صباح الخالد... رجل المرحلة لمكافحة الفساد الذي «لا تحمله الجمال»

رئيس وزراء الكويت الجديد أمضى 40 سنة في العمل الدبلوماسي والسياسي

صباح الخالد... رجل المرحلة  لمكافحة الفساد الذي «لا تحمله الجمال»
TT

صباح الخالد... رجل المرحلة لمكافحة الفساد الذي «لا تحمله الجمال»

صباح الخالد... رجل المرحلة  لمكافحة الفساد الذي «لا تحمله الجمال»

أعلن أخيراً في العاصمة الكويتية عن تعيين الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الخالد الصباح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، رئيساً جديداً للحكومة. ورئيس الحكومة الجديد سياسي مخضرم تقلب في المسؤوليات الوزارية منذ فترة غير قصيرة، وهو معروف بحضوره الكبير على المستويين العربي والدولي. في حين ينظر إليه المتابعون والمحللون داخل الكويت بأنه، لما له من مزايا كالحزم والعمل الصامت، سيكون «رجل المرحلة» المولج بمكافحة ظاهرة الفساد، وكذلك، إراحة الوسط السياسي من التجاذبات التي وترت الساحة الكويتية خلال الأشهر الماضي.

يتميز الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، الذي دخل أخيراً «نادي رؤساء الحكومات في الكويت» كثامن شخصية تتولى منصب رئيس الوزراء منذ عام 1962، بإدارة محافظة وبشخصية كتومة وقليل الكلام.
صباح الخالد، سياسي مخضرم أمضى أكثر من 40 سنة في العمل السياسي والدبلوماسي، يعي جيداً موقع الكويت في الخارطة الإقليمية والدولية. وهو يدرك تماماً أن الكويت تقع في مرمى العواصف الإقليمية، وتتأثر بالصراعات في منطقة الخليج. كذلك يتذكر، وتذكر معه الكويتيون جميعاً، أن البلاد دفعت ثمناً باهظاً نتيجة وقوعها كدولة ثرية وصغيرة في مرمى الدول المحيطة، ولعل أبرز مثال على ذلك تهديدات العراق بضم الكويت في الستينات، واجتياحها بالكامل وتشريد أهلها في عام 1990. وهذا، بطبيعة الحال، دون أن ننسى المناخ الخليجي المتوتر بفعل تنامي الطموحات الإيرانية الإقليمية وتمدداتها في المشرق العربي.
هذا الموقع يمثل تحدياً لراسمي السياسة الخارجية في الكويت، الذين يحرصون على بناء علاقات متوازنة، تحفظ أولاً انتماءهم الخليجي، ثم وضعهم الإقليمي، وتحرص أيضا على بناء «شبكة أمان» دولية تحمي الإمارة الخليجية الصغيرة من التقلبات السياسية العاصفة.
قد لا يختلف اثنان على أن أولى مهام رئيس الوزراء الجديد معالجة ملف الفساد، الذي بلغ ذروته في التراشق الأخير بين أقطاب الحكومة. وهؤلاء هم أيضاً أقطاب بارزون في الأسرة الحاكمة، خاصّة، بعدما اتهم وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة الشيخ ناصر صباح الأحمد زميله في الحكومة وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح الصباح بتجاوزات مالية. وكشف عما وُصفت بأنها وثائق تظهر الاستيلاء على نحو 800 مليون دولار أميركي من صندوق لمساعدة العسكريين، عندما كان الجراح وزيرا للدفاع. كذلك ذكر الشيخ ناصر أنه أبلغ رئيس الوزراء (المستقيل الآن) جابر المبارك الصباح بهذه التجاوزات وطلب منه تشكيل لجنة للتحقيق منذ سبعة أشهر، إلا أن الشيخ جابر لم يقم بالرد عليه، الأمر الذي جعل الشيخ ناصر يحول القضية إلى النائب العام.
من جانبه، قال رئيس الوزراء السابق جابر المبارك، الذي ترأس ست حكومات في الكويت، بأنه يعتذر عن تشكيل الحكومة بعدما واجه «افتراءات وادعاءات»، ومن ثم أردف «أجد من الواجب علي أولاً أن أثبت براءتي وبراءة ذمّتي».

