«الدخن»... نبات يشغل عشاق الطعام حول العالم

استخدم في شبه القارة الهندية على مدار قرون طويلة

أنواع عدة من الدخن
أنواع عدة من الدخن
TT
20

«الدخن»... نبات يشغل عشاق الطعام حول العالم

أنواع عدة من الدخن
أنواع عدة من الدخن

على مدار قرون طويلة، جرى تناول «الدخن (Millets)» داخل شبه القارة الهندية، وهو عبارة عن نباتات ذات بذور صغيرة. وفي الفترة الأخيرة، لفت الدخن اهتمام كثير من عشاق الطعام بمختلف أرجاء العالم.
اشتهر الدخن باسم «الحبوب السوبر»، وظل على مدار فترة طويلة في الماضي عنصراً رئيسياً على مائدة الطعام بشبه القارة الهندية، وذلك حتى ستينات القرن الماضي عندما انطلقت «الثورة الخضراء» في الهند ليتراجع الدخن شيئاً فشيئاً ويحل محله الأرز والقمح في سلم ترتيب الأولويات على المائدة. واليوم، بدأت هذه الحبوب الغذائية في العودة ببطء إلى سلة التغذية على مستوى الهند.
من جهتها، شرحت خبيرة التغذية لوفنيت باترا، المقيمة في نيودلهي، أن حبوب الدخن «مقاتلة بمعنى الكلمة، فهي لا تحتاج إلى أي أسمدة أو مياه أو مبيدات حشرية كي تنمو. في الواقع، بمقدورها تحمل الجفاف، وكذلك درجات الحرارة شديدة الارتفاع وشديدة الانخفاض».
يذكر أن باترا قدمت مشورات تغذية لرياضيين هنود في مجال الملاكمة والدراجات والرماية أثناء انعقاد دورتي ألعاب الكومنولث والألعاب الآسيوية.
والملاحظ الآن مع عودة الدخن إلى دائرة الضوء، اهتمام مطاعم ومجموعات وورشات عمل مهتمة بالطهي وكتب وصفات طعام ومعارض، بالترويج لهذه الحبوب الفائقة لما تحتويه من فوائد غذائية كبيرة واستدامة إنتاجها.
يتميز نبات الدخن بكثافة كبيرة في العناصر الغذائية التي يحويها، حسبما أوضح نمامي أغاروال، خبير التغذية الذي يتعاون مع عدد كبير من المشاهير. وأضاف: «يتميز الدخن الذي يشبه اللآلئ بثرائه الشديد بالألياف غير القابلة للذوبان ويساعد على تحسين عملية الهضم، بجانب أنه يتميز بخواص تسهم في مكافحة السرطان».
هناك نوع آخر من الدخن يطلق عليه «ذيل الثعلب» غني بالمغنسيوم الذي يساعد في تنظيم ضغط الدم، بجانب احتوائه كميات كبيرة من الحديد والكالسيوم ومعاونته في تعزيز مناعة الجسم.
أيضاً، هناك نوع آخر من الدخن يطلق عليه «سورغم» ويتميز بخلوه من الغلوتين، وهو مفيد لمن يعاني داءً في البطن. بصورة مجملة، يحمل الدخن بمختلف تنويعاته أهمية غذائية كبيرة، حسبما أكد أغاروال.
- الدخن يغزو المطاعم
في دلهي، يعد الدخن عنصراً دائماً في قائمة الطعام بمطعم «أنداز دلهي»، والذي أطلق أحدث قائمة طعام له بعنوان «سول بانتري»، ويشكل الدخن العنصر الرئيسي في الخبز بها. وأوضح مسؤولو المطعم أن القائمة الجديدة تعتمد على الحبوب والنباتات المغذية الصحية التي طواها النسيان. ويصنع المطعم البيتزا التقليدية والخبز المسطح من حبوب بيضاء منقاة. وقال كابيل شوهان، الشيف المسؤول عن قائمة «سول بانتري»: «نقدم لعملائنا خبزاً مسطحاً مصنوعاً من حبوب قديمة غنية بالعناصر الغذائية، مثل الدخن والقطيفة والشعير والحنطة. ومن