جو سوينسون تراهن على سقوط «الثنائية الحزبية» في بريطانيا

هل تصبح «صغيرة البرلمان» الليبرالية صانعة القادة في «انتخابات بريكست»؟

جو سوينسون تراهن على سقوط «الثنائية الحزبية» في بريطانيا
TT

جو سوينسون تراهن على سقوط «الثنائية الحزبية» في بريطانيا

جو سوينسون تراهن على سقوط «الثنائية الحزبية» في بريطانيا

كانوا حتى أمس القريب يسمونها «صغيرة المجلس»، لكنها أصبحت اليوم من أهم وجوه السياسة البريطانية.
إنها جو سوينسون، زعيمة حزب الديمقراطيين الأحرار، التي كانت أصغر نواب مجلس العموم سنّا عندما انتخبت عن دائرة شرق دونبارتون شير، في وسط أسكوتلندا، عام 2005، وهي لا تزال في الـ25. لكنها اليوم، وهي تقترب من الـ40، تجد سوينسون نفسها في واجهة الساحة السياسية البريطانية، وقد رفعت شعاراً مثيراً للجدل كان شبه محرّم في أروقة «قصر ويسمنستر» (حيث مقر مجلسي العموم واللوردات) في لندن قبل أسابيع. ألا وهو شعار «البقاء في الاتحاد الأوروبي»، وعكس نتيجة استفتاء يونيو (حزيران) 2016، الذي قرّر خلاله نحو 52 في المائة من الناخبين وضع حد لعقود من عضوية بريطانيا في الأسرة الأوروبية.

قد يبدو رهان جو سوينسون، زعيمة حزب الديمقراطيين الأحرار، وحزبها، مخاطرة كبيرة، إلا أنه يعيد تعريف ذلك الحزب الليبرالي الذي لطالما كان متأرجحاً بين اليمين واليسار، فاتّهمته المعارضة «العمالية» بأنه «مُسهّل» للمحافظين، بينما اتّهمه المحافظون بأنه أوروبي أكثر منه بريطاني. وفي وقت تزداد الثنائية الحزبية المهيمنة على السياسة البريطانية هشاشة، قد تنجح سوينسون في انتزاع أصوات «عمالية»، أو حتى «محافظة» داعمة لمعسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي. فمن هي جو سوينسون؟ وهل تنجح استراتيجيتها الانتخابية المعتمدة على «عكس بريكست» في تغيير الخريطة السياسية البريطانية كما نعرفها؟

طموح سياسي مبكر
جوان كيت سوينسون، سياسية بريطانية وُلدت في مدينة غلاسغو كبرى مدن أسكوتلندا يوم 5 فبراير (شباط) من عام 1980، ودرست الإدارة في كلية لندن للاقتصاد - إحدى أعرق وأرقى جامعات بريطانيا وأوروبا. وبعد التخرّج عملت لفترة قصيرة في مجال العلاقات العامة، قبل أن تُنتخب لعضوية مجلس العموم عن دائرة شرق دونبارتون شير عام 2005، لتصبح أصغر أعضاء البرلمان سناً في ذلك الوقت.
ومع أن سوينسون خسرت مقعدها في عام 2015 أمام جون نيكلسون، مرشح «الحزب القومي الأسكوتلندي»، فإنها استرجعته في الانتخابات المبكرة عام 2017. ثم شغلت سوينسون خلال عملها نائبة منصب الناطقة بلسان «الديمقراطيين الأحرار»، وغطّت قضايا مختلفة شملت أسكوتلندا والمساواة بين الجنسين، وشؤون الخارجية و«الكومنولث».
عام 2010، بعدما دخل «الديمقراطيون الأحرار» في حكومة ائتلافية مع حزب المحافظين، برئاسة ديفيد كاميرون، شغلت سوينسون منصب السكرتير البرلماني الخاص لنائب رئيس الوزراء نيك كليغ، وعُينت لاحقاً وكيلة وزارة الدولة لعلاقات التوظيف.
وبعد وقت قصير من عودتها إلى البرلمان عام 2017، لمع نجم سوينسون، وبدأ أعضاء في الحزب يرونها «وريثة» طبيعية لزعيمه آنذاك فينس كايبل، وبالفعل، انتخبت بالإجماع نائبة لزعيم «الديمقراطيين الأحرار». ثم، خلال شهر مايو (أيار) عام 2019، أعلنت سوينسون نيّتها خلافة كايبل، متحدّية الوزير والمرشح البارز السير إد دايفي. وفي انتخابات الزعامة، فازت بالمنصب في يوليو (تموز) الماضي متغلبة على دايفي، لتصبح أول امرأة وأصغر زعيم لحزب الديمقراطيين الأحرار.
ما يذكر، أنه إلى جانب نشاط سوينسون السياسي، حازت مواقفها الداعمة لحقوق الآباء الجدد، وساعات العمل المرنة، والمعارضة لتخصيص حصص لتوظيف النساء، الكثير من الاهتمام في الأوساط الاقتصادية. كما اختارتها صحيفة «الإيفنينغ ستاندرد»، واسعة الانتشار، إحدى أكثر 1000 شخصية تأثيراً في لندن، خلال أعوام 2011 و2012 و2013 و2014.