النشأة والخلفية
الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، من مواليد 1953 في العاصمة الكويتية الكويت. ونشأ وترعرع فيها، وأنهى دراسته الجامعية بحصوله على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الكويت عام 1977.
كانت وزارة الخارجية هي الميدان الأول الذي احتضن صباح الخالد كأول وظيفة له بعد تخرّجه في الجامعة، في ظل عميد الدبلوماسيين العرب الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد. إذ أنه التحق بوزارة الخارجية عام 1978 بدرجة مُلحق دبلوماسي، وعمل في الإدارة السياسية بقسم الشؤون العربية في الوزارة خلال الفترة بين 1978 إلى 1983. ثم عمل مع وفد الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك خلال الفترة من 1983 إلى 1989.
في أعقاب تلك المرحلة، أسند إلى الشيخ صباح منصب نائب مدير إدارة الوطن العربي في وزارة الخارجية خلال الفترة من 1989 إلى 1992. وأصبح مديرا لإدارة مكتب وكيل وزارة الخارجية خلال الفترة من 1992 إلى 1995.
وبعدها عيّن سفيراً للكويت لدى المملكة العربية السعودية ومندوبا للكويت لدى منظمة المؤتمر الإسلامي من 1995 إلى 1998. وحصل على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى عام 1998.
خلال نحو عشر سنوات انقطع رئيس الوزراء الكويتي الجديد عن العمل في الخارجية، إذ عيّن رئيساً لجهاز الأمن الوطني بدرجة وزير عام 1998. ثم أسند إليه منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في يوليو (تموز) 2006 ومارس 2007، ثم عيّن وزيرا للإعلام في مايو (أيار) 2008، ويناير (كانون الثاني) 2009. قبل أن يعود مجدداً إلى الحكومة ويتسلم حقيبة وزارة الخارجية عام 2011. بعدها، في فبراير (شباط) 2012، عُيّن نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للخارجية ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وأعيد تعيينه في ديسمبر (كانون الأول) 2012، ويوليو (تموز) 2013. ومجدداً عيّن نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للخارجية، وكذلك في يناير (كانون الثاني) 2014. وتكرر تعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للخارجية. وفي ديسمبر (كانون الأول) (كانون الأول) 2016 واستمر في المنصبين حتى استقالة حكومة الشيخ جابر المبارك، وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديد في وقت سابق من الأسبوع.

الدبلوماسية الكويتية: شبكة أمان
في الحقيقة، علاقات الكويت الخليجية هي مدماك أمنها القومي، كما يجمع المحلِّلون وكبار الساسة الكويتيون. وهنا تحتل مكانة خاصة العلاقة مع المملكة العربية السعودية التي هبّت في 1990 لإدارة أكبر عملية عسكرية شهدتها المنطقة والشرق الأوسط، من أجل تحرير البلاد ودحر الاحتلال العراقي وإعادة الشرعية إلى نصابها.
كذلك سعت الكويت لعلاقات متوازنة مع العراق الجديد، واستضافت في فبراير (شباط) 2018 مؤتمر إعمار العراق، وهو المؤتمر الذي اجتذب أكثر من 76 دولة وأكثر من 2100 شركة تمثل القطاع الخاص من مختلف دول العالم للمشاركة في خطط إعمار العراق، بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي.
ورأى المراقبون، في حينه، أن الخطوة الكويتية اجتذبت احترام العالم، كونها مثلت تعبيراً رمزياً عن طي صفحة الماضي، ولعب دور فاعل في ترسيخ الاستقرار الإقليمي ومنع عودة التوتر إلى المنطقة.
وعلى الصعيد الدولي، افتتحت الكويت في 24 يناير (كانون الثاني) 2017 المركز الإقليمي لمنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) و«مبادرة إسطنبول للتعاون»، وذلك عندما أطلق «ناتو» من الكويت شراكة مع دول الخليج للتصدي للإرهاب.
ومن ثم، ظلّت علاقات الكويت القائمة على حفظ التوازن الإقليمي ومنع التدخلات الأجنبية، وتقديم حزم المساعدات المتكررة للدول الأقل نمواً وسيلة لإمداد البلاد بشبكة أمان دبلوماسي.
وفي حوارٍ له حدد الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، عندما كان يتولى حقيبة وزارة الخارجية، ملامح المكانة الدولية والتاريخية لدولة الكويت بالقول: «لا توجد دولة بمنأى عن المخاطر والتهديدات والتحديات من حولها، والدول الإقليمية هي دول مؤثرة ومتأثرة أيضاً بهذا المخاض». وأضاف «وسط هذه المخاض الدولي والإقليمي تختار الأمم المتحدة تكريم أمير البلاد كقائد للعمل الإنساني، لتؤكد مكانة الكويت كمركز للعمل الإنساني»». ومما يُذكر في هذا السياق أن الصندوق الكويتي للتنمية قدم 7.18 مليار دولار أميركي لـ105 دول حول العالم.

