غضب حكومي وحقوقي عقب وفاة مختطف مدني بسجون الحوثيين

تعرض للتعذيب 44 شهراً وسط ظروف اعتقال وحشية أصابته في مقتل

خالد الحيث
خالد الحيث
TT

غضب حكومي وحقوقي عقب وفاة مختطف مدني بسجون الحوثيين

خالد الحيث
خالد الحيث

44 شهراً من التعذيب في سجون الحوثيين قضاها خالد الحيث؛ اليمني الذي كان على مشارف الأربعينات من العمر قبل أن يرحل عن الدنيا نتيجة الإهمال الطبي ومكابدة آلام التهاب الكبد الحاد الذي أصابه في المعتقل الذي يبدو أن مزاياه، التي باتت تخرج مع كل يمني يموت داخله، «متوحشة وغير إنسانية».
عرف خالد بطيبته ودماثة أخلاقه في مكان سكنه وفي مقر عمله، حين كان يعمل في «صندوق التراث والتنمية الثقافية» في صنعاء التابع لوزارة الثقافة اليمنية. يقول زملاؤه إنه كان مثالاً للشهامة وإعانة كثير من زملائه وقت حاجتهم.
في 26 مارس (آذار) 2016 كان خالد على موعد مع أول أيام التوحش الحوثي. اعتقلته الجماعة الموالية لإيران من أمام منزله حين كان على وشك أن يقود سيارة الأجرة التي لجأ إليها لمجابهة ظروف المعيشة عقب سيطرة الميليشيات على مفاصل المؤسسات الحكومية كافة.
أخفي خالد لأشهر عدة قبل أن تعرف أسرته أنه تم اختطافه على أيدى الميليشيات الحوثية، مثله مثل آلاف المدنيين الذين وقعوا ضحية لإرهاب الجماعة وجنونها الطائفي.
قبل وفاته، ووفق مقربين من أسرته، رضخت الجماعة أخيراً لتوسل الأطباء وهيئة الدفاع عنه لنقله إلى أحد المستشفيات التي تملكها الميليشيات لتلقي العلاج على نفقة أسرته، لكنها سرعان ما أعادته إلى السجن من دون أن ينال العناية الطبية أو النقاهة الكافية، وهو الأمر الذي وضعه مباشرة بين أنياب الموت المحتوم.
لقيت حكاية خالد الحيث سخطاً حقوقياً وحكومياً وسط تصاعد المخاوف من مصير مماثل لعشرات المختطفين في سجون الجماعة ممن يعانون الأمراض الفتاكة دون السماح لهم بتلقي العلاج أو الرعاية حتى على نفقة ذويهم.
وفي هذا السياق، أدان مكتب حقوق الإنسان في العاصمة صنعاء قيام الجماعة بتعذيب خالد الحيث حتى الموت بعد إخفائه القسري منذ اختطافه، كما أدانته وزارة الثقافة في الحكومة الشرعية إلى جانب كثير من المنظمات الحقوقية والناشطين اليمنيين.
وقال مدير مكتب حقوق الإنسان في العاصمة فهمي الزبيري في تصريح رسمي إن «(وحدة الرصد والتوثيق) تلقت بلاغاً بوفاة المختطف خالد محمد حمود الحيث (43 عاماً) تحت التعذيب في سجون ميليشيا الحوثي، الذي اعتقل من أمام منزله بالعاصمة صنعاء في منطقة حدة بتاريخ 26 مارس 2016، وإخفاؤه قسرياً، وتعذيبه، ومنع العلاج عنه داخل السجن حتى وفاته يوم الأربعاء» الماضي.
وعبر الزبيري عن إدانته «بأشد العبارات سلسلة الانتهاكات التي يتعرض لها المختطفون في سجون الميليشيات الحوثية»، مطالباً «الأمم المتحدة، وجميع المنظمات والوكالات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان، بإدانة مثل هذه الانتهاكات التعسفية والجرائم الجسيمة في حق المعارضين والناشطين الحقوقيين والإعلاميين، واتخاذ موقف واضح وصريح إزاء هذه الانتهاكات».
