أصغر منزل في بريطانيا يعرض للبيع بأكثر من نصف مليون جنيه إسترليني

يبلغ عرضه 66 بوصة وطوله 5 أقدام و6 بوصات.. وأطلق عليه «النحيف»

أنحف مبنى في بريطانيا (تصوير: جيمس حنا)
أنحف مبنى في بريطانيا (تصوير: جيمس حنا)
TT

أصغر منزل في بريطانيا يعرض للبيع بأكثر من نصف مليون جنيه إسترليني

أنحف مبنى في بريطانيا (تصوير: جيمس حنا)
أنحف مبنى في بريطانيا (تصوير: جيمس حنا)

يعرض في غرب العاصمة البريطانية لندن، وبالتحديد في منطقة «شباردز بوش»، المشهورة بسوقها الشعبية وبأكبر مجمع تجاري في أوروبا «وستفيلد»، أصغر منزل في البلاد، حيث يبلغ عرضه 66 بوصة وطوله 5 أقدام و6 بوصات، وقد أطلق عليه المنزل «النحيف»، إلا أنه ثمين في سعره، حيث أدرج في سوق العقارات بسعر يتراوح ما بين 500 ألف و600 ألف جنيه إسترليني، حسب ما قاله وكيل العقارات سيمون بياتسون.
وتعود قصة بناء المنزل الفريد إلى محاولة مهندس معماري من العصر الفيكتوري الذي رأى أن أفضل وسيلة لملء الفراغ بين بنياتين في شارع «غولد هاوك» بمنطقة «شيبرد بوش» هو بإضافة بناية صغيرة بينهما، وبالفعل قام بالتنفيذ في عام 1870. ويقول سيمون، وكيل وكالة لبيع العقارات: «إنني لم أر أبدا مثل هذا المنزل، إنه بالتأكيد واحد من أنحف المنازل في البلاد»، وأضاف قائلا: «كان بيع (المنزل) في مارس (آذار) عام 2006 في مزاد علني بسعر62.000 جنيه إسترليني».
ويتكون المنزل المعجزة من 5 طوابق؛ طابق تحت الأرض وآخر أرضي وطابق أول وطابق ثان وثالث. والمنزل يضم غرفتين للاستقبال في الطابق الأرضي ومطبخ طويل وغرفة للطعام، وغرفتي نوم، وغرفة دراسة وحمامين مزدوجين في الطوابق العليا.
للمنزل المعجزة قصة بسيطة وليست رومانسية، لكنها ألهمت الكثير من الفنانين. ووفقا لسكان المنطقة، فإن سكانه السابقين هم من الشعراء والفنانين. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل حقا يستحق المنزل «النحيف» ثمنه هذا، مع استمرار ارتفاع أسعار المنازل في لندن؟ يجيب وكيل العقارات سيمون أن حجم المنزل ليس مهما، وإنما المهم هو المكان والموقع اللذين يحددان ثمن العقار.
وتعد لندن المدينة المثالية لسوق العقارات الفاخرة ولها باع كبير في هذا المجال. ومن أسباب الإقبال الكبير على هذه المدينة، التجانس ما بين الفئات العرقية كافة التي تسكن في المدينة، والطلب المتزايد على العقارات الفاخرة في ظل النظام المالي المعقول وتوافر المدارس الممتازة، بالإضافة إلى المركز المالي القوي. وبما أنه ليس من السهل إيجاد عقار مثالي على الطراز الجورجي، فإن البعض يفضل البحث عن شقة فخمة في المناطق الحصرية مثل: بلغرافيا، ونايتسبيرغ، وتشلسيا، ومايفير. أما الذين يبحثون عن عقار فخم بالقرب من الحدائق اللندنية المشهورة، فإنه من الصواب شراء منزل في منطقة إيتون مثلا القريبة من حدائق قصر باكنغهام. يعيش معظم السكان المهتمون بالموضة بالقرب من المقاهي الحيوية جنوب كينسينغتون ونوتينغ هيل. تعد المناطق القريبة من حدائق ريجينت وجونزوود وبيرموز هيل وهامبسيت المشهورة، التي تقع إلى الشمال من لندن، من الأحياء الثرية. ويعد عنوان السكن عاملا مهما في لندن، حيث يعكس فخامة المنطقة والعقار الفاخر.
وبحسب أرقام رسمية صادرة عن دائرة تسجيل الأراضي في بريطانيا، فإن الطلب القوي على العقارات في لندن الذي تجاوز المعروض أدى إلى ارتفاعها بنسبة 4.2 في المائة، وهو ما يعني الزيادة اليومية المشار إليها إلى متوسط أسعار المنازل في لندن.
وبهذا الارتفاع، فإن متوسط أسعار المنازل في العاصمة لندن يكون ارتفع بنسبة 17 في المائة، مقارنة بما كان عليه في الوقت نفسه من العام الماضي، ليصل إلى مستوى 435 ألف جنيه إسترليني (730 ألف دولار).
وبهذه الأسعار المرتفعة، أصبحت أسعار المنازل في لندن خارجة عن متناول يد غالبية سكان المدينة العاديين، حيث إن عملية التمويل المصرفي لأي منزل تحتاج لدفعة أولى متوسطها 87 ألف جنيه إسترليني، على أن موافقة أي بنك على التمويل تحتاج إلى دخل مالي لا يقل عن 100 ألف جنيه سنويا، وهو ما يعني أن الغالبية الساحقة من سكان لندن أصبحوا غير قادرين على شراء مساكن لهم.
والمنزل المعجزة الصغير في حجمه والكبير في ثمنه يقع بالقرب من سوق «شباردز بوش» في غرب لندن وهو مشهور للجالية العربية، وبالذات الخليجية. ويعود تاريخ إنشاء السوق إلى عام 1914، حيث اشتهر في الحرب العالمية الأولى بوجود البضائع المنخفضة الأسعار، بعد أن هدمت جميع الأسواق المهمة.
واستمرت السوق بنجاح إلى وقتنا الحالي، حيث صارت ملجأ لجميع الفئات لشراء حاجاتهم وأغراضهم، ويحسب له موقعه الاستراتيجي، حيث يقع في منطقة تجارية نشطة إضافة إلى قربة من شبكة مواصلات مثل الباصات ومترو الأنفاق.
وتتميز السوق بممراتها الضيقة وتجمع بين جدرانها مختلف النكهات الشعبية، والباعة من مختلف الأعراق العربية والأفريقية والآسيوية، والسوق تصميمها متواضعة وحافلة بالبضائع مثل الملابس والأحذية والأطعمة واللحوم الحلال والأسماك وألعاب الأطفال وبأسعار رخيصة، وبالإمكان المفاصلة على الأسعار من دون الحاجة إلى التحدث بالإنجليزية؛ فالكل يتحدث العربية. ومن ثم تعد السوق مقصدا للكثير من العرب المتسوقين.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)