ناشطان في مجال حقوق الطفل والتعليم يفوزان بجائزة نوبل للسلام

الباكستانية ملالا يوسف زاي أصغر من يحصل عليها مناصفة مع الهندي كايلاش ساتيارثي

كايلاش ساتيارثي (إ.ب.أ)  -  ملالا يوسف زاي تحمل نسخة من ميثاق الأمم المتحدة (أ.ب)
كايلاش ساتيارثي (إ.ب.أ) - ملالا يوسف زاي تحمل نسخة من ميثاق الأمم المتحدة (أ.ب)
TT

ناشطان في مجال حقوق الطفل والتعليم يفوزان بجائزة نوبل للسلام

كايلاش ساتيارثي (إ.ب.أ)  -  ملالا يوسف زاي تحمل نسخة من ميثاق الأمم المتحدة (أ.ب)
كايلاش ساتيارثي (إ.ب.أ) - ملالا يوسف زاي تحمل نسخة من ميثاق الأمم المتحدة (أ.ب)

فازت الصبية الباكستانية ملالا يوسف زاي، التي أصيبت في الرأس برصاصة أطلقها عليها أحد عناصر حركة طالبان قبل عامين لمطالبتها بحق الفتيات في التعليم، مناصفة مع كايلاش ساتيارثي الهندي، المطالب بحقوق الأطفال، بجائزة نوبل للسلام لعام 2014، «لنضالهما ضد قمع الأطفال والمراهقين ومن أجل حق الأطفال في التعلم».
وقال رئيس لجنة نوبل للسلام، ثوربيورن ياغلاند، لدى إعلان الجائزة، إن «ملالا فازت بعدة جوائز أخرى وأظهرت نضجا كبيرا»، وقال عن ساتيارثي: «هو رجل وقف على خط المواجهة ضد عمالة الطفل»؛ حيث قاد مسيرات احتجاجية في الهند مسقط رأسه ومناطق أخرى من العالم، «الأطفال يجب أن يذهبوا إلى المدرسة وألا يجري استغلالهم ماليا»، مضيفا: «تظهر ملالا رغم سنها الصغيرة، أن الأطفال والشباب يمكن أن يساهموا أيضا في تحسين الظروف التي يعيشون فيها»، وتؤكد اللجنة أهمية أن يخوض هندوسيا، ومسلمة، وهنديا، وباكستانية، كفاحا مشتركا من أجل التعليم وفي مواجهة التطرف الديني.
وبذلك تكون ملالا أصغر من يحصل على نوبل في تاريخ هذه الجائزة منذ 114 عاما، وعند إعلان نتائج جائزة نوبل للسلام، كانت ملالا في المدرسة في لندن.
أما كايلاش ساتيارثي (60 سنة)، فقد قاد مظاهرات ضد استغلال الأطفال، كانت كلها سلمية حسب «مبادئ غاندي»، كما قالت لجنة نوبل. ويعمل ساتيارثي مهندس كهرباء، وأسس «حركة إنقاذ الطفولة» في 1980.
ويعمل على حماية حقوق 80 ألف طفل. وكان ساتيارثي قد قاد أشكالا مختلفة من الاحتجاج السلمي على استغلال الأطفال لتحقيق مكاسب مالية، وهو ناشط متحفظ لا يخرج عن صمته إلا للدفاع عن قضية الأطفال، كما يرأس حركة «المسيرة الشاملة ضد عمل الأطفال» التي تضم نحو ألفي جمعية وحركة اجتماعية في نحو 140 بلدا.
وأهدى كايلاش ساتيارثي الجائزة للأطفال في العبودية، وقال لقناة «سي إن إن - أي بي إن»، بعد إعلان فوزه، إنها «شرف» للأطفال الذين لا يزالون يعانون من العبودية والسخرة والاتجار.
وأضاف ساتيارثي أن جائزة نوبل للسلام «تحترم صوت ملايين الأطفال» وهو صوت لم يكن يسمع على الإطلاق. ونقلت قناة تلفزيون «إن دي تي في» الهندية عن الناشط قوله إن «جائزة اليوم اعترفت بحجم مشكلة استغلال وقمع العمال الأطفال»، وأضافت القناة: «جهدي المحدود والمتواضع جعل أيضا من الممكن سماع صوت ملايين الأطفال الذين يعيشون في ظل العبودية»، وتابع: «الجائزة مصدر سعادة كبيرة لجميع الهنود. إنها شرف لـ25.‏1 مليار هندي».
وقال رئيس اللجنة المانحة للجائزة: «تشير الأرقام إلى وجود 168 مليون طفل يعملون في العالم في أيامنا هذه، وفي العام 2000 كان العدد أكبر بنحو 78 مليونا. العالم يقترب من هدف التخلص النهائي في عمالة الأطفال».
وبحسب الأمم المتحدة، فإن 57 في المائة من الأطفال في سن التعليم الابتدائي محرومون من حقهم في الدراسة، تشكل نسبة الإناث منهم 52 في المائة.
واحتفلت باكستان بأنباء فوز ملالا بالجائزة، وقال وزير الداخلية، نثار علي خان: «نحن فخورون بأن فتاة باكستانية حصلت على الجائزة في مثل هذا السن الصغير.
حصلت على هذا بسبب التزامها وتفانيها»، وأضاف أن «الجائزة ليست لها فحسب، ولكن لكل الباكستانيين»، وذكر التلفزيون الحكومي أن رئيس الوزراء نواز شريف هنأها أيضا، لأنها أصبحت أول باكستانية تفوز بجائزة نوبل للسلام.