وحمّل الزبيري الميليشيات الحوثية الانقلابية المسؤولية الكاملة تجاه ما يحدث للمختطفين من مضاعفات نتيجة تعذيبهم وإهمالهم في الزنازين المظلمة، داعياً وسائل الإعلام للقيام بدورها في الكشف عن انتهاكات ميليشيات الحوثي وتعريتها أمام الرأي العام المحلي والدولي.
من جهتها، نعت وزارة الثقافة في الحكومة الشرعية و«صندوق التراث والتنمية» التابع لها، خالد الحيث الذي وصفه النعي بـ«الشهيد الذي فارق الحياة جراء التعذيب الشديد الذي تعرض له في معتقلات ميليشيات الحوثي الانقلابية».
وأثنى بيان النعي على الحيث وقال إنه «كان واحداً من أكثر موظفي (الثقافة) نبلاً والتزاماً قبل أن يتعرض للاختطاف من قبل ميليشيات الحوثي الإرهابية، دونما أي سبب أو تهمة، ومورس عليه خلال السنوات الماضية أشد أنواع التعسف والتعذيب». البيان أوضح أن «الميليشيات رفضت كل الوساطات الرامية لإطلاق سراحه، حتى انهار جسده وفقد القدرة على الاحتمال، ليتم إسعافه للمستشفى وهو بين الحياة والموت»ـ لافتاً إلى أنه تم إجراء عملية عاجلة لكنها لم تكن كافية للإبقاء على حياته بعد كل ما تعرض له.
«منظمة سام للحقوق والحريات»، نددت بالحادثة عقب يوم من إصدارها تقريراً بعنوان: «الموت البطيء» سلطت فيه الضوء على معاناة المختطفين المرضى في سجون الميليشيات الحوثية. ونددت المنظمة أيضاً بحالات الإهمال الطبي التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الجماعة، وطالبت المبعوث الأممي إلى اليمن بأن يجعل قضيتهم ضمن قائمة أولوياته.
وتقول المنظمة إنها «اطلعت على معلومات عن وجود سجناء خارج القانون في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي حياتهم معرضة للخطر بسبب حرمانهم من حقهم في العلاج في سجون يتعمد الحوثيون استخدام الأمراض وسيلة لتعذيب المعتقلين فيها». وأوردت معلومات محلية عن وجود 183 مختطفاً على الأقل في سجون الجماعة مصابين بالأمراض المختلفة، كما أوردت أسماء 34 منهم، مشيرة إلى أن الظروف الصحية التي تفرضها الميليشيات على المعتقلين «يمكن وصفها بتنفيذ الحكم بالموت البطيء على السجناء، الذين يعانون أمراضاً مميتة ويحرمون من حقهم في الحصول على العلاج».
وعلى وقع المخاوف من احتمال أن يلاقي معتقلون آخرون في سجون الجماعة المصير نفسه، حملت «المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين (صدى)» ميليشيات الحوثي مسؤولية سلامة الصحافيين المختطفين لديها.
وقالت إنها تابعت وفاة خالد الحيث في سجون الجماعة بقلق بالغ؛ إذ أكدت التقارير - وفق المنظمة - أنه فارق الحياة نتيجة مضاعفات التعذيب والإهمال المتعمد.
وكشفت عن أنها رصدت منذ أسابيع تدهوراً مخيفاً في حالة الصحافيين المختطفين لدى جماعة الحوثي، خصوصاً المختطفين منهم منذ منتصف عام 2015، داعية إلى سرعة الإفراج عنهم دون قيد أو شرط.
وكانت تقارير حقوقية سابقة تحدثت عن وفاة نحو 150 معتقلاً في سجون الميليشيات الحوثية تحت التعذيب، كما تحدثت عن امتناع الجماعة الحوثية عن السماح للمنظمات الحقوقية بزيارة السجون السرية؛ بما فيها «الصليب الأحمر».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.