خلال ذلك، نوفر لعملائنا مجموعة كاملة من خيارات الطعام، مع إبداء الاحترام الواجب للحبوب القديمة التي لطالما تميزت بها الهند». في السياق ذاته، شرح الشيف بالبريت سينغ بالمطعم ذاته ومسؤول عمليات الطهي: «عندما أسسنا المطعم، كنا نرغب في تقديم أطباق جديدة من خارج العناصر الأربعة الكبرى المهيمنة على الطعام اليوم (الأرز والقمح والذرة والصويا)، والتركيز على الحبوب الهندية». وأشار إلى أنه في غضون عام ونصف العام، زاد عدد الأطباق التي يدخل فيها الدخن. وأضاف: «من المهم لنا تثقيف عملائنا بخصوص الفوائد الصحية للدخن. أيضاً باعتبارنا طهاة، يجب علينا السعي وراء معرفة المزيد عن طبيعة الدخن والسبيل الأمثل لاستغلال كل واحدة من صوره المتنوعة».
من جانبها، شددت أناهيتا دهوندي، الشيف ومن الشركاء بمطعم «سودا بوتل أوبينر والا» على فكرة عودة نبات الدخن للحياة من جديد. وتعد دهوندي من أشد المتحمسين للدخن، وسبق لها إلقاء كلمة العام الماضي أمام منتدى للأمم المتحدة حاملة عبوة بها دخن. وحرصت دهوندي على استخدام الدخن في أطباقها بصور متنوعة مبتكرة. وقالت: «رغم أنني رأيت الدخن كثيراً في مطبخ جدتي وأنا صغيرة، فإنني لم أُولِهِ اهتماماً كبيراً سوى في الفترة الأخيرة لإدراكي أخيراً إمكاناته الحقيقية».
ولا يقتصر الأمر على المطاعم، وإنما بدأت متاجر بيع التجزئة والعلامات التجارية الكبيرة بمجال الطعام الانتباه إلى الدخن، وتعمد اليوم إلى دمجه في كثير من الأطعمة المغلفة، بل وظهرت متاجر مختصة في الترويج للدخن تحديداً، وتدمجه في مختلف منتجاتها.
في الوقت ذاته، ظهرت ورشات عمل معنية بمجال الطهي تركز على استخدامات الدخن تحديداً، وطرح سبل متنوعة ومبتكرة لاستغلاله في إعداد أطباق صحية مختلفة، من «سبرينغ رولز» وسوشي وسلطة... وغيرها.
أما محاولة شورافي مالك ومسغانا نارايا لدمج الدخن في النظام الغذائي لأطفالهما، فسرعان ما تحولت إلى علامة تجارية باسم «سليرب فارم». أطلقت هذه العلامة في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وتتنوع منتجاتها بين «بان كيك» وبسكويت ومنتجات مغلفة صحية أخرى يشكل الدخن عنصراً رئيسياً بها، وهي متاحة بمختلف أرجاء الهند.
عن هذه التجربة، قال مالك: «ساورنا اعتقاد بضرورة تغيير أسلوب تناولنا الطعام بصفتنا مجتمعاً. ورغم أننا كنا مدركين لوجود فجوة في سوق الأطعمة بالهند فيما يخص الخيارات الصحية لأطعمة الأطفال، فإننا لم ندرك بحق صعوبة الوصول إلى السبل الصحيحة لإطعام الأطفال سوى بعد خوضنا تجربة الإنجاب».
- فوائد التغذية بالدخن
تعدّ الهند المنتج الأكبر للدخن على مستوى العالم، وقد احتفت بعام «2018» بوصفه «العام الوطني للدخن». ويتميز الدخن بعناصر غذائية كثيرة؛ منها الألياف والبروتين، وكذلك معادن وفيتامينات. ومن بين ذلك الحديد وفيتامين «بي6» (الذي يعاون في السيطرة على مستويات البرولاكتين المرتفعة) والمغنسيوم (الضروري لضمان صحة العظام). أيضاً، يمد الدخن الجسد بطاقة مستدامة، ذلك أنه يوفر للإنسان دفقة طاقة تستمر لفترة طويلة دون أن يشعر بثقل. ونظراً لأن هذه الحبوب تنمو على نحو يشبه الحشائش المائية، فإن غالبية أنواع الدخن تخلو من المبيدات الحشرية والمواد المعدلة وراثياً. علاوة على ذلك، يتميز الدخن بتنويعات مختلفة يصلح بعضها للصيف والآخر للشتاء.
