مصر تحتفل بمرور 150 عاماً على افتتاح قناة السويس

الهيئة نظمت جولات بالسفن واللنشات في المجريين الجديد والقديم

جانب من احتفالات مرور 150 عاماً على افتتاح القناة أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتفالات مرور 150 عاماً على افتتاح القناة أمس (أ.ف.ب)
TT

مصر تحتفل بمرور 150 عاماً على افتتاح قناة السويس

جانب من احتفالات مرور 150 عاماً على افتتاح القناة أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتفالات مرور 150 عاماً على افتتاح القناة أمس (أ.ف.ب)

هي بالنسبة للمصريين أكثر من مجرد مجرى مائي يربط بين البحرين الأبيض والأحمر، فهي بمثابة العصب الاقتصادي والوطني والتاريخي للبلاد، الذي يدر دخلاً سنوياً ثابتاً من «العملات الصعبة»، ويذكرهم بالأجداد الذي ماتوا على ضفتيها خلال القرنين الماضيين، أثناء الحفر وخلال تحرير شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
احتفلت مصر أمس بذكرى مرور 150 عاماً على افتتاح قناة السويس بمدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة) بحضور بعض الوزراء المصريين والسفراء الأجانب. ونظمت هيئة قناة السويس جولات للزوار بالسفن واللنشات في المجريين الجديد والقديم للقناة. وبجانب احتفالات هيئة قناة السويس بذكرى مرور 150 عاماً على افتتاح القناة، تنظم هيئات ومتاحف مصرية معارض خاصة بهذه المناسبة تستهدف التذكير بهذا الإنجاز المصري التاريخي المهم، عبر أعمال فنية متنوعة ومميزة.
وعرضت هيئة قناة السويس خلال حفلها أمس فيلماً تسجيلياً بعنوان «حكاية قناة»، استعرض تاريخ افتتاح القناة في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1869. بعدما استغرق حفرها نحو 10 سنوات على يد ما يقرب من مليون مصري، توفي منهم ما يقرب من 100 ألف مواطن.
ونوّه الفيلم إلى أنّه مع التطور الكبير في أحجام السفن وحجم الحمولات مع إعادة الافتتاح بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، شرعت هيئة قناة السويس في تطوير المجرى الملاحي ليرتفع غاطس السفن العابرة من 38 قدماً إلى 53 قدماً، ليزيد من قدرة القناة على استيعاب الحمولات من 60 ألف طن إلى 150 ألف طن.
وأفاد الفيلم التسجيلي أنّ مشروعات التطوير توالت لزيادة قدرة القناة الاستيعابية على مر السنين، وحديثاً تم تشغيل قناة السويس الجديدة من أجل استيعاب 97 سفينة يومياً في عام 2023 بدلاً من 49 سفينة عام 2014 مع تحقيق العبور المباشر دون توقف في الاتجاهين، وهو يعد إنجازاً مصرياً قوياً.
وخلال كلمته بالاحتفال، قال رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، إن «قناة السويس حققت أرقاماً غير مسبوقة في حركة الملاحة اليومية، بفضل مشروع القناة الجديدة»، وأوضح أن «عدد السفن التي عبرت القناة منذ افتتاحها للملاحة وحتى الآن بلغ مليوناً و300 ألف سفينة، بحمولات 28 ملياراً و600 مليون طن، وبإيرادات بلغت 135 ملياراً و900 مليون دولار».
وأضاف ربيع: «نحن نمتلك اليوم جميع المقومات اللازمة للنجاح، ونحظى بإرادة سياسية واعية تدرك قيمة القناة ومكانتها حيث تم اختصار زمن العبور من 22 ساعة إلى 11 ساعة فقط». مؤكداً أن «أن 24 في المائة من إجمالي تجارة الحاويات العالمية تعبر من قناة السويس، فيما تستوعب القناة نسبة 100 في المائة من تجارة الحاويات المارة ما بين آسيا وأوروبا».
وشهد العام المالي الماضي 2018 - 2019 عبور 19 ألف سفينة حققت إيرادات قدرها 6 مليارات دولار أميركي، وتحرص الهيئة على الارتقاء بمستوى الخدمات البحرية واللوجيستية المقدمة، وذلك من خلال تبني مشروعات التطوير المستمرة بالمجرى الملاحي، وتعتبر القناة من أقصر الطرق البحرية بين الشرق والغرب، فهي قناة ملاحية دولية مهمة تربط بين البحرين؛ الأبيض المتوسط عند بورسعيد، والبحر الأحمر عند السويس، كما تعتبر الملاحة فيها الأكثر أماناً والأوفر وقتاً بالمقارنة بالقنوات الملاحية الأخرى.
وتواصل السلطات المصرية ترميم المبنى الأثري لهيئة قناة السويس لتحويله إلى متحف يسرد تاريخ قناة السويس، إذ بدأ العمل به منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي، وتم إنجاز نحو 65 في المائة من إجمالي المشروع الذي من المقرر افتتاحه منتصف العام المقبل.
من جهته، قال ستيفان روماتيه السفير الفرنسي في القاهرة، خلال الاحتفال أمس: «إن قناة السويس تعتبر ركيزة العلاقات بين مصر وفرنسا، لأنّها كانت يوماً ما حلماً بعيداً حيث سخرت مصر في سبيلها أمة بأكملها، لهذا ظلت حاضرة في تاريخ مصر والعالم أجمع».
وأضاف روماتيه أنّ «ذكرى افتتاح قناة السويس ستظل باقية في أذهان الفرنسيين والمصريين على حد سواء، ونحن نفخر أننا شاركنا في هذا الموضوع العظيم».
وبعد الانتهاء من قناة السويس، أقيم في بورسعيد احتفال أسطوري استمر لأسابيع، حضره 6 آلاف متفرج، ولفيف من رؤساء الدول، من بينهم الإمبراطورة أوجيني، وإمبراطور النمسا، وأمير ويلز، وأمير هولندا، ودخلت قافلتان من السفن في القناة من المداخل الجنوبية والشمالية، والتقتا في الإسماعيلية.
واستمرت القناة تحت سيطرة بريطانيا، إلى أن أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميمها في عام 1956. وقد أغلقت القناة أمام الملاحة مرتين، الأولى بعد العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر في عام 1956، بعد قرار تأميم القناة، ثم أعيد افتتاحها عام 1957. فيما كان الإغلاق الثاني بعد حرب يونيو (حزيران) عام 1967 مع إسرائيل، وظلت مغلقة حتى عام 1975، عندما وقّعت مصر وإسرائيل اتفاق فكّ الاشتباك الثاني بعد حرب أكتوبر 1973.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».