تكشف تحركات السعودية الإصلاحية الأخيرة، انتعاشا غير مسبوق في تاريخ البلاد على صعيد التهيئة وإيجاد فرص العمل للسيدات في بادرة أفرزها تفعيل مبادرات الدولة في خضم مشروع «رؤية 2030» وإعادة تنظيم سوق العمل، لا سيما في شق القطاع الخاص السعودي، إذ ينتظر أن تتهيأ خلال العقد القادم مليون عاملة سعودية في سوق العمل للمساهمة في التنمية الاقتصادية.
وتعزز المملكة من دور المرأة في سياق إدخالها في مشروع التنمية والمساهمة في تطوير واستثمار طاقتها وقدراتها لتفعيل مشاركتها بالجهود اللازمة لضمان فاعليتها الإيجابية في الشقين الاجتماعي والاقتصادي. ووضع مشروع «رؤية المملكة 2030» مشاركة المرأة ضمن أهدافه الاستراتيجية لدعم وتقوية حضورها في سوق العمل وبالتالي المساهمة في التنمية مع حفظ حقوقها ومكانتها الاجتماعية اللائقة.
وفي خضم هذا التقرير، تتطرق «الشرق الأوسط» إلى جانب من وضع التوظيف للسيدات في المملكة حتى الوقت الراهن.
- التوظيف الحكومي
في الاستهلال، وبعيدا عن القطاع الخاص، لا بد من الإشارة إلى أن القطاع الحكومي وخلال السنوات الثلاث الماضية عمل من جانبه على تمكين السيدة السعودية من إيجاد فرص عمل في أجهزة الدولة، بل توفرت لها فرصة قوية بحسب ما تصفه هند بن خالد الزاهد، وكيلة وزارة الخدمة المدنية لتمكين المرأة في السعودية، والتي أشارت لـ«الشرق الأوسط» في حوار سابق، إلى ارتفاع نسبة السعوديات في وظائف الحكومة إلى 40.3 في المائة من 39 في المائة، مشيرة إلى تقلص الفجوة النوعية بين النساء والرجال إلى 37.8 في المائة، من مستوى 50.3 في المائة حتى الربع الثاني من العام الحالي.
وشددت الزاهد حينها على أن وزارة الخدمة المدنية - الموظف الحكومي في أجهزة الدولة - سجلت تقدما في استراتيجية تمكين المرأة، وتعزيز دورها القيادي في القطاع العام، مشيرة إلى أن اللائحة التنفيذية للموارد البشرية المعلنة بداية العام دخلت حيز التنفيذ في مايو (أيار) الماضي، وتتضمن مزايا لم تكن تنعم بها المرأة السعودية في السابق، حيث شملت إمكانية العمل بالدوام الجزئي لإعطاء مرونة وتيسير أكبر في مرحلة التوظيف، إذ أصبح بالإمكان شغل موظفتين للوظيفة نفسها، وتعديل الإجازات الخاصة بالمرأة وإجازة الوضع بكامل الراتب وغيره.
- تطلع الشركات
ولكن يظل الموظّف الرئيسي للمرأة في وقت تتطلع فيه الدولة إلى دور أكبر للقطاع الخاص في توليد الوظائف وتحقيق عوائد لميزانية البلاد، هو أنشطة وقطاعات الشركات والمصانع والمؤسسات، والتي دائما ما تضطلع باشتراطات أشد ومعايير صارمة في التوظيف. وحيال تطلع الشركات من السيدة السعودية الباحثة عن العمل، يؤكد بدر القحطاني مدير الموارد البشرية للبنك الصناعي التجاري الصيني في السعودية في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الشركات تتطلع لأن تكون السيدات على قدر عال من المسؤولية، وليس فقط أن يكون هدفها الحصول على المال لتسيير حياتها.
وأكد القحطاني أن المعول على السيدة السعودية الراغبة في العمل بالقطاع الخاص أن تكون منافسة حقيقية للحصول على الأعمال الاستراتيجية المؤثرة ذات القيمة العالية، وتطوير نفسها بالتدريب والتعليم والممارسة واكتساب مهارات إضافية، مثل التعامل مع الآخرين وإدارة الوقت وإدارة الغضب، بجانب أهمية معرفة نقاط ضعفها كأنثى ومحاولة تعويضها بقدرات ومهارات أخرى.
ورغم عدم وجود تفاصيل محدثة تتعلق بتوظيف السيدات السعوديات في القطاع الخاص، فإن القحطاني يشدد على أن سوق التوظيف النسائي مفتوحة بل غير محدودة - على حد تعبيره -، موضحا أن معدل رواتب السيدات ارتفع مقارنة بالسابق. وقال: «في الحقيقة أرى أن سوق توظيف المرأة الآن أصبحت أقوى من سوق توظيف الرجل، وهو ما يجب أن يتم استغلاله بكفاءة وواقعية من قبل السيدات».
وكانت منظمة العمل الدولية أشارت أواخر العام الماضي إلى أن نسبة السعوديات العاملات في سوق العمل المحلي صعدت بوضوح خلال العامين الماضيين (2017 - 2018) ضمن تحقيق أهداف «رؤية 2030» التي تستهدف رفع نسبة السعوديات إلى 30 في المائة من حجم سوق التوطين، مشيرة إلى تباطؤ التوظيف خلال الـ28 عاما الماضية، حيث لم تصل نسبة التوظيف في القطاع الخاص سوى 8.8 في المائة لتصعد قليلا إلى 14.5 في المائة خلال عام 1990، وتصبح في الربع الأخير من العام الماضي 23.3 في المائة.