ويفترض كثيرون أن الدخن واحد من تنويعات القمح، لكن الحقيقة أن هناك ما يزيد على 500 نوع مختلف من الدخن داخل الأنماط الرئيسية. ويشتهر الدخن بقدرته الكبيرة على مقاومة الظروف المناخية المتطرفة.
وبوجه عام، ينقسم الدخن إلى نوعين رئيسيين؛ يتضمن النوع الأول الدخن الذي يشبه اللؤلؤ و«سورغم»، بينما تتضمن الفئة الثانية دخناً أصغر حجماً منه مثل ودو، والدخن الصغير، وبورسو، وذيل الثعلب. كما ينقسم الدخن إلى دخن صيفي، وآخر شتوي.
من بين أنواع الدخن ما يطلق عليه «دخن الأصبع» وهو غني بالكالسيوم والحديد ويسهل امتصاصه مقارنة بمصادر نباتية أخرى، وينتمي إلى فئة الدخن الشتوي. ويتميز هذا النوع من الدخن بثراء كبير في العناصر الغذائية لدرجة أنه تجري الاستعانة به في علاج حالات الأنيميا بين النساء والأطفال أصحاب الدخل المنخفض. أما الدخن الذي يشبه اللآلئ؛ فهو من النوع الشتوي، لقدرته الكبيرة على تدفئة الجسم وتقويته، خصوصاً العضلات والعظام. ويمكن تزويد ملعقة صغيرة من هذا الدخن بـ500 كيلوغرام من الماء، وتناوله قبل التدريبات الرياضية، لما يحويه من قدر كبير من البروتين، وقدرته على إمداد الجسم بطاقة مستدامة.
في المقابل، نجد أن دخن «سورغم» يتميز بقدرته على تلطيف درجة حرارة الجسم في قيظ الصيف، وهو غني بفيتامين «بي» ومعادن، ومفيد للغاية للبشرة والشعر.
أما دخن الشعير، فيعدّ النوع الوحيد من الدخن الذي يحوي غلوتين، ومع هذا يعد مفيداً للغاية في تقليص الانتفاخ وعدوى الجهاز البولي، إضافة إلى قدرته على إمداد الجسم بطاقة كبيرة. ويمكن استغلال هذا النوع من الدخن في صنع الخبز بسهولة كبيرة.
أيضاً، يعدّ الدخن الصغير من أكثر أنواع الدخن التي تساعد في تلطيف درجة حرارة الجسم وتعزز القدرة على الهضم. ويمكنك طهي هذا الدخن وتناوله؛ تماماً مثل الأرز.
في هذا الصدد، أكد خبير التغذية شوبي حسين، مؤسس ومدير «هيلث سانكتشوري»؛ وهي سلسلة من العيادات المعنية بالرعاية الصحية في دلهي وشمال الهند، أنه «ينبغي على المرء تدريجياً دمج أي من أنواع الدخن في نظامه الغذائي كي يمنح جهازه الهضمي وقتاً كافياً للتكيف مع الوافد الجديد. وينبغي للمرء تناول الدخن من 3 إلى 4 مرات أسبوعياً، ويمكن دمجه في كثير من الأطباق مثل اللحم والأرز. ومع أن كثيرين يعتقدون أنه ينبغي عدم تناول الدخن صيفاً، فإن هذا ليس بصحيح».
حتى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أعلن في وقت قريب أن الهند سوف تعمل على إطلاق «ثورة دخن» لضمان توفير التغذية السليمة للمواطنين. وأوضح مودي أن العالم بدأ في التحول نحو أنواع الغذاء التي هجرها الهنود لارتباطها بالفقر وضيق ذات اليد. والآن، حان الوقت لإعادة فتح كنز العناصر الغذائية الغنية داخل البلاد.


