بن أفلك.. من البداية المتواضعة إلى النجاح المطلق

فيلمه الجديد «فتاة مختفية» ينجز أطنانا من العائدات المالية للأسبوع الثاني

بن أفلك كما في فيلمه الجديد «فتاة مختفية»
بن أفلك كما في فيلمه الجديد «فتاة مختفية»
TT

بن أفلك.. من البداية المتواضعة إلى النجاح المطلق

بن أفلك كما في فيلمه الجديد «فتاة مختفية»
بن أفلك كما في فيلمه الجديد «فتاة مختفية»

الجميع يود أن يتحدث عن بن أفلك. محطتا «العربية» و«الجزيرة» خصصتا حوارات حوله من منطلق ما وقع في أستوديو «HBO» عندما انبرى الممثل - المخرج مدافعا عن الإسلام عندما تمادى بن ماهر (تكتب بحرف الهاء، لكنه لا يلفظ) وأحد ضيوفه سام هاريس في هجومهما عليه معتبرا أنه يحتوي في جوهره على تخلف وتقاليد وموروثات غير ليبرالية.
ومن دون العودة إلى ما دار بين بن أفلك وماهر أو سواه، ومن دون الإبحار في الحقائق المتوارية في مثل هذه التهم التي يساعد على ترويجها ما تقوم به الجماعات الإرهابية من أفعال لا يمكن لمسلم أو غير مسلم القبول بها، فإن الناتج من خلال ما حدث من حوارات ساخنة (وتستطيع أن ترى وجه بن أفلك عابقا من الغضب نظير ما سمعه)، هو أن الممثل المعروف قدم دفاعا قويا مستندا إلى مبدأ التفريق بين القلة التي تشوه الدين الإسلامي والغالبية التي تعيش حياتها في المجتمعات المختلفة بسلام. أمر لم يعجب ماهر الذي يعارض الدين بكليته وليس فقط المنتمين إليه.
ما خرج بن أفلك به هو إعجاب ملايين المسلمين ومعاداة اليمين المتطرف. محطات أميركية من بينها «فوكس» تداولت موقفه وإحداها سمته «الإمام بن أفلك». آخرون تساءلوا عن اتجاهاته السياسية وقد بنوا آراءهم حوله من صلبها.
كل هذا وفيلمه الجديد «فتاة مختفية» ينجز أطنانا من العائدات المالية للأسبوع الثاني على التوالي. الفيلم كان أنجز في أيام افتتاحه الأولى قرابة 40 مليون دولار، ومع نهاية الأسبوع أضاف 10 ملايين دولار أخرى. هذا الأسبوع هو مرشح للبقاء على قمة الإيرادات في مواجهة أفلام جديدة أقواها «القاضي» مع روبرت داوني جونيور وروبرت دوفال، الذي، مثل «فتاة مختفية»، شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان تورنتو الماضي وقد يدخل صرح المنافسة على الأوسكار الأميركي في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
بن أفلك من رعيل ولد من بعد الحرب الفيتنامية. في الواقع، سيحتفل بعيد ميلاده 43 في 15 هذا الشهر. بعد ولادته بأسابيع قليلة انفصل والداه ثم تطلقا رسميا وهو في الـ11 من عمره. قبل ذلك، وفي سن الـ7، أتيح له أن يمثل فيلما من النوع المستقل عن الإنتاجات السائدة عنوانه «النهاية الداكنة للشارع» (1979) وفي سن الـ8 ظهر في إنتاج تلفزيوني بعنوان «رحلة ميمي».
مات دامون كان يسكن على بعد منزلين من المنزل الذي كان بن أفلك يسكنه، وأصبحا صديقين وزميلي دراسة من عمر مبكر. الدراسة ذاتها لم تمنع أفلك من الوقوف أمام الكاميرات التلفزيونية في بعض تلك الحلقات الترفيهية حتى إذا ما حل عام 1989 كان جاهزا لأداء دور صغير جدا في فيلم من بطولة كڤن كوتسنر «حقل الأحلام». بعده دور صغير آخر (كلاعب كرة قدم) في فيلم «بافي وذابح مصاص الدماء» (الفيلم الذي قدم كريستي سوانسون للبطولة أول مرة).
بالتدرج السهل والسريع معا، حط بن أفلك بين ممثلي فيلم «روابط مدرسية» لجانب مات دامون وكريس أو دونل وبرندن فرايزر. ليجد نفسه مطلوبا في أدوار مساندة في أفلام خفيفة مثل «مطاردة آمي» و«المضي للنهاية». وظهر في فيلم بعنوان «قاتل المكتب» حيث لعب دورا صغيرا لكنه حذف على طاولة المونتاج.
