسه لاحقاً.
هذا، وصار من الواضح للعيان ذلك الانقسام الذي يشوب رجال الدين الرسميين الموالين للنظام الحاكم في إيران، الذين يقدر عددهم بنحو 6 آلاف من آيات الله والملالي من مختلف الدرجات والمستويات في عموم إيران، لا سيما مع انضمام بعض أئمة صلوات الجمعة إلى المظاهرات في البلدان والمدن الصغيرة، منها شهريار القريبة من العاصمة طهران، وسيرجان في الجنوب الشرقي من البلاد، داعين إلى إلغاء القرار الحكومي الأخير.
كذلك أشاعت التقارير الإخبارية المتنوعة قدراً من المخاوف بين صفوف الحكام في طهران، لا سيما تلك التي تفيد بأن قوات الأمن الإيرانية انضمت إلى صفوف المحتجّين، وسمحت لهم بكل بساطة بالسيطرة على المباني التابعة للحكومة في بعض المدن والبلدات، منها بوشهر وزنجان وجهروم. وفي بوشهر وماهشهر، في محافظة خوزستان (عربستان)، دخل الموظفون الحكوميون في إضراب غير رسمي عن العمل، وأعلنوا عن انضمامهم لصفوف المتظاهرين. وسرت مشاعر الخوف أيضاً بين أروقة البرلمان الإسلامي الإيراني عندما قدّم خمسة من أعضاء المجلس على الأقل استقالاتهم من مناصبهم تأييداً لمواقف المحتجين. وفي خطوة رمزية أخرى، دعا بعض أعضاء المجلس إلى عزل رئيس البرلمان لمشاركته المزعومة في اتخاذ قرار رفع أسعار الوقود، بصفة منفردة، من دون مشورة البرلمان.
من جهة ثانية، ساهمت الحكومة الإيرانية في بث مشاعر الخوف والذعر من خلال إلغاء كل مباريات كرة القدم، ومنع الحفلات الموسيقية، وقطع الاتصال بشبكة الإنترنت، وإجبار «المجاهدين» الأجانب الموجودين في طهران حالياً - لحضور مؤتمر «الوحدة الإسلامية» - على سرعة مغادرة البلاد. وكانت هناك جماعة من «الجهاديين» الأتراك، تحت قيادة المدعو محمد قره ملاّ، قد نُقلوا بالحافلات إلى المطار أثناء توجههم لزيارة قبر الإمام الخميني قرب طهران. كذلك أدى الإعلان عن حظر كل رحلات السفر إلى العراق إلى زيادة الخوف من اهتزاز نظام طهران بسبب الانتفاضات التي اندلعت في الداخل الإيراني وفي العراق. وسادت حالة من الارتباك داخل أروقة النظام الإيراني أثناء بحثه المستمر عن الأعذار والمبرّرات التي أدت إلى اتخاذ القرار المفاجئ بزيادة أسعار الوقود.

روحاني وأعذار السلطة

كان العذر الأول، الذي صدر عن الرئيس حسن روحاني، يتمثل في أن الحكومة في حاجة ماسة إلى توفير الموارد المالية الإضافية لتأمين حزمة المساعدات لـ60 مليون مواطن، أي ما يشكل نسبة 70 في المائة تقريباً من تعداد السكان، ممن يعيشون تحت خط الفقر في إيران. ومن شأن الإيرادات الإضافية المنشودة أن تمكن الحكومة من سداد مبلغ 110 دولارات في العام لـ18 مليون عائلة من العائلات الإيرانية الفقيرة. وكان المبرّر الشائع أن الذين يعارضون قرار رفع أسعار الوقود يمثلون نسبة 30 في المائة من الطبقة الوسطى المعتدلة مالياً في البلاد. وجاء في تصريح لروحاني قوله «نعلم من هم نسبة الثلاثين في المائة، كما نعلم أنهم يعيشون حياة طيبة ولا يهتمون بشؤون الآخرين».
إلا أن بعض الشخصيات النافذة في النظام الإيراني عارضت مزاعم الرئيس. ففي اجتماع المجلس الأعلى للثورة الثقافية الإسلامية، فوجئ روحاني بهجوم من طرف حسن رحيمبور أزغدي، العالم الديني الإيراني، وأحد منظّري الثورة الإسلامية والمقرّبين من خامنئي، اتهمه فيه «بمحاولة تقسيم الأمة على أساس الدخل الفردي». ووفقاً للتقارير الواردة عن بعض الحاضرين في الاجتماع، فإن أزغدي قال إن المهم في البلاد ليس ما يكسبه المواطن من دخل شهري أو سنوي، بل مدى التزامه بالإسلام الصحيح. وانتهى الاجتماع بفوضى عارمة، قرّر روحاني على أثرها المغادرة بعد نوبة غضب واضحة.
وفي اليوم التالي، تقدّم علي ربيعي، المتحدث الرسمي باسم رئيس الجمهورية، بتفسير جديد قال فيه إن قرار مضاعفة أسعار الوقود إنما اتخذ لتلبية الالتزامات الإيرانية بموجب «اتفاقيات باريس» بشأن التغيرات المناخية. وقال ربيعي في تصريحه، «نحن في حاجة ماسة إلى إنقاذ الكوكب. ومن أجل ذلك علينا خفض الاستهلاك العام من الوقود، لا سيما البنزين، من 110 لترات إلى أقل من 90 لتراً أو أدنى». وسرعان ما تحرك خامنئي، الذي زعم أنه وجّه الأوامر إلى الحكومة بخفض استهلاك البنزين إلى نحو 65 مليون لتر، لتأييد مزاعم ربيعي بصورة غير مباشرة، إذ قال: «لسنا في حاجة إلى إهدار الكثير من موارد الوقود والطاقة».