حزب الوسط؟
«بلادنا تستحق أفضل مما يُقدّمه الحزبان المحافظ والعمالي المتقادمان والمتعبان، كلاهما يريد (بريكست). (...) لن أضع حدًا لطموحي وطموح (الديمقراطيين الأحرار) لبناء مستقبل أفضل (...)، أستطيع أن أكون رئيسة وزرائكم»، تكرّر سوينسون هذه الشعارات في التجمعات الانتخابية، والقنوات التلفزيونية، وربما الأهم منهما، في منصّات التواصل الاجتماعي، بلا كلل.
ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة المبكرة في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ينتهج حزب سوينسون استراتيجية مختلفة عن حزبي اليمين واليسار. إذ جعل حزب المحافظين بقيادة رئيس الوزراء بوريس جونسون - المحسوب على يمين حزبه - «تحقيق الخروج من الاتحاد الأوروبي الشعار الرئيسي لحملته الانتخابية»، في حين تعهد منافسه المباشر، حزب العمال، للناخبين بإجراء استفتاء جديد بشأن «بريكست»، مرسلاً إشارات خجولة إلى أنه يفضّل البقاء في الاتحاد.
من ناحية أخرى، تسعى سوينسون إلى تقديم نفسها للناخبين كوجهٍ جديد، غير معروف لدى كثيرين، يطرح نهجاً وسطياً وعقلانياً مختلفاً عن الحزبين التقليديين في وضوحه تجاه قضايا مثل «بريكست»، ونظام الرعاية الصحية، ومواجهة تحديات التغيّر المناخي.
وتوافقاً مع هذا النهج، اعترفت سوينسون بما اعتبرته «أخطاء» الحزب السابقة، خصوصاً تلك التي ارتكبها بمشاركته في حكومة المحافظين برئاسة كاميرون عام 2010. ولقد أدت مشاركته تلك إلى تعرّض الحزب لهزيمة قاسية في انتخابات 2015، تراجع معها عدد مقاعد الحزب من 57 إلى 8 مقاعد فقط. كذلك، عبّرت عن أسفها لدعم الحزب سياسات اعتبرها البعض تقشّفية، وتغييرات في نظام الرعاية الصحية، وضريبة إضافية على السكن.
واليوم، تأمل سوينسون في إحداث قطيعة مع أخطاء الماضي، وإعادة تعريف الحزب وتوجّهاته ومبادئه، واختارت قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كقضية محورية لتحقيق ذلك.
وفي دعوة حزبها إلى إلغاء مادة 50 من «معاهدة لشبونة»، التي أطلقت عملية «بريكست» رسمياً، تضاعف عدد «الديمقراطيين الأحرار» في الساحة السياسية، وأصبحوا فعلياً «حزب البقاء في أوروبا». وبذا، نجح الحزب حيث فشل آخرون، مثل حزب «التغيير» الذي وُلد من رحم انشقاقات من الحزبين الأساسيين (المحافظون والعمال) لكنه لم يستمرّ سوى بضعة أشهر، ليعلن غالبية أعضائه الانضمام إلى «الديمقراطيين الأحرار».
وفي حين يُحسب هذا الإنجاز لحزب سوينسون، الذي نال المرتبة الثالثة في استطلاعات رأي حديثة، فإن فوزه بغالبية المقاعد مستبعد للغاية، إن لم يكن مستحيلاً. ونقلت صحيفة «الفاينانشال تايمز» أخيراً عن مصادر مقرّبة من دوائر القرار في الحزب، أن قيادييه يُدركون أن الفوز بـ45 مقعداً سيُعدّ انتصاراً بارزاً، يعيد الحزب إلى الحسابات السياسية الدائرة في مجلس العموم. خصوصاً وأن الحزب، رغم تعافيه النسبي من نتيجة تحالفه الكارثي مع المحافظين، لم يحصل إلا على 12 مقعداً في انتخابات 2017 المبكّرة التي دعت إليها تيريزا ماي.
في أي حال، في حال أفضت الانتخابات المبكرة إلى «سيناريو» البرلمان المعلّق - أي من دون غالبية مطلق لأي حزب - كما تتوقع استطلاعات الرأي، واستعاد «الديمقراطيون الأحرار» المقاعد التي خسروها بعد 2010، فإن سوينسون قد تصبح «صانعة القادة» الجديدة... وتحدّد هوية ساكن «10 داونينغ ستريت» الجديد.

