استطلاعان يتوقعان هزيمة روسيف في انتخابات الرئاسة البرازيلية

نيفيس متقدم في نوايا التصويت ويعول على دعم صاحبة المرتبة الثالثة في الدورة الأولى

روسيف ونيفيس خلال مناظرة في ساو باولو في 28 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
روسيف ونيفيس خلال مناظرة في ساو باولو في 28 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

استطلاعان يتوقعان هزيمة روسيف في انتخابات الرئاسة البرازيلية

روسيف ونيفيس خلال مناظرة في ساو باولو في 28 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
روسيف ونيفيس خلال مناظرة في ساو باولو في 28 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

أظهر استطلاعان للرأي نشرت نتائجهما، مساء أول من أمس، أن المرشح الاشتراكي الديمقراطي البرازيلي، آيسيو نيفيس، سجل للمرة الأولى تقدما طفيفا على الرئيسة اليسارية المنتهية ولايتها، ديلما روسيف، للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقررة في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
وتوقع أول استطلاعين للرأي منذ الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي فازت فيها روسيف الأحد الماضي وأجراهما معهدا «داتافولا» و«إيبوبي» أن يفوز آيسيو نيفيس بالانتخابات بـ46 في المائة من الأصوات مقابل 44 في المائة للرئيسة المنتهية ولايتها. وحدد هامش الخطأ في استطلاعي الرأي بـ2 في المائة؛ مما يجعل المرشحين عمليا في حالة تعادل تقنيا، ويؤكد تردد الناخبين في هذه الدولة الناشئة العملاقة في أميركا اللاتينية، وتحتسب الأوراق البيضاء واللاغية في الانتخابات في البرازيل؛ مما يفسر إمكانية فوز مرشح في الانتخابات من دون أن يحصل بالضرورة على أكثر من 50 في المائة من الأصوات.
وكانت روسيف فازت بسهولة في الدورة الأولى الأحد الماضي بـ41.59 في المائة من الأصوات، على خصميها في معسكر «التغيير»؛ آيسيو نيفيس (33.55 في المائة)، والمدافعة عن البيئة ماريا سيلفا (21.3 في المائة) التي كانت أولا المرشحة الأوفر حظا للفوز. ومن المفارقات أن الخاسرة الكبرى في الدورة الأولى التي لقيت تأييد عدد كبير من ناخبي اليسار بدعوتها إلى «سياسة جديدة» بعيدة عن حكم الحزبين الكبيرين لمدة 20 عاما، أصبحت الحكم في الدورة الثانية. فبما أنها تعرضت خلال الحملة الانتخابية لانتقادات حادة من معسكر اليسار، استبعدت دعوة مؤيديها إلى التصويت لروسيف باسم احترام الرغبة في التغيير التي عبر عنها البرازيليون في الدورة الأولى، إلا أنها اشترطت لدعم نيفيس الاتفاق على برنامج يضمن التزامه وعده بالقطيعة مع التحالفات التقليدية مقابل المناصب.
ويبدو أن الحزب الاشتراكي الذي كان لفترة طويلة عضوا في ائتلاف حزب العمال الحاكم، منقسم بين أنصار العودة إلى فلك اليسار وبين اتجاه يميني يؤيد آيسيو نيفيس باسم التغيير. ويميل المقربون من مارينا سيلفا إلى التحالف مع نيفيس، وقال أحدهم لشبكة «جي1» الإخبارية: «من الضروري احترام الرغبة في التغيير التي عبرت عنها الصناديق».
ودعا نيفيس منذ مساء الأحد الحزب الاشتراكي البرازيلي إلى الانضمام إليه ليهزم روسيف، وقال: «الوقت الآن هو لتوحيد قوانا. ترشيحي ليس ترشيح حزب سياسي، بل مجموعة من التحالفات» في خدمة «جميع البرازيليين الذين ما زالت لديهم القدرة على إبداء الغضب».
ويبدو ناخبو العملاق الأميركي اللاتيني الناشئ منقسمين بين الوفاء للمكاسب الاجتماعية وتحسن مستوى المعيشة الذي تحقق في عهد لولا دا سيلفا (2003 - 2010) سلف روسيف ومرشدها السياسي، والانعطاف الليبرالي إلى وسط اليمين لتحريك الاقتصاد الذي أصابه الضعف، ويشغل هذا النقاش خصوصا الطبقة الوسطى في المدن الصناعية الكبرى في الجنوب الشرقي، مثل ريو دي جانيرو، وساو باولو؛ حيث سجلت مارينا سيلفا أعلى نتائجها على المستوى الوطني، وكانت مارينا سيلفا لمدة 30 عاما مناضلة في حزب العمال ووزيرة للبيئة في عهد لولا قبل أن تدخل في انشقاق.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.