قضية الفساد

من جهة ثانية، على صعيد مكافحة الفساد، تنسب للأمير الشيخ صباح الأحمد، عبارة قالها حين كان رئيساً للوزراء، هي «فساد البلدية ما تشيله البعارين»، أي أن حجم الفساد في بلدية الكويت، لا تقوى على حمله الجِمال. هذه عبارة تختصر حجم المعاناة من تفشي ظاهرة الفساد في بلد ثري لكنه يشهد تراجعاً واضحاً في موقعه المالي سنة بعد سنة، مع تآكل أصول الصندوق السيادي. وللعلم، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أصدر ديوان المحاسبة الكويتي تحذيراً من استنزاف احتياطيات الدولة التي قدّرها بـ75 مليار دولار، وقال الديوان في تقرير بأن أصول صندوق الاحتياطي العام تراجعت 5.4 في المائة إلى 22.88 مليار دينار كويتي (75.45 مليار دولار) في الربع الثاني من 2019.
وفي السياق ذاته، تضمنت آخر ميزانية للدولة، التي أقرها مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، في بداية يوليو (تموز) 2019 عجزاً يُتوقع أن يبلغ 22 مليار دولار، إذ قُدّرت الإيرادات في موازنة 2019 – 2020 بنحو 53 مليار دولار، والنفقات بنحو 74 مليار دولار. ويوازي العجز المتوقع في هذه الموازنة نحو 15.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه السنة الخامسة على التوالي التي تشهد فيها موازنة الدولة الخليجية عجزاً في موازنتها.
ما يستحق الإشارة أن الكويت أحرزت العام الماضي تقدّماً مقداره 7 مراكز في مؤشر مدركات الفساد وفق تقرير «منظمة الشفافية الدولية» للعام 2018، حيث احتلت الكويت المركز 78 بعدما كانت في المركز الـ85 من أصل 180 دولة مدرجة في المؤشر العام 2017. وفي العام (2017) تخلفت الكويت 10 مراكز أخرى إلى المركز 85، محققة 39 نقطة من أصل 100. لتصبح الخامسة في مستوى الفساد على نطاق دول الخليج، والثانية على المستوى العربي، وذلك أيضاً وفقاً لتقرير «منظمة الشفافية الدولية» الصادر في 22 فبراير- شباط 2018. وكان تقرير «الشال» الاقتصادي، قد أشار إلى أنه في عام 2016. تخلفت الكويت 20 مركزاً على مؤشر مدركات الفساد، من المركز الـ55 إلى المركز الـ75.
على صعيد متصل، بحسب تقارير إعلامية، توجد في الكويت اليوم 42 ألف قضية خاصة لسرقات المال العام. وقبل أن يفجّر وزير الدفاع السابق قضية (صندوق الجيش) وصفقة اليوروفايتر، مرّت عشرات القضايا الكبيرة التي لم تحسم بعد، أبرزها قضية الناقلات وقضية هاليبرتون، والجدل بشأن مصفاة فيتنام، وصندوق الاستثمارات في إسبانيا، وقضية داو كميكال، ثم قضية التأمينات، وقضية ضيافة الداخلية، مروراً بالجدل بشأن قضايا تنموية مثل المطار ومشروع استاد جابر... وغيرها.
وللعلم، كان رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ جابر المبارك الصباح قد عبّر صراحة عن صدمته و«استيائه» من تراجع مركز الكويت في مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2017. «نظراً لما يمثله هذا الأمر من إساءة لمكانة الكويت وسمعتها»، حسبما قال.
ومن أجل معالجة هذا الوضع، قرر مجلس الوزراء الكويتي تشكيل لجنة برئاسة الهيئة العامة لمكافحة الفساد، بعضوية ممثلين عن وزارة الخارجية، ووزارة المالية، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة الإعلام، وكذلك، الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، والجهاز المركزي للمناقصات العامة، ووحدة التحريات المالية والجهات الأخرى ذات الصلة. وستتولى هذه اللجنة «مراجعة تلك المؤشرات وإعداد الآليات والتدابير اللازمة لتعديل ترتيب دولة الكويت على مؤشر مدركات الفساد العالمي، وفق معايير الشفافية والنزاهة واحترام القانون والحريات».

الكويت في سطور

> دولة الكويت، تحتل رقعة أرض تبلغ مساحتها 17818 كيلومترا مربعاً في الجهة الغربية عند أقصى شمال الخليج العربي، وتحدها شمالاً وغرباً العراق، وجنوباً وغرباً المملكة العربية السعودية، وشرقاً الخليج العربي، وتقابل ساحلها عدة جزر أهمها فيلكا وبوبيان.
> استقلت الكويت رسمياً عام 1961 في عهد أميرها الشيخ عبد الله السالم الصباح، ويقدّر عدد سكانها اليوم بأكثر من 4 ملايين و600 ألف نسمة نحو 75 في المائة منهم مسلمون.
> تعاقب على حكم الكويت من آل الصباح منذ مطلع القرن الـ20 كل من: الشيخ مبارك (الكبير) الصباح (1896 – 1915)، ثم الشيخ جابر المبارك -الابن الأكبر للشيخ مبارك- (1915 – 1917)، فالشيخ سالم المبارك -الابن الأصغر للشيخ مبارك- (1917 – 1921)، الشيخ أحمد الجابر -ابن الشيخ جابر المبارك- (1921 – 1951)، الشيخ عبد الله السالم - ابن الشيخ سالم- (1951 – 1965)، الشيخ صباح السالم -أخو الشيخ عبد الله السالم- (1965 – 1977)، الشيخ جابر الأحمد -ابن الشيخ أحمد الجابر- (1977 – 2006)، الشيخ سعد العبد الله السالم -ابن الشيخ عبد الله السالم- (2006)، الشيخ صباح الأحمد -ابن الشيخ أحمد الجابر وأخو الشيخ جابر الأحمد- (منذ 2006 وحتى الآن).
> يتركز معظم سكان الكويت في العاصمة الكويت وضواحيها من الجهراء غرباً إلى الفحيحيل جنوباً.
> يقدر الناتج القومي الإجمالي-القدرة الشرائية (2018) بنحو 303 مليارات دولار أميركي، ومعدل دخل الفرد نحو 70 ألف دولار.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.