«الخصم والصديق» يروي تفاصيل السنوات الأخيرة من حياة الحسن الثانيhttps://aawsat.com/home/article/2001141/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B5%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D9%82%C2%BB-%D9%8A%D8%B1%D9%88%D9%8A-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A
«الخصم والصديق» يروي تفاصيل السنوات الأخيرة من حياة الحسن الثاني
الجزء السادس من «أيام زمان» للإعلامي المغربي الصديق معنينو
محمد الصديق معنينو
الرباط:«الشرق الأوسط»
TT
الرباط:«الشرق الأوسط»
TT
«الخصم والصديق» يروي تفاصيل السنوات الأخيرة من حياة الحسن الثاني
محمد الصديق معنينو
صدر أخيرا الجزء السادس والأخير من سلسلة «أيام زمان» للصحافي والإعلامي المغربي محمد الصديق معنينو، تحت عنوان «الخصم والصديق»، الذي يتضمن تفاصيل عن السنوات الخمس الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني.
وجاء في تقديم هذا الكتاب، الذي يقع في 326 صفحة من الحجم المتوسط، والصادر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، أن «معنينو تناول السنوات الخمس الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني، وما استطاع أن يحققه من أجل سلاسة مرور الحكم حفاظا على رأسمال وطني تجتمع حوله الآراء والأحلام والمتطلبات... وأنه خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي، عمت موجة من التفاؤل والترقب في انتظار مصالحة وطنية تجمع ما كان متناثرا وتوحد ما كان متباعدا وتجعل البلاد مهيأة لضمان الهدوء والاستمرار».
وذكر التقديم بأن «جنازة الملك الراحل، وما رافقها من انتظام شعبي غير مسبوق وحضور عالمي مثير للافتخار والارتياح، والتحام حول الملك محمد السادس، ملكا وأميرا للمؤمنين، كل هذه العوامل جعلت ذكرى الحسن الثاني حاضرة بقوة في الشعور الوطني والذاكرة الجماعية، مما يؤشر على نجاحه حيا وميتا في ضمان الاستقرار، وهي نعمة لا يشعر بها إلا أولئك الذين افتقدوها وسط عنف ومواجهات أقلقت الكثير من الدول والشعوب».
وذكر معنينو، الذي شغل منصبي مدير التلفزيون ووكيل وزارة الإعلام، أن سلسلة «أيام زمان» هي محاولة للمساهمة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، ذلك المخزون المشترك الذي يتآكل مع مرور السنوات والعقود «فيحول شعوبا بكاملها إلى مرضى زهايمر لا تتذكر ما عاشته ولا هي قادرة على رؤية ما هي قادمة عليه»، وأنه «كيفما كان الحكم على المذكرات، وما أقلها في بلادنا، فإنها تكون مصدرا غنيا للباحث والمهتم بفترة زمنية معينة (...) وهي جزء من تراكم معرفي لا بد من استغلاله من أجل فهم أعمق لظاهرة الذاكرة واستخلاص العوامل السردية والذاتية والسياسية والاجتماعية فيها».
وأشار معنينو إلى أن «أيام زمان هي جزء من هذا التراكم المعرفي، لا تدعي الإحاطة بكل جوانب الحياة الوطنية خلال الأربعين سنة الماضية ولا تدعي الانفراد بحقيقة التطورات التي عرفتها، ولكنها في نهاية المطاف جدول هادئ يتماهى بين الجبال لينضم إلى الجداول الأخرى لتصب في الوادي الكبير».
وتضمن الكتاب مجموعة من المواضيع التي جاءت ضمن ثمانية عناوين كبرى تحت اسمى «تمر الأيام»، و«سنوات الأمل»، و«من الثورة إلى الثروة»، و«المخاض»، و«في قبة العرش»، و«نهاية المطاف»، و«الباقيات من البصريات».
كما تضمن الكتاب فضلا عن تمهيد قصير، مقالا للصحافي عبد العزيز كوكاس تحت عنوان «مذكرات أيام زمان لمعنينو... من ذاكرة السلطة إلى سلطة الذاكرة»، تحدث فيه عن هذه المذكرات، سواء على مستوى ما تضمنته من معلومات أو عن الأهمية التي تكتسيها حفاظا على الذاكرة.
