العنف الأسري يسحق أطفال اليمن في ظل حكم الميليشيات الحوثية

إجبار على العمل وانتهاكات تصل إلى حد القتل

TT

العنف الأسري يسحق أطفال اليمن في ظل حكم الميليشيات الحوثية

ما تزال الطفلة رامية عبد الفتاح في الثالثة عشرة من العمر، لكنها تعرضت لتعذيب واعتداء جسدي عنيف من قبل والدها، كما يقول شهود عيان وكأنها اقترفت جريمة لا تغتفر.
تعيش رامية مع زوجة أبيها في أحد المنازل الشعبية في حارة الشريف بحي نقم شرق العاصمة صنعاء، وبعيدا عن أمها المطلقة، حيث انهال أبوها على جسدها النحيل بالضرب المبرح في الشارع العام، وعلى مرأى ومسمع عدد من سكان الحي الذين حاولوا جاهدين منع الأب الهائج من التنكيل بطفلته، لكنهم عجزوا عن ذلك، ليمضي في البطش بها حتى أغمي عليها.
نقلت رامية إلى المستشفى، بحسب شهود تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» وهي في حالة خطرة وسط أنباء ترددت عن مفارقتها الحياة متأثرة بجراحها البليغة.
هذا الحادث المأساوي الذي تعرضت له الطفلة رامية في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهو الشهر الذي يحتفل فيه العالم بحلول الذكرى الثلاثين للمصادقة على اتفاقية حقوق الطفل الأممية، لكن هذه المناسبة الدولية لم تمنع الأب من ارتكاب جريمته، ولم تحفز الجهات الأمنية الخاضعة للحوثيين للقيام بمسؤولياتها القانونية إزاء الأب الجاني، الذي ظل طليقا رغم أن الحادثة تم تناولها في وسائل إعلام محلية وصارت قضية رأي عام.
أهالي الحي الذي تسكن فيه الطفلة رامية ما يزالون يجهلون مصير الطفلة الضحية وفشلت كل محاولاتهم لمعرفة المآل الذي آل إليه حالها، بعد تعرضها للاعتداء القاتل من والدها ومنهم من لجأ إلى شرطة الميليشيات الحوثية للسؤال عن حالها دون جدوى ليبقى مصيرها غامضا حتى لحظة كتابة هذه القصة.
رامية التي يقول أهالي الحي - الذي تسكن فيه ويسمى حارة الشريف - بأنها كانت تقوم بأعمال شاقة تفوق عمرها كثيرا، وإمكانيات جسمها الضئيل، حيث تقوم بنقل الماء من خزانات السبيل إلى منزل والدها لمعظم ساعات اليوم.
حال الطفلة رامية يشبه حال عشرات الآلاف من الأطفال اليمنيين الذين باتوا يعيشون أوضاعا مأساوية في ظل الأوضاع الإنسانية المتردية التي تعيشها البلاد في ظل الصراع العسكري الدائر منذ نحو خمسة أعوام، وتداعياته الكارثية على كل مناحي الحياة.
ناهيك من المعاملات السيئة التي يتلقاها الأطفال من قبل أقرب الناس إليهم، والتي تصل إلى حد القتل كما حصل للفتيات الثلاث اللاتي لقين حتفهن غرقا على يد والدهن قبل أسابيع في صنعاء، وذلك عندما قام بإغراق طفلاته الثلاث اللائي تتراوح أعمارهن بين 3 و11 عاماً، واحدة تلو الأخرى في خزان مياه في جريمة بشعة هزت مشاعر المجتمع اليمني.
وتقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية معنية بالأطفال إن صغار اليمن هم من أبرز ضحايا الصراع المتواصل منذ خمسة أعوام، حيث يعاني قرابة خمسة ملايين من الأطفال اليمنيين من سوء التغذية، بينما وجد الملايين منهم أنفسهم خارج أسوار المدارس، بعد أن أجبرت الحرب المستعرة نحو ثلاثة ملايين يمني على ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أكثر أمانا مصطحبين صغارهم الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم يدفعون أثمانا باهظة لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
محن ومعاناة أطفال اليمن لا تتوقف عند حدود، فقد نالتهم كما يقول ناشطون في حماية حقوق الطفولة جميع أشكال الويلات والمآسي من القريب قبل البعيد.
وتقول منظمة الأمومة والطفولة الأممية «يونيسيف» إن عشرات الأطفال اليمنيين يموتون يومياً لأسباب يمكن تجنبها لولا الحرب التي دمرت البنية التحية للبلاد. وتوضح «يونيسيف» أن هناك أكثر من 6700 طفل يمني قتل أو أصيب منذ اندلاع الحرب في مارس (آذار) 2015. إضافة إلى أن هناك نحو 358 ألف طفل يمني يعانون سوء التغذية الحاد والوخيم.
وتقول الأمم المتحدة إن من بين نحو 29 مليون يمني يحتاج 22 مليونا إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، وإن 18 مليونا تقريبا منهم يعانون من الجوع، بينما يعاني 8.4 مليون من الجوع الشديد، وإن غالبية هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء.
تعامل السلطات الخاضعة للحوثيين مع جريمة الاعتداء على الطفلة رامية عبد الفتاح بصنعاء وعدم الكشف عن مصيرها رغم مضي نحو أسبوعين من تعرضها للتعذيب الشديد على يد والدها، وعدم اتخاذها أي إجراء ضده يعكس الغياب الفعلي لمضامين اتفاقية الأمم المتحدة على الواقع، رغم مصادقة اليمن على هذه الاتفاقية التي تحل هذه الأيام الذكرى الثلاثين للمصادقة عليها.
وتنص المادة الـ19من الاتفاقية على أنه يجب أن تعمل الحكومات ما بوسعها لضمان حماية الأطفال ضد جميع أشكال العنف وسوء المعاملة والإهمال من قبل آبائهم أو أي شخص آخر يعتني بهم.
كما تنص الاتفاقية على أن لكل طفل حقوقا أساسية تتضمّن الحق في الحياة والحق في الحصول على اسم وجنسية، والحق في تلقي الرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما حتى لو كانا منفصلين.
لكن كل هذه البنود المثالية لم تجد سبيلا للتنفيذ على أرض الواقع فيما يخص الطفلة رامية بصنعاء، وغيرها عشرات ومئات الآلاف من أطفال اليمن ممن باتوا يتعرضون وعلى نطاق واسع لبطش القريب قبل البعيد في صورة تبعث على الحزن والأسى.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.