ويرجع الفضل، بحسب المنظمة، إلى أن الإجراءات الإصلاحية الصارمة التي قامت بها السعودية في السنوات الأخيرة دفعت النسبة إلى الأعلى، خاصة مع فرض التوطين في قطاعات ذات توسع وانتشار، بينها تجارة التجزئة. وكان تأنيث بعض المتاجر في مقدمة الإصلاحات الداعمة لتوظيف السيدات في البلاد، حيث تشير آخر البيانات الرسمية عن وزارة العمل السعودية إلى ارتفاع نسبة السعوديات العاملات في قطاع التجزئة إلى 25 في المائة، ليزيد عدد السعوديات الموظفات في المحال والمتاجر بواقع 50 ألف سيدة إلى 166 ألف موظفة كما دعمت بوابة العمل الحكومية «طاقات» تطوير السعوديات العاملات.
ولا بد من الإشارة إلى أن السعودية تحركت وفق مبادرات وبرامج وممكنات حكومية كان منها كما ذكر آنفا، قرار تأنيث المحلات النسائية، بالإضافة إلى عقد اتفاقيات وشراكات استراتيجية وتعاون مع 18 جهة حكومية وخاصة تتعاون في توظيف السيدات، وكذلك تطوير مراكز العمل عن بعد، في حين كان بدأ العمل على تأهيل ألف امرأة لتولي مناصب قيادية في القطاع الخاص.
ومعلوم أن من أهداف التنمية المستدامة حسب «رؤية 2030» تمكين المرأة في العمل، باعتبارها من أهم عناصر التحول الوطني، عبر تشغيل مليون امرأة في مليون وظيفة ستخلقها سوق العمل إما بالتوطين المبني على التأهيل، أو خلق فرص وظيفية جديدة عن طريق إقامة مشاريع جديدة صغيرة ومتوسطة أو مشاريع تنموية كبيرة تقوم بها الدولة أو القطاع الخاص.
- أنماط العمل
ويمكن اعتبار اهتمام الدولة بتعدد أنماط العمل فرصة سانحة لتوظيف المرأة مع وضع اعتبارات لظروفها الاجتماعية، وهنا يلفت تركي الدبيخي وهو نائب مدير عام مسارات التوظيف بوكالة التوطين التابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالسعودية لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن تفعيل العمل عن بعد المقر من الدولة مؤخرا يشهد إقبالا من السعوديات الراغبات في العمل، مفصحا عن أنه تم تسجيل قرابة 12 ألف موظف أغلبهن نساء، مفيدا بأن المستهدف هو الوصول إلى فئات لم تستطع الوزارة الوصول إليها سابقا.
- مؤشر الإقبال
ويمكن الاستشهاد بمعارض توظيف السيدات في المملكة، وهنا حضرت «الشرق الأوسط» معرض ومنتدى خطوة للتوظيف خلال أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم في نسخته السابعة، حيث كشف خالد الصالح المدير التنفيذي لشركة «غلو - ورك» أن عدد المشاركين بزيارة المعرض المنعقد في الرياض زاد على 190 ألفا خلال ثلاثة أيام فقط، مشيرا إلى أن خلال النسخ السابقة نجح المنتدى في توظيف 36 ألف فتاة في كثير من القطاعات الحيوية منها الاتصالات والبنوك والنفط.
ولفت إلى أن المنتدى يرفع من الوعي ويناقش تحديات التوظيف النسائي كما يضم ورشات عمل ودورات تشمل عدة مجالات، وشارك بها 11 ألف فتاة، موضحا أن النسخة الأخيرة شهدت توظيف 4 آلاف سعودية بنسبة توظيف 19 في المائة من مجمع الحضور. وقال الرئيس التنفيذي لشركة غلو - ورك في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مع تمكين المرأة القادرة على اجتياز الصعوبات ولديها كل مقومات النجاح».
- مستقبل التوظيف
ويمكن اختصار مشهد توظيف السيدات، لا سيما في القطاع الخاص بما يلفت القحطاني إليه، من أن سوق العمل المحلي اعتمد لفترة طويلة على الكفاءات من الرجال، بيد أن دعم المرأة في الآونة الأخيرة سيفتح لها باب التطوير والمنافسة، وباتت تتشكل قيادات نسائية قوية ذات كفاءة عالية، موضحا أن الأمر «مسألة وقت للمرأة، لتكتسب القوة والخبرة من خلال الممارسة العملية والاحتكاك مع الخبرات القوية في السوق».
وحول خطط الشركات والقطاع الخاص، يشير القحطاني إلى أن الخطط متعددة، ومن ضمنها التدريب على رأس العمل، وكذلك إعطاؤها الفرصة للمشاركة في اتخاذ القرارات، ودعم حضور الفعاليات والمؤتمرات المحلية والدولية، وكذلك توجيه الطاقات الشابة لمواجهة سوق العمل دون توجيه مسبق وتحليل للقدرات والكفاءة العلمية والمهارية، وغيرها.