اللبنانيون... مديرو مصارف صغيرة يديرونها في بيوتهم

ظاهرة شراء خزنات فولاذية تعم البلاد

اللبنانيون... مديرو مصارف صغيرة يديرونها في بيوتهم
TT

اللبنانيون... مديرو مصارف صغيرة يديرونها في بيوتهم

اللبنانيون... مديرو مصارف صغيرة يديرونها في بيوتهم

تمسك إيفا كدسة من الدولارات، تعد أوراقها الخضراء، وتلصق عليها ورقة صغيرة تحمل رقم المبلغ المودع. ومن ثم، تأخذ رزمة صغيرة من فئة الـ100 ألف ليرة، وتلقي نظرة سريعة على كميتها، وتضعها إلى جانب الكدسة الأولى في خزنة فولاذية كورية الصنع اشترتها للتو من أحد محلات بيع الأجهزة الإلكترونية. وبعدها تقفل عليها، عقب أن حفّظتها أرقاماً سرية لا تسمح لأحد غيرها بأن يدخل عليها.
وحال إيفا، ربة المنزل الخائفة على مستقبل أفراد عائلتها، في ظلّ أوضاع لبنان الاقتصادية المضطربة، يشبه حال غيرها من اللبنانيين الذين تهافتوا على شراء خزنات نقد حديدية غير قابلة للسرقة وللحريق. وهذا الأمر تسبب بارتفاع نسب بيعها في المحلات، ليزيد عن الـ50 في المائة، مقارنة مع الأيام الماضية.
وهذه الخزنات يمكن تثبيتها بشكل خفي في خزانة الثياب، أو في أي مكان آخر يختاره صاحبها ليحفظ فيها أمواله كمودع صغير. فالغالبية خافت على مصيرها، بعد أن أقفلت المصارف أبوابها في وجوههم، وإثر تعرض الجسم المصرفي في لبنان إلى مشكلات جدية لتأمين السيولة. كما أن امتناع عدد كبير من البنوك عن تسليم الناس مبالغ كبيرة من الدولارات، وفي ظل إيقافها عمليات التحويل إلى الخارج في سياسة داخلية تتبعها حالياً، ساهم بتهافت اللبناني إلى هذه الوسيلة ليؤمن أمواله، وتكون بمثابة «القرش الأبيض في اليوم الأسود» الذي ينقذه من الآتي الغامض. وبذلك، تحول اللبناني إلى «مدير بنك» من نوع آخر يستحدثه تحت سقف منزله، ويديره على سجيته، موفراً على نفسه الطلعات والنزلات التي تشهدها السوق المصرفية اللبنانية حالياً.
وفي جولة سريعة على محلات بيع هذه الخزنات الحديدية في بيروت، نلاحظ أنّ هذه السوق تنقسم إلى فئتين: واحدة منها تبيع الخزنات التجارية ذات الأسعار المقبولة، وثانية محترفة تبيع خزانة النقود المصنفة «رفيعة المستوى» المعروفة بـ«Haut de gamme» في عالم التأمين. ونلاحظ أيضاً أنّ بعض محلات بيع الأدوات الإلكترونية استحدثت قسماً خاصاً بها، بعد أن لاحظت تدفق اللبنانيين لشرائها في محلات أخرى منذ انطلاق مظاهرات «لبنان ينتفض» في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت.
«إنّ نسبة بيع خزنات الحديد في محلاتنا زادت بشكل كبير، ولا أبالغ إذا قلت إنّها وصلت إلى نسبة ألف في المائة».. يقول محمد، مسؤول المبيعات في محلات عبد طحان للأجهزة الإلكترونية. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنّ «المشهد تبدل تماماً في الفترة الأخيرة، وشهد اختلافاً ملحوظاً. فصرنا نقول ما قبل 17 أكتوبر (تشرين الأول) وما بعده. فيومياً، يدخل العشرات من اللبنانيين يسألون عن نوع الخزنات المتوفرة في محلاتنا، وبينهم من يتخذ قراره بسرعة، ويحمل واحدة منها معه، وبينهم من يذهب ليعود في اليوم التالي ويشتريها».
وعادة ما تكون هذه الخزنات التي تتراوح أسعارها بين 70 و250 دولاراً مؤمنة ضد الحريق، وكذلك ضد السرقة، ويختلف وزنها بين 7 كيلوغرامات و400 كيلوغرام.
«هي مصنوعة من الفولاذ، ومبطنة بمواد عازلة ضد الحرائق».. يوضح محمد الذي يتابع في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يحاول المواطن بهذه الطريقة تأمين مصروفه بشكل دائم، في ظل الإضرابات التي تتبعها المصارف في الفترة الأخيرة. ومعها، ينام قرير العين مطمئناً إلى أن ثروته الصغيرة تنام بقربه هي أيضاً».
وبين خزنات حديد بعرض 60 سنتيمتراً ووزن 40 كيلوغراماً ويبلغ سعرها 250 دولاراً، وأخرى أصغر حجماً لا تتجاوز كلفتها 70 دولاراً، تتألف خزنات النقود التجارية التي عادة ما كانت تُشترى بشكل ضئيل لحفظ المجوهرات والأوراق الرسمية فيها.
«في الماضي، كان يدخل محلاتنا نحو عميل أو اثنين بالأكثر في اليوم الواحد للوقوف على أنواع الخزنات التي نبيعها، ونؤمن تركيبها في الشركات والمنازل. أمّا اليوم، فقد تضاعف هذا العدد بشكل كبير، ليطال نحو 8 زبائن في اليوم الواحد».. تقول كيم، مسؤولة بيع خزانات النقود في شركة معروفة في لبنان باسم «بيت الأمان»، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «البضاعة التي نبيعها تعد من الصنف الأول في السوق اللبنانية، فهي أوروبية المنشأ، وبينها ما يصل من مدينة بوردونيا الإيطالية».
وحسب كيم، فإنّ خزنات النقود هذه تختلف حسب حاجتها واستعمالها، فبينها صغير الحجم الذي لا يزيد وزنه على 20 كيلوغراماً، وأخرى كبيرة قد يصل وزنها إلى أكثر من طن واحد، وتُركّب بواسطة مركبة آلية (ونش) تستطيع تحمل ضخامة حجمها. وتضيف كيم: «هناك خزنات تعرف بنوع المترين بمتر واحد، إضافة إلى أنواع أخرى تتدرج في أهميتها لتحمل شهادات رسمية من بلاد المنشأ تكفل عمرها الطويل وصيانتها».
وعن التسهيلات التي تتبعها شركتها في عمليات البيع، ترد كيم في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نقوم حالياً بعروض لأسعار مخفضة، استعداداً لاستقبال البضاعة الجديدة مع بداية السنة. وتصل هذه التخفيضات إلى ما يلامس 30 في المائة أحياناً، ونمارس عملية تسديد المبالغ بالتقسيط المريح أحياناً أخرى، شعوراً منا بالحالة الاقتصادية المتردية التي يعاني منها البعض. أمّا أسعار هذه الخزنات، فقد يلامس 30 ألف دولار وما فوق.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».