وهنأت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، الباكستانية الشابة ملالا يوسف زاي وكايلاش ساتيارثي، على فوزهما بالجائزة، وقالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، كريستيانه فيرتس، أمس (الجمعة)، إن «ميركل ترى في منح الناشطين جائزة نوبل للسلام لعام 2014 اهتماما بجهودهما في الدفاع عن حقوق الأطفال».
وستتقاسم ملالا مبلغ 8 ملايين كورونا سويدي (1.1 مليون دولار) مع كايلاش ساتيارثي، الذي ترك عمله في الهندسة لينكب على العمل الاجتماعي مع الأطفال.
وكانت قد استهدفت ملالا، وهي اليوم في الـ17، بمحاولة قتل من قبل مسلحين من حركة طالبان باكستان بينما كانت في حافلة مدرسية في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، لأنها انتقدت هيمنة حركة طالبان على منطقتها وادي سوات شمال غربي باكستان من 2007 إلى 2009، ودافعت عن حق البنات في التعليم.
إلا أنها نجت من إصابتها بالرصاص في رأسها وأصبحت سفيرة عالمية تدافع عن حق جميع الأطفال من صبيان وبنات في التعليم، وهي تعيش حاليا في بريطانيا؛ حيث تلقت العلاج.
وعملت على مدى سنوات لمناصرة تعليم الإناث مواجهة بذلك بعض التقاليد الاجتماعية القاسية في مناطق نائية محافظة من بلدها باكستان، وكذلك توجهات المتشددين الإسلاميين المتأثرين بحركة طالبان أفغانستان التي كانت تحظر تعليم البنات في سنوات حكمها.
وروت الفتاة في سيرتها الذاتية «أنا ملالا»، الكتاب الذي لاقى رواجا عالميا بينما ظل مجهولا في بلدها باكستان: «ارتعبت، وكل ما أعرفه هو أن الله باركني بحياة جديدة».
وتعيش الفتاة اليوم في برمنغهام وسط انجلترا. ومنذ رحيلها من باكستان شاركت في عدة مؤتمرات دولية دعت فيها إلى السلام وتعليم الأطفال مطالبة قادة العالم بـ«إرسال الكتب وليس الأسلحة» إلى البلدان الفقيرة، كما دعت الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان إلى مقابلة أولياء التلميذات المخطوفات من قبل جماعة بوكو حرام الإسلامية المسلحة.
وبعد حصولها السنة الماضية على جائزة سخاروف للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، كانت مدرجة على لائحة الأوفر حظا للفوز بنوبل للسلام التي حازتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
أما كايلاش ساتيارثي، فقال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الهندية (تراست أوف إنديا)، إنه «يشكر لجنة نوبل لاعترافها بالوضع اليائس لملايين الأطفال الذين يعانون» من ظروف صعبة في بلده الهند، وأضاف أن «هذا شرف لكل مواطني الهند وسأواصل عملي من أجل خير الأطفال».
ويكتسب خيار لجنة نوبل للسلام أهمية كبيرة في ظل ما يشهده العالم من عنف يطال الأطفال، ولا سيما قيام حركة بوكو حرام الإسلامية المتشددة بخطف 276 تلميذة في نيجيريا.
وأثارت هذه الحادثة صدمة كبيرة على مستوى العالم بأسره، وأطلقت مبادرة عالمية تضامنا مع المخطوفات باسم «برينغ آور غيرلز» (أعيدوا بناتنا)، وشاركت فيها ملالا إلى جانب شخصيات معروفة، منها مثلا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون. وبعد منح جائزة نوبل للسلام، وهي الوحيدة من بين جوائز نوبل التي تمنح في أوسلو، ينتظر منح جائزة الاقتصاد الاثنين في استوكهولم.
تضم قائمة المرشحين لجائزة نوبل للسلام هذا العام عددا أكبر من الترشيحات عن ذي قبل؛ حيث بلغ عدد المرشحين رقما قياسيا، وهو 278 ترشيحا من أفراد ومنظمات تتراوح من بابا الفاتيكان فرنسيس الأول إلى الموظف السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومسرب المعلومات، إدوارد سنودن.
من بين المرشحين المعروفين صحيفة «نوفايا جازيتا» الروسية اليومية بسبب تقاريرها المستقلة، وسنودن بسبب الكشف عن برامج تجسس تديرها وكالة الأمن القومي، والطبيب الكونغولي دينيس موكويدج، ويدير موكويدج مستشفى يعالج الآلاف من ضحايا جرائم الاغتصاب الجماعي التي تورطت فيه جماعات متناحرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

