معركة الأمير هاري مع الصحافة البريطانية تفتح جروح العائلة المالكة مع الإعلام

الأمير هاري يريد أن يعيد صياغة العلاقة بين الأسرة المالكة والإعلام (رويترز)
الأمير هاري يريد أن يعيد صياغة العلاقة بين الأسرة المالكة والإعلام (رويترز)
TT

معركة الأمير هاري مع الصحافة البريطانية تفتح جروح العائلة المالكة مع الإعلام

الأمير هاري يريد أن يعيد صياغة العلاقة بين الأسرة المالكة والإعلام (رويترز)
الأمير هاري يريد أن يعيد صياغة العلاقة بين الأسرة المالكة والإعلام (رويترز)

لم يكن أحد في الصحافة البريطانية ولا من مساعدي الأمير هاري يتوقع أن يصل الخلاف مع الإعلام إلى حد رفع الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل دعاوى قضائية في المحاكم. فالخلاف مع الصحافة يعود تاريخه إلى سنوات القرن الماضي التي تعرضت فيها الأميرة ديانا والدة هاري إلى مضايقات ومطاردات، يعتقد البعض أنها كانت من أسباب مصرعها في حادث سيارة في باريس عام 1997.
وفي الأسابيع الأخيرة كان الأمير هاري وزوجته ميغان وطفلهما آرتشي يقومان بزيارة رسمية لجنوب أفريقيا، وهي زيارة نشرت خلالها صور الطفل آرتشي وبدا منها أن هناك تقارباً بين أسرة الأمير هاري وبين الإعلام. ولكن في اليوم الأخير من الزيارة تم الإعلان في لندن أن الأمير هاري قرر رفع دعاوى قضائية ضد صحيفتي «صن» و«دايلي ميرور» في مخالفات اختراق مكالمات هاتفية يعود تاريخها إلى عام 2011. كما تم الإعلان أيضاً عن دعوى أخرى من زوجته ميغان ماركل تتهم فيها صحيفة «ميل أون صنداي» بنشر مقاطع من خطاب خاص أرسلته إلى والدها بعد زفافها، وهو ما يعتبر تعدياً على خصوصياتها.
وتعد هذه القضايا هي الأخطر على الإطلاق من أعضاء في الأسرة المالكة ضد الصحافة البريطانية. وتشمل دعوى الأمير هاري اختراق مكالماته الهاتفية وإعاقة العدالة والحنث باليمين في قاعة المحكمة ضد كبار مديرين وصحافيين بريطانيين. وهي تهم خطيرة، وتعني محاكمات طويلة ومكلفة لن يخرج منها أحد منتصراً.
هذه القضايا تفتح جروحاً كانت ملتئمة بين العائلة المالكة في بريطانيا وبين الإعلام. ويرى البعض أنها معركة خاسرة للكثير من الأسباب، أهمها احتمال طلب الأمير هاري أو زوجته للشهادة في المحاكم وانغماس الإعلام البريطاني في تناول خصوصيات عائلة الأمير هاري لزيادة التوزيع أو المشاهدة. وقياساً بمعظم القضايا السابقة ضد الإعلام البريطاني تكون النهاية مجرد دفع غرامة أو نشر اعتذار مع ترقب لأي فرصة للنيل من الشاكي مرة أخرى.
ويبدو أن الأمير هاري يريد أن يعيد صياغة العلاقة بين الأسرة المالكة والإعلام، خصوصا بعد ما حدث لوالدته الأميرة ديانا.
وخلال الصيف الماضي عين الأمير هاري مديرا لحسابه على «إنستغرام» هو ديفيد واتكينز الذي يتابع أخبار الأمير هاري وعائلته وينشرها كما يريد أن يراها الأمير هاري وليس كما يراها الإعلام. وهو لا يتوجه بموقعه على «إنستغرام» إلى الجمهور البريطاني وحده بل ينشر أخباره لمتابعيه على نطاق عالمي.
ويقول المقربون من الأمير هاري إنه يريد أن يتخلص من الطرف الأوسط في المعادلة وهي الصحافة لأنه لا يستسيغ التعامل معها. ويضيف هؤلاء أنه لا يهم للأمير هاري الفوز في معركته القضائية أو الخسارة لأنه في النهاية يريد أن يعاقب الصحافة على ما سبق وفعلته مع والدته، والتدخل الحالي في حياته الشخصية والعداء الذي تظهره لزوجته ميغان.
ومن خلال اختيار الأمير هاري لمنصة «إنستغرام» كموقع مفضل له وتعيينه لموظف متفرغ لإدارة موقعه، فهو يأمل أن يحول الصحافة البريطانية من ناشرة لأخباره إلى مجرد متفرج على أخبار وصور الأمير وعائلته على موقع «إنستغرام» الذي ينشرها حصريا تحت إشرافه. وهذا هو الأسلوب المفضل من الكثير من المشاهير الآخرين بمن فيهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يفضل بدوره منصة «تويتر» على المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض.