وقع ذلك سنة 1997 وهو العام ذاته الذي تبلور فيه التعاون بينه وبين مات دامون إلى الذروة. كانا قد عمدا إلى كتابة سيناريو فيلم «غود ويل هانتينغ» حول زبال شاب لديه قدرة فريدة في علوم الحسابات مما يثير اهتمام البروفسور شون (الراحل روبين ويليامز). بن أفلك لعب دور صديقه الذي يحاول أيضا شق طريقه بين الفرص القليلة المتاحة أمامه. لكنه شخص راشد يريد الخير لصديقه وأفضل مشاهد الفيلم تلك التي تدور بينهما عاكسة، في البعد، صداقتهما الفعلية التي تعود إلى أيام الصبا.
أنجز الفيلم، الذي أخرجه غس فان سانت، أوسكارين من بين الترشيحات الـ9 التي دخلها وهما أوسكار أفضل تمثيل مساند وناله روبين ويليامز وأوسكار أفضل سيناريو كتب خصيصا للسينما واستلمه مات دامون وبن أفلك. كثيرون هم الذين يتذكرون اليوم كيف أن هذين الشابين وقفا معا في تعاضد قلما تشهد هوليوود مثيلا له. آنذاك، سنة 1998، وعدا الكثير بأن يواصلا العمل معا. لكن شيئا ربما كان أفضل من تحقيق هذا الوعد، حدث: أصبح كل منهما نجما.
بالنسبة لأفلك، وجد نفسه في سلسلة من الأفلام المتنوعة. هو في الفيلم النوعي «شكسبير عاشقا» (1999) كما في الفيلم الترفيهي الكبير «يوم الحساب» Armageddon، وفي فيلم مستقل آخر مثل «دوغما» كما في فيلم تجاري مؤكد مثل «بيرل هاربور». هذا الفيلم الأخير شهد نجاحا تجاريا كبيرا وقام أساسا على 3 ممثلين كلهم في عمر شاب. أخرجه سنة 2001 مايكل باي من بطولة أفلك وجوش هارتنت وكايت بكنسال. 3 من أعمار متقاربة لكن في حين لم يحظ هارتنت وبيكنسال بفرص كبيرة أخرى، شهدت مهنة أفلك المزيد من الأدوار الأولى.
ذلك لم يكن هينا. أفلك كان وقع تحت إدمان الشرب (كوالده) لكنه كان من الشجاعة بحيث دخل المصحة بملء اختياره قائلا إن لديه حياة حافلة تنتظره إذا ما توقف عن الشرب. وهو ساند هذا القرار بالامتناع عن الشرب فعلا.
البداية الجديدة لم تكن سهلة. من ناحية بقي اسما لامعا في مطلع العقد الأول من هذا القرن عندما أعلن وجنيفر لوبيز «إثر تمثيلهما فيلما مشتركا هو (غيغلي)» خطوبتهما، وعاد إلى العناوين الرئيسة في الأخبار وعلى صفحات المجلات والمواقع عندما أعلنا انفصالهما بعد حين.
لكن «غيغلي» كان مشكلة من ناحية أخرى. الفيلم كان من الركاكة بحيث هاجمه، وهاجم من فيه، نقاد أميركا متناسين أن بن أفلك سبق وأن حاز رضاهم عندما لعب «غرفة التحضير» (2000) و«ألعاب الغزال» (2001) و«مجموع كل المخاوف» (2002). أثار إعجابا أقل في «العفريت» (Daredevil) قبل أن يعلن «غيغلي» أن عليه أن يفعل شيئا حيال تدني مستويات أفلامه.
عام 2007 قرر أن هذا الشيء هو القيام بالإخراج لأول مرة. للغاية اختار رواية دنيس ليهان كاتب فيلم كلينت ايستوود الجيد «مستيك ريفرGone Baby Gone » ساندا البطولة إلى شقيقه كايسي ومتحدثا عن تحريين من بوسطن يحققان في قضية فتاة مخطوفة.
فيلمه الثاني كمخرج هو «البلدة» (The Town) الذي أنجزه 2010 وكان من بطولته أيضا: قصة جيدة ولو متشابكة حول عصابة تعتزم السرقة وما يحدث خلال العملية في ساعاتها الأخيرة.
هذا كله قبل أن يقدم على تحقيق «أرغو»، الفيلم الذي نال عنه أوسكار أفضل فيلم سنة 2013 والذي أثار ما أثاره من ردات فعل لدى النظام الإيراني الذي وجد نفسه مستهدفا ولو أن أفلك لم يحفل هنا بتنميط الإيرانيين، مكتفيا بالحديث عن محنة 8 من موظفي السفارة الأميركية يقوم موظف في وكالة المخابرات الأميركية بتدبير أمر إنقاذهم من الأسر.
حاليا يؤدي بن أفلك دور السوبر هيرو باتمان في «باتمان ضد سوبرمان»، وهو عنوان حكاية من روايات سوبرمان التي نشرت في مجلة «كوميكس» في مطلع السبعينات، وطريقة فذة للجمع بين عشاق البطلين معا حيث يقوم هنري كافيل بدور شخصية سوبرمان.
جورج كلوني، الذي هو من بين الأصدقاء المقربين، قال لهذا الناقد قبل أشهر قليلة: «اتصل بي بن وسألني كوني مثلت شخصية باتمان من قبل، إذا ما كان عليه أن يلعب الدور. نصحته به خصوصا في مواجهة ردات فعل سلبية سمعها وقرأها على المواقع».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».