ارتباك حكومي كبير

في إشارة أخرى على الارتباك الواضح، حذرت وزارة الاقتصاد الإسلامي الإيرانية من مخاطر التضخم المفرط الناجم عن ارتفاع أسعار الوقود. ومع معدلات التضخم التي تحوم حول 40 في المائة خلال العام الحالي، من شأن الارتفاع في أسعار الوقود أن يزيد من تفاقم وتعقيد الأوضاع. ومع ذلك، عارض بنك إيران المركزي تلك المزاعم قائلاً إن ارتفاع الأسعار من شأنه الإسهام بنسبة لا تتجاوز 3.5 إلى 4 في المائة من معدل التضخم. وفي إشارة أخرى إلى الارتباك الحكومي في إيران، أعلن رضا أردكانيان وزير المياه والطاقة الإيراني، أن قرار رفع أسعار الكهرباء والمياه قد تأجل لمدة عام كامل لمنع معدلات التضخم من مواصلة الارتفاع.
في أي حال، يبدو أن النخبة الإيرانية الحاكمة عاجزة عن تحديد تشخيص معين لاندلاع الاحتجاجات الجماهيرية الكبيرة. فهي تجهل ببساطة ماهية التهديدات التي تتعامل معها.
أيضاً، اتسمت ردود فعل النظام بالتناقض الصارخ. وجرى في بعض الحالات الاستعانة بالقوة الأمنية المفرطة من دون الحاجة الماسة إليها. فعلى سبيل المثال في شهريار قرب طهران، وصلت قوة أمنية مكونة من ألفي ضابط وجندي إلى البلدة، وبلغت حالة من الهستيريا في التعامل مع الأوضاع، الأمر الذي أسفر عن اشتباكات خطيرة كان من الممكن تفاديها بكل سهولة. وفي أماكن أخرى مثل مدينة شيراز، عاصمة إقليم فارس، تخيّرت قوات الأمن ألا تمارس القوة المفرطة، وكانت «القوات الخاصة» التي أرسلت من طهران قد وصلت في وقت متأخر، وتعيّن عليها الاشتباك لاستعادة السيطرة على المباني الحكومية التي استولت عليها جموع المتظاهرين.
من ناحية ثانية، اتسمت الاحتجاجات الشعبية، التي جرى تنظيمها وترتيبها بصورة جزئية عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، بقدر معتبر من الابتكار. ففي بداية الأمر، جرى التركيز على المدن والبلدات الصغيرة والمتوسطة. وذلك لأن النظام الإيراني يعتمد سياسة أمنية تدور حول الافتراض بأن طهران هي الأهم إلى جانب عدد من المدن الرئيسية الأخرى، وخصص لأجل ذلك ما يقدر بنحو 600 ألف من أفراد الخدمة الأمنية من الرجال والنساء هناك. وفرض الاضطرابات في أكثر من 100 بلدة ومدينة صغيرة، وفي الحالة الراهنة يمكن القول بأكثر من 300 بلدة دفعة واحدة، يجعل من العسير على النظام الحاكم فرض الأمن والحفاظ على السيطرة على الصعيد الوطني بأسره. والأسوأ من ذلك، أن تكتيكات المعارضة الحالية تهدف إلى إجبار النظام الحاكم على تخفيف الدفاع عن العاصمة طهران والمراكز الإقليمية الرئيسية الأخرى ما يجعلها معرّضة لموجة ثانية من الاحتجاجات الشعبية.
ونظراً لأن السياسات الإيرانية كانت تتمحور على الدوام حول طهران، على الأقل منذ بدايات القرن العشرين، فلن يمكن لأي نظام حاكم في طهران البقاء من دون بسط السيطرة الكاملة على العاصمة. وحالياً ستحتاج العاصمة الإيرانية، التي يزيد تعداد سكانها على 15 مليون نسمة، إلى قوة تأمين أمنية تضم ما لا يقل عن 100 ألف جندي للحؤول دون السيطرة عليها من قوة المعارضة جيدة التنظيم، وإن كانت أصغر عدداً من ذلك بكثير. وعندما يكون النظام متمتعاً بقاعدة قوية من الدعم الشعبي، يمكنه الاعتماد على جزء من السكان في مساعدة قوات الأمن الحكومية في مواجهة مجموعات المعارضة. أما الآن، بسبب الصعوبات الاقتصادية المتزايدة والفساد الرسمي المتفشي في مختلف المجالات، لا يستطيع النظام الإيراني الاتكال على مثل هذا السيناريو.
لقد احتاج النظام الإيراني لستة أيام كاملة من بدء الاحتجاجات الجارية لمحاولة تنفيذ أحد أساليب السيطرة القديمة: أي تنظيم المسيرات الشعبية المؤيدة له. ورغم مناشدة روحاني «أبناء الثورة الإسلامية» الخروج والمسير، وإظهار بأسهم وقوتهم، فإنه، حتى يوم الأربعاء الماضي، لم يستطع إلا الإشادة بثلاث مدن إيرانية، هي تبريز وزنجان وشهركُرد، لتنظيمها مسيرات شعبية مؤيدة للنظام. بل حتى هنا، أفادت بعض المصادر المطلعة في مدينة تبريز، ذات المليون نسمة تقريباً، أن عدد المشاركين في المسيرة المؤيدة للحكومة بالقرب من السوق المركزية لم يتجاوز 500 من المشاركين. ووفقاً للتقارير الإخبارية، التي لم تتمكن من تأكيد خطط المسيرات الشعبية في العاصمة طهران، بصورة مستقلة، ألغيت المسيرات المماثلة في مشهد وأصفهان (ثاني وثالث أكبر مدن إيران) خشية أن تتحول إلى معارضة النظام والاحتجاج عليه. أما اختيار مدينة زنجان لتنظيم مسيرة مؤيدة للحكومة، فكان مثيراً للاهتمام من زاوية أن المدينة نفسها كانت قد شهدت قبل أربعة أيام انضمام قوات الأمن المحلية إلى المتظاهرين المحتجين ضد النظام.
أخيراً، في حين أن وزارة الداخلية ومؤسسة الرئاسة الإيرانيتين قد بثتا مزاعم تفيد بأن الاحتجاجات عفوية وعشوائية وغير منظمة إلى حد كبير، وتفتقر إلى القيادة الواضحة، فإن «الأمن الإسلامي»، الخاضع لسيطرة «الحرس الثوري الإيراني»، يزعم أن الاحتجاجات الحالية جرى التخطيط لها بعناية خارج البلاد، وهي تحت قيادة سبعة من الرجال تم تحديد هوياتهم، وإلقاء القبض عليهم في طهران. كذلك تزعم مصادر «الأمن الإسلامي» أن كل أعضاء مجموعة «المخرّبين السبعة» يحملون جوازات سفر ألمانية وأفغانية وتركية.