ولذلك كان الإعلان الأول عن مولود الأمير هاري على «إنستغرام». وخلال الزيارة الأخيرة لجنوب أفريقيا تم إبلاغ الصحافة عن مقابلة المولود آرتشي للأسقف ديزموند توتو والسماح بنشر الصور بعد فترة من منع النشر. ولكن الأمير هاري سبق الجميع بنشر الصور والأخبار بعد دقائق على حساب «إنستغرام».
وقد أثار هذا غضب الإعلاميين الذين اعتبروا في الأمر خدعة، واعتبروا أن الأمير لم يلتزم بمنع النشر الذي فرضه على الجميع بينما سمح لنفسه بحرق الخبر ونشره إلى ملايين من متابعيه. وقرر بعض الصحافيين أيضاً خرق المنع ونشر الخبر على «تويتر».
من ناحية أخرى، شكا المصورون الرسميون بأن هاري وميغان يجعلان وظيفتهم غير مطلوبة بتعيين مصور أميري خاص بهما واستبعاد المصورين الصحافيين من الكثير من المناسبات. ويؤكد المقربون من الأمير هاري أنه يريد تغيير الوضع الراهن، وأنه لا يخشى من مواجهة وتحدي الإعلام، «فليس لديه ما يخسره».
ولكن المثير أن الأمير تشارلز والد هاري وأخاه الأمير ويليام لم يعلنا بعد أنهما يدعمان الأمير هاري في معركته مع الصحافة، ولذلك يمكن التكهن أن هاري وميغان سوف يدخلان هذه المعركة مع الصحافة بمفردهما. وفي حالة قضية ميغان ضد صحيفة «ميل اون صنداي» هناك خطر استدعاء والد ميغان للشهادة مع وجود ميغان نفسها في قاعة المحكمة، الأمر الذي قد يزعج ميغان في مثل هذه المواجهة التي لا ترغبها لوجود خلافات مع والدها.
ويعلق خبراء العلاقات العامة بأن خطة الأمير هاري مجرد «تكتيك» لإثارة الذعر بين الصحافيين وأصحاب الصحف بالقول إنه لن يتبع البروتوكول الملكي الذي يعالج الأمور بسرية وحصافة وأنه سوف يفعل أي شيء لحماية زوجته وأسرته. كما أنه يريد أن يلقن الإعلام درساً في أن أي خبر عن الأمير أو عائلته يجب التأكد من صحته تماماً قبل نشره أو بثه وإلا فإنه سوف يكون لهم بالمرصاد.
وتقول أنغريد سيوارد، رئيسة تحرير مجلة «ماجستي» التي تؤرخ لحياة أفراد العائلة المالكة البريطانية، إن الأمير هاري يخوض معركة مع بعض أركان الإعلام البريطاني، وهي معركة صعبة ولكنه سوف يكسبها. ولكنها عجزت عن تفسير التوقيت لمثل هذه المعركة. وتقدم سيوارد التفسير الوحيد الذي تعتقد أنه صحيح وهو أن هاري قد فاض به الكيل وقرر عدم السكوت بعد الآن.
وفي الرسالة التي نشرها الأمير هاري مؤخراً قال فيها إن الصحافة تشن عليه حملة بلا أي تفكير من نتائجها وانعكاساتها. وأشار هاري إلى أن الخطوات التي يتخذها قد لا تكون آمنة ولكنها خطوات صحيحة. وأضاف في الرسالة أنه رأى كيف تعامل الصحافة إنسانا أحبه وكأنه سلعة وليس إنسانا. وأضاف: «لقد فقدت والدتي والآن أراقب زوجتي وهي تعاني كضحية للقوى نفسها». وعلى رغم المشاعر الشخصية القوية المتضمنة في رسالة الأمير هاري، فإنها تعتقد أنها لم تحقق شيئاً سوى النيل من النجاح الكبير الذي حققته زيارة جنوب أفريقيا. وتضيف أن مقارنة وضع الأمير هاري بوضع والدته ليس في محله لأن وضع ديانا كان مختلفاً. وهي ترى أن موقف الأمير هاري من الصحافة ربما يكون مدفوعاً بضغط من زوجته. وذلك لأن الأميركيين متسرعين في اللجوء إلى المحاكم، ولكن في بريطانيا، خصوصاً على المستوى الملكي، تعالج الأمور في الغالب بشكل مختلف.
ولا تلجأ العائلة المالكة البريطانية إلى المحاكم تجنباً للدعاية السلبية والظهور في المحاكم وكشف الأسرار والتفاصيل غير المرغوب فيها.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.