تهديد للمقاعد «العمالية»
على مدار الأسابيع الخمسة المقبلة، يأمل «الديمقراطيون الأحرار» في الفوز بأصوات ناخبين يبحثون عن الوسطية، وسط أجواء سياسية مشحونة بين سعي جونسون إلى خروج «قاسٍ» لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبرنامج غريمه العمالي جيريمي كوربن، الذي يوازيه وربما يبزّه في «راديكاليته»... ولكن يساراً.
وعلى الرغم من أن التوقعات، حتى اللحظة، لا ترقى لطموح سوينسون بالفوز برئاسة الوزراء، فإن «الديمقراطيين الأحرار» قد يجدون أنفسهم في موقع قوة في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل (تاريخ الانتخابات التشريعية المقبلة). والواضح أن حملة سوينسون تركّز على انتزاع مقاعد «عمالية» في المناطق التي صوّتت للبقاء في الاتحاد الأوروبي، واستغلال غضب بعض المعاقل «العمالية» التقليدية من نهج كوربن المتردد حيال «بريكست». ومعلوم أنه منذ أصبح كوربن داعماً لتنظيم استفتاء ثانٍ على الخروج من الاتحاد الأوروبي، تحت ضغوط من داخل حزبه، فإنه رفض تحديد ما إذا كان سيدعم الخروج أو البقاء.
في المقابل، فإن سوينسون تراهن على أن موقف حزبها كان متماسكاً منذ البداية، وأنه لم يتخلَّ أبداً عن تأييده للاستفتاء وللبقاء في الاتحاد الأوروبي. إلى ذلك، فإن «الديمقراطيين الأحرار» يراهنون على الفوز بتأييد بعض المحافظين، المعارضين لـ«بريكست»، إلا أن فرص حصول ذلك تبقى ضئيلة.
وفي مقابل هذا التفاؤل، اعتبر أنتوني ويلز، مدير الأبحاث في مؤسسة الاستطلاعات «يوغوف»، أن تحقيق «تقدم حقيقي» يشكل تحدياً كبيراً لـ«الديمقراطيين الأحرار». وهو رأي كرّره بعض المراقبين السياسيين، الذين أعربوا عن مخاوف من أن الحزب حدّ من جاذبيته لناخبي المناطق خارج العاصمة لندن (التي صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي)، بدعوته الصريحة لنقض الخروج من الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، يشكك البعض الآخر في معارضة «الديمقراطيين الأحرار» للحكومة الحالية، ومن هؤلاء نيكولا ستورجن، وزيرة أسكوتلندا الأولى والزعيمة القومية الأسكوتلندية، التي وصفتهم أمس بـ«حزب ويسمنستر»، لا حزب «معارضة بريكست».
بدوره، قال نيل باريش، وهو نائب محافظ، إن مواقف «الديمقراطيين الأحرار» ضمنت له مقعده في البرلمان. وتابع في تصريحات صحافية: «قد تنجح (استراتيجيتهم) في أجزاء من لندن، لكنها لن تنجح خارجها»، في إشارة إلى أجزاء كثيرة جنوب غربي إنجلترا. ثم أردف: «إن الناس يريدون فقط الخروج من الاتحاد الأوروبي».