وإلى جانب ذلك، تضمن الكاتب «وجهة نظر» للدكتور مصطفى القباج، هي عبارة عن رسالة بعثها إلى معنينو بعد اطلاعه على الجزء الرابع من «أيام زمان».
فهم العالم... المسعى الذي لا ينتهيhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D9%83%D8%AA%D8%A8/5088344-%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B9%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D9%87%D9%8A
ما حدودُ قدرتنا المتاحة والممكنة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعد واقعية أم أن هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّل مؤلّف كتاب منشور أواخر عام 2023 لقاءً جمع ثلاثة عقول عظيمة: الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخس، والفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرغ والفيلسوف الألماني إيمانويل كانط. مؤلّف الكتاب هو الدكتور ويليام إيغنتون أستاذ العلوم الإنسانية ومدير معهد ألكساندر غراس للإنسانيات في جامعة جونز هوبكنز. كتابه الأخير المشارُ إليه، صدر عن دار نشر «بانثيون» في 368 صفحة، بعنوان «صرامة الملائكة: بورخس، هايزنبرغ، كانْط، والطبيعة النهائية للواقع».
هذا الكتابُ نتاجُ عقود عدّة من القراءة والتدريس والتفكير في التداخلات المثيرة بين الأدب والفلسفة والفيزياء. يؤكّدُ المؤلّفُ أنّ نطاق تفكيره بهذه التداخلات شمل عدداً أكبر بكثير من الكّتّاب والمفكّرين غير هؤلاء الثلاثة؛ لذا يوضّحُ قائلاً: «عندما نضج الوقت لتحويل المشروع إلى كتاب ارتسمت أمامي، بقوّة طاغية لم يكن مفرٌّ من مواجهتها، أسئلة على شاكلة: كيف يتوجب علي تنظيم الكتاب؟ ومن هم أفضل الشخصيات التي يمكن عدّها تمثلاتٍ صالحة للكشف عن التداخلات بين الأدب والفلسفة والفيزياء؟ والأهمّ من هذا: كم عدد الشخصيات التي يمكن تناولها في الكتاب؟
كان طموحي المبكّر عند التفكير في تصميم هيكلة الكتاب أكثر اتساعاً مما انتهى إليه الشكل النهائي للكتاب. أغوتْني فكرة سرد حكايات عن شخوصٍ محدّدين بغية استخلاص رؤاهم من وراء تلك الحكايات؛ لكن في بداية الأمر واجهتني معضلة وجود عدد كبير من الحكايات التي يتوجب علي سردُها. خطّطتُ في بداية الأمر لتأليف كتاب يحوي إثني عشر فصلاً، مع شخصية مركزية مختلفة في كلّ فصل منها؛ أي بمعنى أنّ الكتاب سيحوي اثنتي عشرة شخصية. شعرتُ بعد تفكّر طويل أنّ الكتاب سيكون نتفاً مشتّتة تغيب معها الفكرة الأساسية التي أسعى إليها. حتى لو ظلّ يدور في مدار المشروع الفكري الذي يجولُ بعقلي. بعد ذلك استطعت السيطرة على ذلك التشتّت وكبح مفاعيله إلى حدّ ربّما يجوز لي القول معه إنّني ضيّقتُ على العدد كثيراً عندما جعلته ثلاثة وحسب. وضوحُ الفكرة أفضل من كثرة الشخصيات: هذا ما انتهيتُ إليه من قناعة».
الفكرة الأساسية التي ارتسمت أمام المؤلف طيلة حياته، وأظنّ أن كثيرين منا لهم شغف عظيم بها حتى لو لم يكونوا فلاسفة مكرّسين، هي: الكشف عن الكيفية التي يستطيع بها التفكير العميق في معضلة ما أن يقود إلى رؤى عميقة بصرف النظر عن النطاق المعرفي الخاص بالباحث. بعبارة أخرى أكثر تقنية: يمكن للمقاربات (الناعمة Soft) المعتمدة في الإنسانيات أن تقدّم استنارة عظمى للمقاربات العلمية (الصارمة Hard)، والعكس صحيح أيضاً.