اتهامات النظام شملت أسرة الشاه ومناصريها

> اتهم المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بنفسه، أسرة الشاه الراحل محمد رضا بهلوي، بالتعاون مع منظمة «مجاهدي خلق»، الناشطة في المنفى، في التحريض على الانتفاض ضد النظام الخميني القائم.
غير أن الأمير رضا بهلوي، ولي عهد الشاه الإيراني الأسبق، أعلن في رسالة بعث بها بعد خمسة أيام من اندلاع الانتفاضة الحالية، أنه يؤيد الاحتجاجات ضد النظام الإيراني، لكنه لم يزعم المطالبة بقيادة تلك الاحتجاجات. وللعلم، شهدت بعض المدن الإيرانية، مثل بوشهر (المطلة على الخليج) وساري (عاصمة مازندران بشمال البلاد على بحر قزوين)، هتافات وشعارات مؤيدة لأسرة بهلوي، ووصفت الملك رضا بهلوي، مؤسس الأسرة الحاكمة، بـ«الرجل العظيم».
أيضاً، ظهرت شعارات من شاكلة «أين أنت يا رضا بهلوي؟» على بعض الجدران في العاصمة طهران. أما بالنسبة إلى منظمة «مجاهدي خلق»، فإن الأساليب المستخدمة في مسيرات بعض الأماكن، كمسيرات مدينة أصفهان، على سبيل المثال، لم تتغير بصمتها منذ سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من ذلك، مما تجمع لناشطين جيّدي الاطلاع من أدلة وتقارير وإفادات، يبدو أن الانتفاضة الشعبية الحالية خلفها قادة محليون قادرون ومستنيرون، وتتمتع بزخم شعبي هائل في كل مكان اندلعت فيه تقريباً، غير أنها لا تزال تفتقر إلى القيادة الوطنية الشاملة والموحّدة.
بعبارة أخرى، هناك موجة عارمة من الاستياء والسخط الشعبي الواضح في إيران، ما يمكن أن يزلزل أركان النظام الحالي، ويعصف باستقراره الواهي، أو حتى يطيح به تماماً، لكنه ما زال مركباً بلا قائد واحد.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.