مدربو «منشد الشارقة 12» يؤكدون أن الالتزام والاختيار الجيد للعمل مفتاح الوصول إلى النجاح

يقودون بخبراتهم ومشوارهم الفني إبداعات المنشدين للعام الحالي

وسيم فارس  -  مصطفى حمدو  -   شريف محسن
وسيم فارس - مصطفى حمدو - شريف محسن
TT

مدربو «منشد الشارقة 12» يؤكدون أن الالتزام والاختيار الجيد للعمل مفتاح الوصول إلى النجاح

وسيم فارس  -  مصطفى حمدو  -   شريف محسن
وسيم فارس - مصطفى حمدو - شريف محسن

«الوصول إلى النجاح يتطلب كثيراً من المعايير والخيارات التي تسهّل الدرب وتطوِّعه أمام المبدع، فالموهبة وحدها لا تكفي في كثير من المواضع الإبداعية، لا سيما تلك التي تحتاج إلى صقل وتوجيه مستمر ومتواصل»، هذا ما يؤكده كلّ من المدربين مصطفى حمدو، ووسيم فارس، وشريف محسن، المسؤولين عن تدريب المنشدين المتأهلين لبرنامج «منشد الشارقة» الذي تنظمه قناة «الشارقة» التابعة لـ«هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون»، بدورته الـ12 للعام الحالي، إذ يرون أن «الالتزام وتقديم الأعمال التي تتناسب مع خامات وطاقات الصوت والإجادة والاستفادة من التدريبات المتواصلة وغيرها من العوامل مفاتيح للوصول إلى النجاح».
وطوال مسيرته، حرص «منشد الشارقة» على الاهتمام بطاقات وإبداعات المشاركين، وتنميتها وصقلها، حيث وفّر لهم لجاناً تدريبية متخصصة تمدّهم بكثير من الخبرات، وتراقب معايير وجودة ما يقدمونه من أعمال، قبل الارتقاء على المسرح وبعده، في سعي متواصل للارتقاء بما يمتلكون من مواهب، وأخذ إبداعاتهم نحو آفاق من الإبداع والتطور.
ويقول المنشد السوري مصطفى حمدو أحد أعضاء لجنة التدريب: «نعتمد خلال التدريب على تقديم حزمة من الخطوات المهمة التي يجب على المنشد أن يتقيد بها، لضمان الوصول إلى مراحل متقدمة من البرنامج، وتنقسم إلى جزأَين مهمين: الأول هو العمل الذي يقدمه المنشد على خشبة المسرح أمام الجمهور، والثاني يتجلى في التدريب بشكل عام، وما يختص به على صعيد تمارين التنفُّس والصوت، والمعلومات النظرية الموسيقية بشكل عام وغيرها».
وتابع حمدو: «يجب على المنشد الانتباه إلى مسألة مهمة، وهي العمل الذي يقدمه، وأن يكون على دراية كافية باللحن، ويتقنه بشكل صحيح، حيث يتيح هذا التدريب الفرصة للوقوف بثقة أمام الجمهور، ويجب أن يكون العمل الذي يختاره المنشد غير مؤدّى سابقاً، ودائماً ما نحرص على أن نعزز في داخل المشاركين أن البرنامج ليس نزهة، فهو مسابقة جدّية ومهمة، وتضيف إلى رصيد المنشد الشيء الكثير، لذا على جميع المنشدين أن يحرصوا على رفع درجاتهم التقييميّة، من خلال اتباع هذه الخطوات التي تضمن لهم الانتقال لمراحل متقدمة، وهذا ما يميّز حامل اللقب».
من جهته، قدم الموسيقار وسيم فارس، أحد أعضاء لجنة التدريب حزمة من النصائح والإرشادات المهمة للمنشدين، تتجلى في تعريف المنشد بإمكانياته الصوتية التي ستساعده في اختيار الأعمال التي تناسب خامته الصوتية. وأضاف أنّ «اختيار الطبقة الصوتيّة المناسبة للعمل الذي يؤديه المنشد عمل مهم، كما يجب على المنشد أن يسجّل صوته، ويستمع إليه، وأن يقرأ الكلمات بطريقة الإلقاء لتتوضح أمامه مخارج الحروف بالشكل الصحيح، وأن يتقيّد بضرورة ألا يتنفس من خلال الفم، لأنّه يجفف الأحبال الصوتية، وأن يتنفس دوماً من الأنف، إلى جانب الاستماع بتركيز لملاحظات المدربين، وتطبيقها، والعمل على الاستفادة من كل ما يقدّم له من معارف وخبرات».
بدوره، قال المدرب شريف محسن: «يترتب على المنشدين كثير من العمل من أجل الارتقاء بقدراتهم وإبداعاتهم، فهذه التدريبات ضرورية، وتمدهم بمعارف خاصة لفهم قدراتهم الصوتية المتاحة، وهي أحد أهم الأشياء التي يجب التركيز عليها، واختيار الأنشودة المناسبة للهجة والخامة والمساحة الصوتية مهم، كما يجب أن يراعي المنشد نوعية الجمهور وما سيُقدَّم له، إلى جانب معرفة المنشد المسبقة بما يتناسب مع قدراته ومعارفه، وكيف يمكن له أن يوظفها بشكل جيد، ويبتعد عن المبالغة في الأداء، وأن يكون قبل أي شيء مؤمناً بما يقدمه من فنون نبيلة».
وسيكون الجمهور على موعد مع مرحلة التصفيات الأولى من البرنامج اليوم، حيث سيقود المنشد مصطفى حمدو المجموعة الأولى التي يتنافس فيها 4 متأهلين، وهم المنشدون: أحمد العقيل من السعودية، ونضال عيمن من الجزائر، وحسن الجلب من سوريا، وعبد الله العميري من اليمن.
يُعدّ «منشد الشارقة» البرنامج التلفزيوني الأكبر من نوعه لاكتشاف مواهب الشباب في مجال الإنشاد في المنطقة والعالم، ويحظى برعاية وتوجيهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم إمارة الشارقة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)