في المقاربات الثلاث التي اعتمدها المؤلّف في كتابه أظنّه قدّم شاهدة تطبيقية على جوهر الفكرة الأساسية أعلاه: قراءة بورخس، وتوظيفُ بعض ما استخدمه (كانط) للتفكّر ومساءلة معضلات طرحها بورخس قادت المؤلّف على مدى سنوات عديدة إلى بلوغ فهم أعمق لما اكتشفه هايزنبرغ. يؤكّد المؤلّف في هذا الشأن: «أعتقد بقناعة مؤكّدة أنّ فهمي لإنجازات هايزنبرغ كان أفضل بعد اطلاعي على أعمال بورخس وكانْط، وما كانت لتبلغ هذا المبلغ من الفهم لو اكتفيتُ بقراءة ما كتبه هايزنبرغ ذاته بشأن منجزاته الثورية!!».
يبدو للقارئ المتفحّص والشغوف بالمساءلات الفلسفية أن الموضوعة الأساسية في الكتاب والتي تقود كلّ الفعالية السردية فيه هي الصراع الجوهري بين رغبتنا في المعرفة والتوق لبلوغ نوع من الإجابة «النهائية» عن أعمق أسئلتنا بشأن الوجود من جانب، واستحالة بلوغ مثل هذه الإجابات قطعياً من جانب آخر. يصرّحُ المؤلّفُ بإمكانية تلمّسِ بعض العزاء في محض محاولة بلوغ هذه الإجابات حتى مع معرفتنا المسبّقة بأننا كائنات مقدّرٌ لها مواجهة نهاية وجودية مغلقة والبقاء في متاهة الأسئلة الوجودية التي لا إجابات نهائية لها. يشيرُ المؤلّف بهذا الشأن وفيما قد يبدو مفارقة مثيرة، أنّ ما نفترض فيه أن يكون الأقل حساً شعرياً بين الثلاثة (أعني هايزنبرغ) هو الذي عبّر عن هذه المعضلة بكيفية أكثر كثافة وقوّة مفاهيمية من الاثنيْن الآخرين!!. كتب هايزنبرغ في مخطوطة له عام 1942 يقول: «قدرة البشر على الفهم لا حدود لها؛ أما (الأشياء النهائية Ultimate Things) فلا نستطيع الحديث عنها». يؤكّدُ المؤلّفُ أنّ هايزنبرغ كان يقصدُ بملحوظته هذه شيئاً ما حول ما اعتبره محدّداتٍ (داخلية) أو (جوهرية) للمعرفة البشرية. سعيُنا إلى المعرفة لا يمكن أن ينتهي لمجرّد معرفتنا بوجود هذه الحدود الجوهرية لما يمكننا معرفته. إنّ معرفة العالم على نحو كامل وتام تعني القدرة على بلوغ تلك (الأشياء النهائية) التي عناها هايزنبرغ، وهذا يستلزم الوقوف خارج إطار الزمان والمكان (أي خارج كلّ حدود الوجود البشري) بطريقة مماثلة لما تصوّره القدّيس أوغسطين والأفلاطونيون الجُدُد عن الرب باعتباره قادراً على استيعاب وحدة الوجود في كليته وخلوده. من الواضح أنّ مثل هذا التوصيف للمعرفة لا يتوافق أبداً مع أي شيء يمكننا توصيفه على أنّه معرفة بشرية. الخواص المطلقة والنهائية لا تتفق مع أي معرفة بشرية. نحن عاجزون عن بلوغ المعرفة المطلقة لا لنقص أو عيب فينا، بل لأنّ هذا العجز واحد من المظاهر الحتمية المرافقة للوجود البشري.
من المفارقات المدهشة والباعثة على التفكّر أننا نميل ككائنات بشرية، وبرغم اقتران وجودنا البشري بعدم القدرة على بلوغ الإجابات النهائية، إلى التأكّد واليقين في كلّ ما نفعله وما نتخذه من خيارات في الحياة. يؤكّدُ المؤلف أنّ هذه اليقينية أمر سيئ، وفضلاً عن سوئها فهي ليست توقّعاً واقعياً أو مرغوباً فيه. اللايقين هو الأمر الحسن؛ لأن سعينا لليقين يقود إلى الغطرسة، ومحدودية الأفق والرؤية، وإغلاق مسالك جديدة للتفكير. العلم نشاط يختص بالملاحظة والتجريب وبلوغ تفسيرات مؤقتة، وهذه التفسيرات تخضعُ لتدقيق الجماعات العلمية، وإذا دُعِمت بالأدلة فإنها تُقبلُ بوصفها أفضل تفسير لدينا حتى الآن. لكنّما العلمُ لا يرتقي في مسلكه الحثيث متى ما قلنا إنّ اللعبة انتهت وبلغ العلم حدوده النهائية: الحقيقة المطلقة.