التصويت التكتيكي
ولكن، في محاولة لمواجهة نقاط ضعفهم، يدعو مرشحون من «الديمقراطيين الأحرار»، الناخبين، إلى «التصويت تكتيكياً» لقطع الطريق أمام عودة المحافظين، مع أن معارضة سوينسون الشديدة والصريحة لزعيم حزب العمال كوربن، وسياساته، قد تعيق نجاح هذه الاستراتيجية.
ويرى الكاتب السياسي مارتن كيتل، في هذا السياق، أن حزب سوينسون لن ينجح في تعزيز عودته إلى الساحة السياسية سوى عن طريق انتخاب المزيد من نواب داخل البرلمان. ولن يحدث ذلك في نظره، إلا إذا كان هناك «نوع من الاقتراع التكتيكي في الانتخابات العامة المقبلة، شبيه بالذي ساعد بادي آشداون، الزعيم الأسبق للحزب، على زيادة عدد النواب الديمقراطيين الأحرار عام 1997 بأكثر من الضعفين». ويضيف: «أدرك الناخبون التقدميون آنذاك أنه قاد حزباً يمكنه العمل مع حزب توني بلير». بيد أن كيتل استدرك في مقال رأي نشره في صحيفة «الغارديان» فقال: «على النقيض من ذلك، تواجه سوينسون حالياً علاقة أكثر صعوبة مع قيادة حزب العمال الحالية التي لا يدعمها الكثير من مؤيدي الديمقراطيين الأحرار. ومع ذلك، ما لم تتمكن من جعل هذه العلاقة ناجحة، سيكون هناك فائز واحد فقط، ولن يكون الحزب الديمقراطي الحر».
في المقابل، وبينما ترفض سوينسون دعم كوربن، فإنها تسعى إلى التقرّب من الأحزاب المعارضة الأخرى. وحقاً، أعلنت أصغر ثلاثة أحزاب في بريطانيا، أول من أمس، اتفاقاً انتخابياً في محاولة لجذب المزيد من النواب البرلمانيين الذين يفضلون البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وانضم «الديمقراطيون الأحرار» إلى حزب «الخضر» البيئي و«الحزب القومي الويلزي»، في اتفاق تعاون للحصول على 60 مقعداً من أصل الـ650 مقعداً في البرلمان في الانتخابات المقبلة، ما يعني أن مرشحاً واحداً فقط سيمثل الأحزاب الثلاثة عن كل دائرة انتخابية تخوضها، كما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.
وعلقت جو سوينسون، في تغريدة، على الاتفاق بالقول «أنا سعيدة لأننا استطعنا إعلان هذا الترتيب للتأكد من أننا سنحصل على أكبر عدد ممكن من النواب المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي».
وأضافت: «مستقبلنا الأكثر إشراقاً سنصنعه بالعمل معاً، وبالتالي، يمكننا الاتحاد للبقاء (في التكتل الأوروبي)».
بدوره، قال حزب «الخضر» إن الاتفاقية ستسمح له «بالتنافس على 10 مقاعد في إنجلترا وويلز». وأفاد الزعيم المشارك للحزب جوناثان بارتلي، في بيان، بأن «هذا يتمحور حول إدراك كم سيكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مضراً - للأفراد وللبيئة - وضمان أن يكون هناك أكبر عدد ممكن من الأحزاب المنادية بالبقاء في البرلمان المقبل قدر المستطاع». ومن جهته، أكد آدم برايس زعيم «القوميين الويلزيين»، أن حزبه «سيولي أولوية لمصلحة ويلز الوطنية، وينحي السياسات الحزبية جانباً، للحصول على دعم أكبر عدد ممكن من النواب من الأحزاب المؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي في هذه الانتخابات الحاسمة».
وعلى أي حال، ستكشف الأسابيع القليلة المقبلة ما إذا كان رهان سوينسون ناجحاً، وما إذا كان حزبها سينهي عقوداً من «الثنائية الحزبية»، ويرجح كفة البرلمان لصالح دعم استفتاء جديد يفضي إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.