«الجنائية الدولية» تجدد مطالبتها بتسليم رموز نظام القذافي

TT

«الجنائية الدولية» تجدد مطالبتها بتسليم رموز نظام القذافي

جددت المحكمة الجنائية الدولية مطالبتها بتسليم ثلاث شخصيات ليبية، بينهم سيف الإسلام نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وهو ما سبب ردود فعل متباينة في البلاد، إذ رأى موالون للنظام السابق أنه «من العبث اتهام المخلصين لبلادهم بافتراءات وأكاذيب».
وطالبت فاتو بنسودة، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، ليبيا بتسليم سيف القذافي لاتهامه «بارتكاب جرائم ضد الإنسانية» عام 2011 في ليبيا، أما المشتبه بهما الآخران المطلوبان فهما رئيس جهاز الأمن الداخلي السابق التهامي خالد، المطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب في 2011. ومحمود الورفلي، القيادي في «لواء الصاعقة»، التابع لـ«الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقالت بنسودة إن نجل القذافي «لا يزال طليقا رغم الاتهامات الموجهة له من قبل المحكمة»، ورجحت في كلمة لها بمجلس الأمن مساء أول من أمس، وجود سيف الإسلام في مدينة الزنتان (غرب ليبيا).
ومنذ أن أطلقت سراحه «كتيبة مسلحة» بمدينة الزنتان (غرب ليبيا) في الـ11 من يونيو (حزيران) 2017، لم يشاهد سيف الإسلام في مكان عام، لكن متابعين، ومن بينهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، يتوقعون وجوده في مدينة الزنتان.
وقال الدكتور مصطفي الزائدي، أمين عام الحركة الشعبية الليبية، إن «المرء ليشعر بالأسف الشديد على ما وصل إليه حال المؤسسات الدولية»، معتبرا أن المحكمة الجنائية الدولية «تحولت إلى محكمة خاصة بأفريقيا، وملاحقة قياداتها السياسية والأمنية».
وأضاف الزائدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن «القول بارتكاب سيف جرائم حرب في ليبيا كاذب ومجرد افتراء، وقد ثبت بعد هذه السنوات العجاف عدم وجود أي من التهم المنقولة عام 2011، والتي كانت فقط لتحريض المجتمع الدولي للتدخل في ليبيا، وإسقاط نظامها الشرعي». وقال بهذا الخصوص إن «الدليل الأوضح هو حيثيات أحكام ما عرف بمحكمة استئناف طرابلس ضد قيادات النظام الجماهيري، الذين حوكموا بتهم الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات وحيازة أسلحة، وهي الأحكام التي صار يتندر بها الليبيون».
وتابع الزائدي موضحا: «سيف الإسلام حوكم من قبل تلك المحكمة الصورية، التي أصدرت قبل بدء الجلسات حكما باعتبار وجود المتهمين عبر الدائرة المغلقة بالفيديو حضورا ماديا، وهذا يلغي أساساً فكرة المطالبة بقضاء آخر... ليبيا لم تكن موقعة على اتفاقية روما لعام 2011، وهذا سبب قوي لعدم اختصاص تلك المحكمة بالقضية التي تتناولها»، مبرزا أن ما يقوم به مدعو محكمة الجنايات «هو بدوافع سياسية ليس إلاّ». بدوره، قال المحامي الليبي خالد الغويل إن قرارات المحكمة الدولية «لا تعنينا لأنها صناعة خاصة فصلت على حسب أهوائهم». فيما رأى عبد المنعم أدرنبة، مؤسس حراك (مانديلا ليبيا)، الداعم لسيف الإسلام، لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن «القذافي الابن بريء من الاتهامات الموجهة إليه»، ووجه انتقادات لاذعة للمحكمة الدولية، بقوله: «من العبث أن يتهم سيف القذافي، الذي كان يسعى للخير لبلاده والمنطقة، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية».
ويُتهم سيف الإسلام القذافي بقتل متظاهرين سلميين خلال حركات التمرد ضد والده عام 2011، وهو العام الذي شهد أيضا اعتقال نجل القذافي.
لكن مصدرا سياسيا بغرب البلاد قال إن نجل القذافي «سعى منذ اللحظات الأولى لاندلاع (ثورة) 17 فبراير (شباط) إلى وأدها بكل السبل، كما ارتكب هو ومؤيدو النظام جرائم ليست في حق المتظاهرين فقط، ولكن في حق البلاد طوال مدة حكم القذافي».
وتطرقت بنسودة إلى رئيس جهاز الأمن الداخلي السابق التهامي خالد، وقالت إن الأخير الذي كان يشتبه لدى صدور مذكرة التوقيف بحقه في أبريل (نيسان) عام 2017 بأنه مقيم في القاهرة «ما زال يقيم هناك»، في حين أن الورفلي «لا يزال ينعم بالحرية في منطقة بنغازي» (شرق ليبيا). موضحة أنه تمت ترقيته من رائد إلى مقدم، وأن «هذه الترقية تبعث رسالة واضحة بأن خليفة حفتر لا ينوي إطلاقا» تسليمه للقضاء.
ودعت بنسودة جميع الدول، بما فيها ليبيا، إلى تسهيل توقيف الفارين الليبيين فورا، ونقلهم إلى المحكمة، وقالت إن المشتبه بهم الثلاثة «متهمون بارتكاب جرائم دولية خطيرة، من ضمنها جرائم حرب وتعذيب، ومعاملة قاسية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم أخرى». فيما اعتبر عدد من أعضاء مجلس الأمن أن إفلات المطلوبين الثلاثة من العدالة «أمر معيب».
وتتهم المحكمة الجنائية التهامي خالد بشن هجوم واسع ضد المدنيين، واعتقال واحتجاز وإساءة معاملة المعارضين المحتملين لنظام القذافي في الفترة ما بين 15 فبراير و24 أغسطس (آب) 2011، لكن أدرنبة دافع عن التهامي، وقال إن الأخير «شغل وظائف أمنية عديدة، وكان لديه إلمام وحجم معلومات كبيرة يتعلق بكل الإرهابيين الدوليين، الذين يشكلون خطراً في ربوع القارة الأفريقية كافة».
من جانبه، قال المهدي صالح المجربي، القائم بأعمال بعثة ليبيا الدائمة لدى الأمم المتحدة، إن حكومة بلاده تتفهم ما أشارت إليه المدعية العامة من وجود حالة بطء في ملاحقة بعض المتهمين من قبل القضاء الليبي، مشيراً إلى أن هذا الأمر يعود إلى «الوضع الأمني الذي تعيشه ليبيا بسبب الصدامات العسكرية... في العاصمة طرابلس وضواحيها».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.