الفكرة الأساسية التي ارتسمت أمام المؤلف هي: الكشف عن الكيفية التي يستطيع بها التفكير العميق في معضلة ما أن يقود إلى رؤى عميقة بصرف النظر عن النطاق المعرفي الخاص بالباحث
لو طُلِبَ إلى إبداءُ رأيي الشخصي في انتقاء المؤلّف لمقارباته واختياره للشخوص الممثلين لهذه المقاربات الثلاث فسأقول: مقاربة المؤلّف للواقع من بوابات الأدب والفيزياء والفلسفة هي مقاربة رائعة ومتفقة تماماً مع روح العصر الذي نعيش، ونحتاجُ تأكيداً لمثل هذه المقاربات التي تعمل على تمتين الجسور الرابطة بين الحقول المعرفية باعتبارها أنساقاً معرفية مشتبكة وليست جسوراً متناثرة. أما اختيار المؤلّف للشخوص الممثّلة لكلّ مقاربة فكان خيارُ بورخيس موفقاً للغاية. بورخيس هو الأكثر تمثيلاً للفكر الفلسفي وملاعبة الواقع بألعابه التي اتخذت تمظهرات ميتافيزيقية بدت عسيرة على القراءة والفهم أحياناً؛ لكنّه بقي البارع دوماً في طرق مفاهيم الزمان والخلود والأبدية وأشكال الواقع المخادعة، وأظنه كان فيلسوفاً بمثل ما كان مشتغلاً ماهراً بالأدب، ولو قرأنا أعماله الفلسفية الخالصة مثل (تفنيد جديد للزمن) لشهدنا مصداقية شغفه الفلسفي. يبدو بورخس أوّلَ من ابتدع في مقالته الفلسفية تلك بدائل للزمن الخطي Linear Time، كما قدم إضاءات كاشفة لمفهوم الزمن الدوري Cyclic Time الذي له تمثلات عدّة في الثقافات القديمة وفي العديد من الأدبيات التي لطالما أشار إليها بورخس فيما كتب. لاحظوا معي النبرة الفلسفية القوية التي يكتب بها بورخس في هذه الفقرة المستلّة من مقالته: «أنكر هيوم وجود فضاء مطلق يحدث فيه كل شيء (نعيشه). أنا أنكر كذلك وجود زمن واحد تتعاقب فيه الوقائع. إنكارُ التعايش ليس أقلّ مشقة من إنكار التعاقب».
الأمرُ ذاته يسري على كانط، الفيلسوف الأكثر تمثيلاً لعصر التنوير بنتاجاته التأسيسية العظيمة التي جعلت منه مثابة عليا في الفكر البشري. ربما الاختلاف هو بشأن هايزنبرغ. لن نختلف بالتأكيد حول الجهد الفلسفي الهائل الذي عرضه هايزنبرغ في كتاباته، وليس هذا بالأمر النادر أو المثير للدهشة؛ إذ كلُّ الفيزيائيين الكبار هم بالضرورة فلاسفة عظام باستثناءات قليلة (مثل هوكنغ). يكفي مثلاً أن نقرأ مؤلفات هايزنبرغ التي ترد فيها مفردة (الفلسفة) في عناوينها؛ لكنّي - وكذائقة شخصية - أظنّ أنّ «إرفن شرودنغر» هو الأكثر تمثيلاً بين فيزيائيي القرن العشرين للإسقاطات الفلسفية على الفكر العلمي والمسعى البشري الحثيث نحو فهم الواقع.
سيكون جهداً طيباً أن نتذوّق بعض جمال صرامة هؤلاء المفكّرين، وهي صرامة نابعة من عقول جميلة، وليست بصرامة لاعبي الشطرنج كما أورد بورخيس في واحدة من ملاحظاته المثيرة.