مخاوف من «مواجهة عرقية» في بوليفيا

بين المتحدرين من أصول أوروبية والسكان الأصليين

مسيرة من أجل السلام في العاصمة لاباز أمس (أ.ب)
مسيرة من أجل السلام في العاصمة لاباز أمس (أ.ب)
TT

مخاوف من «مواجهة عرقية» في بوليفيا

مسيرة من أجل السلام في العاصمة لاباز أمس (أ.ب)
مسيرة من أجل السلام في العاصمة لاباز أمس (أ.ب)

الحرب الأهلية في بوليفيا تغلي على نار خفيفة؛ هذا هو القاسم المشترك بين تحليلات المراقبين والأوساط الدبلوماسية والجهات الدولية المعنية مباشرة بالأزمة البوليفية التي تتسارع تطوراتها منذ الانتخابات الرئاسية في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتهدد اليوم بمواجهة عرقية مفتوحة بين المنحدرين من أصول أوروبية والسكان الأصليين الذين يشكلون نحو ثلثي المواطنين في بوليفيا.
كل هذه التحليلات تدور حول الرئيس السابق إيفو موراليس، محور المواجهة السياسية والاجتماعية في البلاد منذ وصوله إلى الحكم في عام 2006، كأول رئيس من السكان الأصليين في أميركا اللاتينية. وتجاوزت شعبية موراليس الإطار السياسي، حتى أصبحت اليوم حاضرة في جميع مفاصل الحياة اليومية للبوليفيين، وفي آلاف الشعارات المرفوعة في أنحاء البلاد، كما في آمال أنصاره ومخاوف خصومه. وليس هذا الحضور سوى تأكيد على الهيمنة الثقافية لموراليس، وللحركة التي يمثلها طوال السنوات الأربعة عشرة التي أمضاها في الحكم.
وعندما أعلن موراليس استقالته مطلع الأسبوع الماضي، تحت ضغط القوات المسلحة، وطلب اللجوء إلى المكسيك، قال إن الهدف من قراره هو نزع فتيل الصراع الأهلي، وتهدئة الاضطرابات التي كانت قد بدأت تنزع نحو العنف في مناطق عدة من البلاد. وكثيرون من أنصاره، وحتى من خصومه، ما زالوا يستفسرون إلى اليوم عن الأسباب الحقيقية وراء قرار الاستقالة والخروج من البلاد، خصوصاً أن المعارضة التي كانت تحتج على التلاعب بنتائج الانتخابات لم تطالب بأكثر من الذهاب إلى جولة ثانية لحسم نتيجتها. وليسوا قلة أولئك الذين يتساءلون كيف خسر موراليس هذا التأييد الشعبي العارم الذي يجدد له الولاية غبّ الأخرى.
ومطالع عام 2016، كان موراليس قد أنهى ولايته الثانية والأخيرة، بموجب أحكام الدستور، لكنه كان يعتزم الاستمرار في الحكم، وقرّر الدعوة إلى استفتاء شعبي لتعديل الدستور، خسره بفارق بسيط كان كافياً للدلالة على اهتزاز واضح في شعبيته. ولم يتراجع موراليس أمام تلك الانتكاسة الواضحة، فلجأ إلى المحكمة الدستورية الموالية له، ثم إلى المحكمة الانتخابية، لإبطال مفاعيل الاستفتاء، والسماح له بالترشّح من غير قيود على عدد الولايات الرئاسية.
لم يكترث موراليس لتلك الانتكاسة، رغم ما حملته من دلالات واضحة، واستمرّ واثقاً في مسيرته مستنداً إلى خزّانه الشعبي الواسع، والإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي اعترف بها خصومه قبل أنصاره، ولم يتردّد في استباق صدور النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية في 20 من الشهر الفائت، معلناً فوزه من الجولة الأولى. لكن ما لبثت تلك الثقة أن انهارت فجأة في العاشر من هذا الشهر، بعد أسبوعين من الاتهامات بتزويره نتائج الانتخابات والاحتجاجات الشعبية ضده، والبيان الذي صدر عن منظمة البلدان الأميركية، بعد مراجعة عملية الفرز، والذي يوصي بإعادة الانتخابات.
وقبل استقالته توجّه موراليس إلى مدينة ألتو، وهي المعقل الرئيسي للسكان الأصليين، عندما بدأ يشعر بعدم الأمان في القصر الرئاسي بالعاصمة لاباز، ولا في قصر الشعب الكبير الذي أراده رمزاً لحركته، بعد أن أعلنت قيادة الشرطة التمرد، وقررت رفع الحراسة عن المباني العامة. ولأول مرة منذ وصوله إلى الحكم، دعا أحزاب المعارضة إلى التفاهم حول ميثاق سياسي للخروج من الأزمة، لكن المعارضة التي أدركت عمق المأزق الذي كان يتخبط فيه سارعت إلى رفض دعوته إلى الحوار، ودفعت بقوة نحو المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شلت البلاد، وأنهت مسيرة أول رئيس من السكان الأصليين في بوليفيا.
ومدينة ألتو أصبحت في الأيام الأخيرة المسرح الرئيسي للمظاهرات التي ينظمها أنصار موراليس منذ استقالته وتنصيب الـرئيسة الجديدة، التي أدت إلى وقوع عدد من القتلى يُخشى أن يتجاوز بكثير الأرقام التي أعطتها المصادر الرسمية. وكانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أعربت عن قلقها من الإفراط باستخدام القوة ضد المتظاهرين، وقالت مصادر اللجنة الأميركية لحقوق الإنسان إن عدد القتلى قد بلغ 23، بعضهم نتيجة المواجهات بين مجموعات متناحرة من المتظاهرين، والبعض الآخر بسبب القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية والعسكرية.
وفي أول تعليق لها على الأحداث البوليفية، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه: «أخشى كثيراً أن يخرج الوضع في بوليفيا عن السيطرة، إذا لم تتصرف السلطات وفقاً للمعايير والقواعد الدولية التي يجب أن يخضع لها استخدام القوة، والاحترام التام لحقوق الإنسان». وأضافت: «الحل لن يكون بالقوة والعنف. لكل الأطراف الحق بالتعبير عن مواقفها، لكن على الجميع الامتناع عن اللجوء إلى العنف، والذهاب إلى الحوار بأسرع وقت».
ويخشى مراقبون في الأمم المتحدة من انحراف الأزمة إلى مواجهة عنصرية بين الحكومة الجديدة التي يسيطر عليها اليمين المتطرف والسكان الأصليين الذين أصبحوا يلعبون دوراً فاعلاً في المشهد السياسي والاجتماعي في عدد من بلدان أميركا اللاتينية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».