واشنطن تكثف من إجراءاتها الأمنية لوقف انضمام متطوعين إلى «داعش»

اعتقال شاب في مطار شيكاغو كان في طريقه للمتطرفين

والدا الشاب حمزة خان الذي اعتقل في طريقه إلى « داعش» (أ.ب)
والدا الشاب حمزة خان الذي اعتقل في طريقه إلى « داعش» (أ.ب)
TT

واشنطن تكثف من إجراءاتها الأمنية لوقف انضمام متطوعين إلى «داعش»

والدا الشاب حمزة خان الذي اعتقل في طريقه إلى « داعش» (أ.ب)
والدا الشاب حمزة خان الذي اعتقل في طريقه إلى « داعش» (أ.ب)

بينما تمكّن شاب عمره 19 عاما من اجتياز الإجراءات الأمنية بمطار «أوهير» الدولي في شيكاغو، يوم السبت الماضي، نفذت السلطات الفيدرالية خطة وضعوها بدقة في مختلف أنحاء البلاد خلال العام الماضي.
طلب ضباط مراقبة الحدود من محمد حمزة خان التنحي جانبا من أجل التحقيق معه، بينما ينتظر عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي بالقرب منه. كما ذهب محققون معهم مذكرة تفتيش إلى منزل السيد خان في بولينغبرووك، إلينوي، لتمشيط غرفته وسيارته، ومقابلة والديه. ومع انتهاء العملاء من التفتيش، كانوا قد عثروا على أدلة عدة تبين صلة السيد خان بـ«داعش»، بما في ذلك رسالة كان قد كتبها إلى والديه يطلب منهما المجيء للعيش معه في «دولة الخلافة» بسوريا.
وقال في رسالته: «يتزايد تراجع الأخلاق في المجتمعات الغربية يوما بعد يوم»، موضحا أنه لا يرغب البقاء في الولايات المتحدة، حيث تُستخدم أموال الضرائب التي يدفعها لقتل إخوانه المسلمين. وأردف: «لا أود أن يتعرض أطفالي لمثل هذه القذارة». كان السيد خان هو الشخص الـ10 ممن وجهت إليهم وزارة العدل (هذا العام) تهمة محاولة السفر للخارج لمساعدة الإرهابيين، بينما تحاول الوزارة العمل على وقف تدفق الأميركيين وغيرهم إلى الجماعات الإرهابية في سوريا، مثل تنظيم «داعش» وجبهة النصرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه جرت محاكمة 5 أشخاص فقط بناء على هذه الاتهامات في الفترة من عام 2011 إلى 2013. وكان معظم من أُلقي القبض عليهم هذا العام من الشباب (مثل خان)، وكان أكبرهم عمره 29 عاما، وولد 3 منهم خارج الولايات المتحدة، كما أُلقي القبض على فتاة واحدة عقب ارتباطها بشاب يقاتل من أجل «داعش» عبر الإنترنت، ورغم تحذير السلطات لها بعدم السفر إلى سوريا، إلا أنها حاولت السفر. وفي واقعة أخرى، حاول رجل الانتقال مع أسرته بكاملها للعيش في رحاب «داعش» بسوريا.
وفي حين ترى وزارة العدل أنه يتعين التركيز على الأميركيين الذي يسافرون إلى الخارج، لأنه من الممكن أن يتلقوا تدريبا ويصبحوا متطرفين، ثم يعودون إلى الولايات المتحدة لشن هجمات نيابة عن تلك الجماعات، ورغم ذلك ترى الحكومة الأميركية أنه لا توجد مؤامرات نشطة ضد الولايات المتحدة من جانب تلك التنظيمات.
ومن جانبهم، يعتقد المدافعون عن الحريات المدنية أن الجهود المبذولة من جانب الحكومة تحيد عن الصواب، لأنه لم يتضح أن هذه الجماعات مهتمة بالفعل بتدريب الأميركيين وإعادتهم إلى الولايات المتحدة للبدء في شن الهجمات.
وفي هذا الصدد، أشاروا إلى أن مقتل كثير من الأميركيين في ساحة القتال بسوريا والعراق لصالح جماعات مثل تنظيم «داعش»، مما يوضح أن تلك التنظيمات تعتزم استخدام الأميركيين من أجل السيطرة على الأراضي هناك.
ومن جانبه، يقول مايك جرمان، وهو زميل في مركز برينان للعدالة بكلية القانون في نيويورك: «حتى لو كنت تستطيع إثبات أنهم يشكلون تهديدا، فهل أنشطة مكافحة الإرهاب التي نشارك فيها تعمل على التخفيف من حدة التهديد أو تعزز منه؟»، وأضاف: «هل تكثيف الملاحقات المحلية وتصاعد الخطاب والتحذير يجعل الأمر أكثر قبولا بالنسبة لفئة من المجتمع قد تميل إلى التورط في شيء من هذا القبيل؟».
وتزعم السلطات الفيدرالية أن زيادة الملاحقات القضائية توضح كيف أنهم أصبحوا أكثر يقظة في تحديد التهديدات المحتملة، في ظل استقطاب المزيد من المتطوعين من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
وبدوره، قال جون بي كارلين مساعد المدعى العام للأمن القومي: «إننا نواجه جماعة إرهابية متفانية ماهرة في شن حملة دعائية للتأثير على السكان».
وكجزء من جهودها المبذولة لتحديد المقاتلين الأجانب، نشر مكتب التحقيق الفيدرالي يوم الثلاثاء شريط فيديو لأحد مقاتلي «داعش»، يتحدث بلكنة أميركية، ويوجه بندقية نحو أحد الرهائن، أملا في أن يتعرف أي من المواطنين الأميركيين على صوت هذا الرجل.
ووفقا لتقدير أجهزة الاستخبارات، فمنذ بدء الصراع في سوريا عام 2011، ذهب أكثر من 100 أميركي إلى سوريا، أو حاولوا الذهاب إلى هناك. وقُتل ما لا يقل عن 3 أشخاص أثناء القتال في ساحة المعركة، ويُعتقد أنه يقاتل الآن نحو 10 أشخاص لصالح «داعش».
السفر إلى سوريا أو أي دولة أخرى لم يكن أمرا محظورا من الناحية القانونية. وعلى ما يبدو، فقد وُجهت التهم لجميع للأشخاص الذين جرى القبض عليهم بموجب قانون فيدرالي يحظر تقديم دعم مادي للإرهابيين. ولإدانة الأشخاص، يتعين أن تبرهن الحكومة على أن الشخص كان ينوي تقديم شكل من أشكال المساعدة للتنظيم. وفي كثير من الحالات، يتبع مكتب التحقيقات الفيدرالي والمدعون الفيدراليون الإجراءات ذاتها لإقامة تلك الحجة.
وقد تمكنت السلطات (من خلال عملاء سريين) من الحصول على معلومات من الأشخاص الخاضعين للتحقيق بشأن نيتهم السفر من أجل الالتحاق بتلك الجماعات. ثم تنظر السلطات لحين إقدام المشتبه بهم على حجز تذكرة للسفر بالخارج والانخراط في صفوف تلك الجماعات، وعقب اجتيازهم الإجراءات الأمنية، يقوم عملاء مكتب التحقيقات بإلقاء القبض عليهم. فوفقا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، اجتياز الإجراءات الأمنية يثبت نية السفر للخارج.

* «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.