مقالات ذات صلة

الصيام المتقطع قد يحميك من تجلط الدم

صحتك رجل يحمل قطعة من التمر خلال حضوره إفطاراً ضمن شهر رمضان في برلين (إ.ب.أ)

الصيام المتقطع قد يحميك من تجلط الدم

من المعروف أن جلطات الدم خطيرة وتؤدي إلى مضاعفات مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية وقد تضر بالرئتين أيضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تقدّم ميغان ماركل في أحدث مشاريعها برنامجاً تظهر فيه كطبّاخة وربة منزل ماهرة (نتفليكس)

ميغان ماركل تبرع في خَفق البيض وتُخفق في إقناع الجمهور

سباغيتي بالطماطم، وعجّة بالبيض العضوي، وكعكة بالعسل، وغيرها الكثير من الأطباق تقدّمها ميغان ماركل في برنامجها الجديد على «نتفليكس». فما خلفيّاته وتفاصيله؟

كريستين حبيب (بيروت)
صحتك رجل يحمل سلة من البرتقال وسط حدث سنوي في إيطاليا (رويترز)

تناول برتقالة واحدة يومياً يقلل خطر إصابتك بالاكتئاب بنسبة 20 %

يُقدر أن 280 مليون شخص حول العالم يعيشون مع الاكتئاب السريري، وهي حالة صحية عقلية تؤثر على مزاج الشخص وإحساسه بذاته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
عالم الاعمال مطعم «صبحي كابر» السعودية يطرح تجربة إفطار فاخرة في أجواء رمضانية

مطعم «صبحي كابر» السعودية يطرح تجربة إفطار فاخرة في أجواء رمضانية

في أجواء تعبق بروح الشهر الفصيل، أعلن مطعم «صبحي كابر» السعودية عن إطلاق قائمة إفطار وسحور رمضانية فاخرة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك أشخاص يشترون الخضراوات في إحدى الأسواق بكولومبو (أ.ف.ب)

«الأطعمة الخارقة»... ماذا تعني؟ وهل هي موجودة حقاً؟

يُستخدم مصطلح «الأطعمة الخارقة» لتعريف الأطعمة التي تحتوي على مستويات عالية من العناصر الغذائية المحددة (مضادات الأكسدة والفيتامينات أو المعادن)

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«سفرة مريم» في دبي يكمل قصة «بيت مريم»

طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)
طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)
TT
20

«سفرة مريم» في دبي يكمل قصة «بيت مريم»

طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)
طاولة السفرة التي تزينها شجرة الزيتون (الشرق الأوسط)

لم يكن الأمر مستغرباً عندما وقع خيار «جائزة أفضل 50 مطعماً في الشرق الأوسط وأفريقيا» على سلام دقاق ليتم تتويجها كأفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2024. ولم يفاجأ من زار مطعمها «بيت مريم» في دبي بضمه إلى دليل ميشلان لعدة سنوات على التوالي، وليحتل هذا العام المرتبة الـ15 في لائحة أفضل 50 مطعماً في العالم العربي.

«سفرة مريم» دبي (الشرق الأوسط)
«سفرة مريم» دبي (الشرق الأوسط)

قصة نجاح الشيف سلام دقاق التي تحمل عشق بلدها فلسطين في أطباقها غذتها قصة حبها الذي لا يعرف حدوداً لوالدتها مريم التي أرادت سلام تخليد ذكراها عن طريق افتتاح مطعم يشبه بيت أمها من حيث الديكور والرائحة. «بيت مريم» ليس مطعماً بقدر ما هو منزل عائلي يشبه بيت كل شخص عربي، فيه الدفء، وفيه السخاء على الطاولة والأهم ما فيه الابتسامة العريضة والاستقبال الجميل. هذا هو باختصار «بيت مريم»، المطعم الأول الذي افتتحته سلام دقاق، لتكمل بعده قصة «مريم» من خلال افتتاح «سفرة مريم» في منطقة الوصل بدبي أيضاً.

صفة المطعمين المشتركتين، هي وجود الشيف سلام فيهما، فهي تعمل في المطعمين من دون كلل ولا تعب رغم عملها الدائم والدؤوب منذ الصباح الباكر في مطبخها الرئيسي وما تنشره الطاهية النشيطة على صفحتها على «إنستغرام» وهي تقوم بتحضير الأكل يومياً مستهلة كلامها دائماً بشكر الله على كل شيء وإلقائها التحية على متابعيها الذين لا تبخل عليهم بوصفاتها التي ورثتها عن والدتها الراحلة.

ديكورات جميلة في «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)
ديكورات جميلة في «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)

«سفرة مريم» هو أشبه بتكملة لـ«بيت مريم» الأصغر حجماً، فهو يتمحور حول طاولة السفرة الطويلة والتي تتسع لأشخاص عدة، وهنا تقول سلام دقاق لـ«الشرق الأوسط»: «أردت بأن يكون (سفرة مريم) مرآة للبيت الشرقي الذي يعتز بطاولة الطعام الكبيرة فيه، التي تجمع أفراد العائلة حولها». وهذه الطاولة الطويلة تزينها شجرة زيتون، يوجد مطبخ مفتوح، وركن مخصص للعصائر الطازجة وفرن حطب وديكور منزلي جميل يبدأ بمدخله الذي يجعلك تشعر وكأنك تدخل بيتاً في أحد بلدان بلاد الشام المعروفة بقناطرها الحجرية، وأول ما يطالعك في هذا الصرح الجميل صورة مريم الأنيقة والدة سلام دقام معلقة على الحائط وراء أريكة مريحة تذكرك بأثاث البيوت الشرقية في فترة الستينات والسبعينات الشهيرة بتصميماتها المميزة، من دون أن ننسى ماكينة الخياطة «سينجر» وستائر الدانتيل التي تسمح لأشعة الشمس بالتسلل بهدوء إلى البيوت.

