لندن تحيي «يوم أفريقيا» في ساحة الطرف الأغر للمرة الأولى

توافد الآلاف للمشاركة في الفعاليات رغم الجو الخريفي

آلاف المشاركين بـ {يوم أفريقيا} في ساحة ترافلغار أمس (تصوير: جيمس حنا)
آلاف المشاركين بـ {يوم أفريقيا} في ساحة ترافلغار أمس (تصوير: جيمس حنا)
TT

لندن تحيي «يوم أفريقيا» في ساحة الطرف الأغر للمرة الأولى

آلاف المشاركين بـ {يوم أفريقيا} في ساحة ترافلغار أمس (تصوير: جيمس حنا)
آلاف المشاركين بـ {يوم أفريقيا} في ساحة ترافلغار أمس (تصوير: جيمس حنا)

بين نقوش الحناء المتقنة، ورقصات «الجناوة» المغربية المفعمة بالحيوية، مرورا بنغمات الإيقاعات الأفريقية، احتفلت العاصمة البريطانية، أمس (السبت)، بـ«يوم أفريقيا»، في ساحة الطرف الأغر {ترافلغار}الشهيرة، في المرة الأولى التي تحتفي فيها لندن بالثراء الثقافي الأفريقي.
وقد نُظم «يوم أفريقيا» ضمن فعاليات «شهر التاريخ الأسود» برعاية بوريس جونسون، عمدة لندن، للاحتفال بما تضفيه ثقافات الدول الأفريقية من طابع خاص على الفسيفساء الثقافي اللندني، كما ذكر متحدث باسم سلطة لندن الكبرى لـ«الشرق الأوسط». لم يحُل الجو الخريفي الممطر دون توافد الآلاف من الزوار على فعاليات «يوم أفريقيا»، التي استمرت من الظهيرة إلى السادسة مساء، للاستمتاع بالعروض الموسيقية والراقصة، وبالأطباق الشهية الطازجة، وعروض الأزياء المشوقة، التي استعرضت التراث الأفريقي في أبهى حلة.
تميّزت الاحتفالية، أو «أفريقيا في الساحة»، كما أطلق عليها البعض، بمشاركة ممثلي دول أفريقية كثيرة، يُذكر منها المغرب، والسنغال، وغامبيا، ونيجيريا، والصومال، وجنوب أفريقيا، وزيمبابوي.
وفي استراحة بين عرضين موسيقيين، ذكرت خديجة حموشي، وهي مغربية بلجيكية قاطنة بلندن: «عكس يوم أفريقيا بعض التنوع الثقافي الذي تزخر به بلدان القارة، وعمّم أجواء الفرح والسعادة بين الحضور. كما مكّنت الأنشطة الثقافية الكثيرة، من ورشات النقش بالحناء وتعلم الطبول الأفريقية وصنع المجوهرات التقليدية يدويا وغيرها، الزوار من لمس خاصيات الثقافة الأفريقية بمختلف أوجهها».
تضيف خديجة: «لطالما احتضنت ساحة ترافلغار فعاليات ثقافية تعكس تعددية العاصمة العالمية، فقد احتفلت بعيد الفطر في هذه الساحة نفسها، وسأعود، اليوم (الأحد)، لمشاركة أصدقائي من الهند (عيد الأضواء) المعروف بمهرجان ديفالي». وأوضح بترو سولمون، أحد مؤسسي شركة «جيكا» للأزياء الأفريقية: «نطمح من خلال مشاركتنا في (أفريقيا في الساحة) إلى استعراض الأزياء الغامبية برسومها وألوانها الفريدة، وتقديمها بشكل يجذب الجميع، مهما اختلفت أصولهم ومرجعياتهم الثقافية».
أما كونلي، صاحب عربة أكل سنغالية حظيت بإقبال كبير، فاستغرب من تأخر لندن في تنظيم «يوم أفريقيا»، على عكس آيرلندا التي بادرت في تنظيمه منذ 2006: «ولا سيما أن العاصمة البريطانية تحتضن جالية أفريقية كبيرة تسهم في اقتصاد العاصمة وتنوعها الثقافي».
فضلا عن الطابع الثقافي للاحتفال، هدفت بعض الجهات المشاركة في الفعالية إلى توعية الحضور حول الاقتصاد الأفريقي، وبعض أهم عوائق التنمية، في ثاني أكبر قارة في العالم. فقد ذكرت هانا ناشطة بريطانية في جمعية «لافي بوركينا» الخيرية: «نسعى إلى حماية وتعزيز حقوق الأشخاص المعاقين في بوركينا فاسو، حيث لا توفر لهم الجهات الحكومية الدعم اللازم للالتحاق بالمدارس والاندماج في المجتمع بشكل لائق، فيضطرون إلى التوجه إلى الحرف اليدوية. وتتولى الجمعية الخيرية على هذا الأساس ترويج وبيع المنتجات التي يصنعونها على نطاق واسع، ليستفيدوا بالمدخول في تطوير حرفهم وتوفير احتياجاتهم الطبية والمعيشية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».