* حائزو جائزة نوبل للسلام في السنوات الـ25 الأخيرة
- 2013: منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
- 2012: الاتحاد الأوروبي.
- 2011: إلين جونسون سيرليف، وليما غبوي (ليبيريا) وتوكل كرمان (اليمن).
- 2010: ليو تشياوباو (الصين).
- 2009: باراك أوباما (الولايات المتحدة).
- 2008: مارتي أتيساري (فنلندا).
- 2007: آل غور (الولايات المتحدة) والهيئة الحكومية للتغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة.
- 2006: محمد يونس (بنغلادش) ومصرف غرامين.
- 2005: الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومحمد البرادعي.
- 2004: وانغاري ماتاي (كينيا).
- 2003: شيرين عبادي (إيران).
- 2002: جيمي كارتر (الولايات المتحدة).
- 2001: الأمم المتحدة وكوفي أنان (غانا).
- 2000: كيم داي جونغ (كوريا الجنوبية).
- 1999: أطباء بلا حدود.
- 1998: جون هيوم وديفيد تريمبل (آيرلندا الشمالية).
- 1997: جودي ويليامز (الولايات المتحدة) والحملة الدولية لحظر الألغام ضد الأفراد.
- 1996: كارلوس فيليبي خيمينيس، وجوزيه راموس هورتا (تيمور الشرقية).
- 1995: جوزيف روتبلات (بريطانيا) وحركة بوغواش.
- 1994: إسحق رابين، وشيمون بيريز (إسرائيل)، وياسر عرفات (منظمة التحرير الفلسطينية).
- 1993: نلسون مانديلا، وفريديريك دوكليرك (جنوب أفريقيا)
- 1992: ريغوبرتا مينشو (غواتيمالا).
- 1991: أونغ سان شو تشي (بورما).
- 1990: ميخائيل غورباتشوف (الاتحاد السوفياتي).
- 1989: الدالاي لاما (التيبت).



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».