الشيف سلام دقاق في مطعمها «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)
الشيف سلام دقاق في مطعمها «سفرة مريم» (الشرق الأوسط)

المطبخ في «بيت مريم» و«سفرة مريم» يتميز كونه يرتكز على الوصفات التقليدية الأصيلة، ولكنه بنفس الوقت يواكب العصر ويركب موجة التجديد من دون الخلط والتشويه، لأن ابتكار بعض الأطباق التي تحمل توقيع سلام دقاق اعتمد على الذوق والقدرة على معرفة كيف يمكن خلق طبق جديد من دون تشويه التراث والعبث به.

تستخدم الشيف سلام منتجات طازجة غالبيتها من مزارع محلية، وهذا الأمر مهم جداً في أي مطبخ، لا سيما المطبخ الشامي الذي يعتمد على الخضراوات.

مدخل «سفرة مريم» في دبي (الشرق الأوسط)
مدخل «سفرة مريم» في دبي (الشرق الأوسط)

تكلمت عن مواصفات السفرة الشرقية التي تتسم بالسخاء في البداية، وهذا ما ستختبره في «سفرة مريم»، فالسفرة ستكون عامرة بالأطباق اللذيذة، بدأناها بطبق مميز جداً وهو الملوخية بالزيت، ويقدم من ضمن المقبلات فهو بسيط جداً ولكن نكهته تضاهي أي نكهة أخرى لأنه يعتمد على الزيت الفلسطيني النقي والثوم والليمون، ومن الأطباق المميزة التي جربناها، الكبة النيئة ولكن على الطريقة الفلسطينية التي تضيف بهارات خاصة إليها مثل الكمون الذي يعطي مذاقاً قوياً ولذيذاً، تتناول الكبة في خبز أشبه بالخبز المرقوق الذي يحضر في فرن المطعم وتضاف إلى اللقمة قطعة من البصل وبعض أوراق النعناع والفجل. وأردنا تذوق شيئاً آخر من ابتكارات الشيف سلام فاخترنا سلطة الكيل على طريقتها. لا بد من تذوق الخبز الذي يصنع في المطعم فهو لذيذ جداً وتطلق عليه اسم «خبز البيت»، أما الطبق الفائز من حيث النكهة وطريقة التقديم بالنسبة لي فكان الشيش برك مع اللبن بالثوم والصنوبر، فهو بالفعل مميز. كما تقدم الشيف سلام كريات من الكبة تضاف إليها صلصة خاصة تشبه الـ«غرايفي» وفيها خواص اللحم والخضراوات. وإذا كنتم من محبي اللبن أيضاً فأنصحكم بفتة اليولنجي (الدولما) أو ورق الدوالي (العنب) فهي مميزة من حيث الطعم والنكهة والشكل. أما بالنسبة للطبق الرئيسي فنصحتنا الشيف سلام بالمنسف الشهير في الأردن.

لبنة بروليه (الشرق الأوسط)
لبنة بروليه (الشرق الأوسط)

سمعنا الكثير عن طبق الحلوى الذي يقدم فقط في «سفرة مريم» وهو «لبنة بروليه»، الذي يعتمد على اللبنة بدلاً من الكريمة ويتم تحميص وجهها تماماً مثلما يكون وجه الكريمة المقرمش، وتضاف إليه قطع من البسكويت المقرمش بطعم الزعتر، الطبق فعلاً مميز والخلطة أكثر من رائعة، ومن الحلويات الشهيرة الأخرى، حلاوة الجبن وقطع «الغريبة» التي تعتبر رفيقة فنجان القهوة التركية على أصولها.

الملوخية بالزيت (الشرق الأوسط)
الملوخية بالزيت (الشرق الأوسط)

قصة نجاح «بيت مريم» و«سفرة مريم» تعتمد على شخصية الشيف سلام دقام وقربها من الناس، فهي تتميز بشخصية جميلة وابتسامة مرحبة بكل من يأتي إليها، وميزة المطعمين أنهما (وكما أرادت دقاق) أشبه بمنزل، لمسات الشيف سلام ونشاطها واضح في جميع زوايا وثنايا المكان، بما في ذلك الرسم على بعض الجدران، فالشيف فنانة بالطبخ والرسم أيضاً، وهذا ما يفسر شغفها بالطهي لأنه فن.